سارة طالب السهيل
كلما كنا نستمع لأنشودة فيروز بصوتها الملائكي، بحبك يا لبنان يا وطني بحبك، بشمالك، بجنوبك، بسهلك بحبك، فان كل الشعوب العربية كانت تشاطرها هذا الحب لوطن ترياق للأرواح والقلوب العطشى للجمال والابداع والفن والفكر والثقافة والتحضر والرقي.
ولكن الأقدار وضعت لبنان في مهب رياح العداوة للمحتل الغاصب الاسرائيلي وصار شعبا مقاوما منذ سنوات طويلة لهذا المحتل، ودفع ثمن باهظا حماية لجنوبه المقاوم ببسالة، دون ان تلتفت الشعوب الى جهوده وبطولاته في صموده على أرضه.
لبنان صار كبش فداء منذ سنوات طويلة وظل يدفع أثمانا باهظة
قد تضامنت شعوب كثيرة مع مأساة غزة وهذا هو المفروض على اقل تقدير ، ولكن هذه الشعوب نفسها لم تتضامن مع لبنان رغم ان القضية الفلسطينية واللبنانية واحدة وهي التحرر من المحتل الغاصب للحقوق وللأرض وللأمن والسلام.
وكما يقع مئات الشهداء في غزة، فان المئات ايضا من الشهداء والضحايا يسقطون واحدا تلو الاخر في جنوب لبنان، والمقاومون في الجنوب يدفعون ارواحهم وأمنهم وغذائهم دفاعا عن ارضهم دونما ان يلتفت اليهم احد الا النذر القليل من المتعاطفين مع عدالة قضيتهم.
الثمن الباهظ الذي يدفعه المقاومون في الجنوب لمقاطعة اسرائيل ورفضهم التطبيع مع رفضهم الاستسلام للضغوط الامريكية والغربية، جعلهم مستهدفين دائما بالغارات الاسرائيلية وبتدمير الاقتصاد وبتجويع شعب مسالم بطبعه ولايجد من يدافع عنه ولا يشكر جهوده في الاستبسال دفاعا عن وطنه ولا يثني على بطولاته طوال سنوات طويلة في الحرب والجهاد في سبيل نصرة قضيته المشروعة .
الشعب اللبناني يعيش معاناة يومية من غلاء الأسعار وقطع الكهرباء وتراكم المخلفات في الطرقات، وهذه المعاناة جزاء كل من يتحدى أمريكا واسرائيل، فتقدم لبنان الشهداء يوميا دون ان تجد تضامنا يليق بها اسوة بغزة .
ولا أدري ما الحكمة من هذا الكيل بمكيالين فيتعاطف الشعوب مع قضية دون غيرها؟
فاذا وجدنا رجلا ينزف في الشارع بعد ان خبطته سيارة مسرعة، فهل لي أن أسأله أولا من أي بلد أنت؟ فإذا اجاب لبنات و انا كنت من تركيا فلا اتعاطف معه مثلا و اتركه نازفا في ارضه !؟؟فاذا قال لي انه من لبنان فقلت له من الشمال ام الجنوب، فان كان من الجنوب فهل لي ان أتركه مدرجا في دمائه وأرحل دون ان أقدم له انقاذا سريعا لحياته، لان موقعه الجغرافي داخل الوطن الواحد يفرق معي اكثر من كونه انسان ؟واذا سألته ما دينك مسيحي ام مسلم؟ فان أجابني بانه على طائفة غير طائفتي فأدعه وأرحل بعيدا !!
لا أدري ما الذي أصاب انسانيتنا وأفقدنا بوصلة الرحمة والتراحم، وما الذي أصاب مقايس الفضائل في حياتنا؟ فأنا سارة السهيل لم أتربي على هذه العنصرية البغيضة التي تميز بين بني البشر بسبب عرقه ولونه ودينه وطائفته ومذهبه لم نكن نعرف هذه العنصرية والتفتيت .
ولكن بعد ظهور وانتشار السوشال ميديا بدأنا نسمع هذه الافكار المسمومة الممجوجة و اصبح الرعاع الغير مثقف يصنف الناس بأشكال و أنواع الأصناف التي لم نكن نسمع بها من قبل وصارت هنا كتصنيفات للبشر وتحديد الموقف منهم بناء على الشكل واللون العرق و الدين والطائفة و توسعت الامور لحد الفكر والرأي و ربما الحزب بينما غابت أصوات الحق والفضيلة والحكمة .
لذلك وجدنا الدول العربية التي ساندت الحق الفلسطيني كسوريا واليمن ولبنان وقبلهم العراق قد صاروا في مهب الريح واستهدفوا في أمنهم وارواحهم وخربت ديارهم ومستقبلهم . و الله يحمي الأردن و يحفظه من كل شر وسوء يارب العالمين
وانا لا أدعو باقي الدول العربية لاحتذاء تجربة المقاومة نصرة للقضية الفلسطينية، لكن على الأقل نحترم جهودهم ونقدر بطولاتهم ، ربما بعد كثرة الضحايا والخسارات في الأرواح و نحن بنات حواء ضعيفات القلوب ولهذا لم يكتب علينا الجهاد ومن هنا اقول طالما ليس لدينا القوة فالأفضل دون ان ننجرف في حروب ليس في مقدور دولنا العربية تحقيق النصر فيها على الأقل في هذه الفترة الصعبة من تاريخنا العربي.و خاصة انه دولة او اثنين او ثلاثة فقط ستدفع الثمن و الباقي مرتاح.
إذا عندما يتفق الجميع اطلبوا من الجميع الوقوف صفا واحداً ولكن حينما يتخلى الجميع من الصعب ان يدفع شعب واحد الثمن وحده لا اعرف ان كنت اوصل فكرتي بطريقة واضحة.
والحقيقة انني محبطة من واقعنا خاصة وان التحديات الدولية اكبر من طاقاتنا على المجازفة بأرواح شعوبنا، واشعر ان الله لم يأذن لنا بالنصر في فترة تاريخية يتساقط فيها الشهداء كحبات المطر و قد عانيت ثلاثة اشهر صحيا بسبب ما اشاهده في حرب غزة من ضحايا تدمي القلب وتفطر الروح .
فقد خربوا العراق وفلسطين واليمن وليبيا، وفشلوا مع مصر، وفشلوا مع الأردن الذي يقاوم بطريقته لتثبيت الأمن والأمان لشعبه، ولذلك فإنني أحيي الحكومات والقادة العرب الذين استطاعوا حتى اليوم حماية شعوبهم من القتل والذبح والخراب والتدمير.
فمع كامل تضامني مع المقاومة اللبنانية، فإنني أحيي الأردن لأنه يقاوم الحرب والقتل والتجويع، فملكنا الملك عبد الله يقاوم بالحفاظ على أرواح شعبه وصون مقدراته فمن يحب أبنائه يجنبهم التهلكه.
ولما كانت الحكمة هي ضالة المؤمن، فان الحكمة اليوم تبصرنا بحقيقة عدم قدرتنا على محاربة امريكا والدول الغربية المتحالفة مع اسرائيل، وان حماية بلادنا العربية من الخراب وتمتعها بالسلام خير من سقوط ملايين الضحايا، ومن حمى شعبه من القتل و ارضه من الاحتلال ومبانيه و مؤسساته من الدمار أضعه فوق رأسي فهذا حقه في الاختيار وفقا لظروفه وقدارته وحكمته تجنيب شعبه الذبح وازهاق الأرواح البريئة .
وفي الوقت نفسه لا استطيع انكار حق المقاومين في غزة أو جنوب لبنان دفاعا عن ارضهم، لكني أرفض عدم المساواة بين المقاوم الغزاوي ونظيره اللبناني في تقديم الدعم على الاقل العاطفي والمعنوي والاعلامي.
وألف ألف تحية للمقاومة في الجنوب اللبناني الذين يسقطون شهداء للحق والوطن، وقلبي ينفطر عليهم كما ينفطر على شهداء غزة .
لكني كأنثى تحمل في قلبها وجدان الأمومة، فلا أتحمل القتل والذبح واراقة الدماء وخراب البلدان ـقلب الأم يبحث دوما عن الأمان والسلام لأبنائها أبناء الوطن الغاليين، فاذا لم نستطع ان نكون كدول عربية على قلب رجل واحد ونقاتل صفا واحدا لإنهاء الصراع العربي الاسرائيلي، فلكل دولة الحق في حماية شعبها وحدودها ومقدراتها وفقا لقدراتها وظروفها .