التحديث الإداري تصريحات دون انجازات !!!
بقلم الدكتور رافع شفيق البطاينة ،،،
منذ حوالي عقدين من الزمن ونحن نسمع عن الإصلاح الإداري ، فتارة يثور الحديث عن ثورة بيضاء بالإدارة العامة كما حدث في حكومة دولة عبد الكريم الكباريتي عام 1996 ، وتارة كان الحديث عن التطوير الإداري ، وأخيراً تم الحديث عن التحديث الإداري ، لكن على الواقع الميداني والعملي لم نلمس لا ثورة بيضاء ، ولا تطوير إداري ، ولا حتى تحديث إداري حقيقي ، فما زلنا مسكونين بعبارة دولة عبد الرؤوف الروابدة "أطال الله عمره" المشهورة في ظلال الإدارة المرعوبة، وغير قادرين على الخروج من هذه العباءة، فالحكومة السابقة شكلت لجنة وزارية وخبراء من أجل تحقيق وتنفيذ التحديث الإداري بناءً على التوجيهات الملكية السامية لكن بقيت وغادرت وهي تحوم في ظلال الاجتماعات والتصريحات وإعداد المنظومات وتعديل التشريعات ، ولم نقطف ثمار هذه اللجان والمصفوفات النظرية ، لقد تشكلت قبل ما يزيد عن عقدين من السنوات وزارة للتنمية الإدارية من أجل تطوير الإدارة العامة ، لكن سرعان ما تحولت إلى وزارة لتطوير القطاع العام ، ثم إلى وحدة للتطوير المؤسسي داخل رئاسة الوزراء ، وإلغاء وزارة تطوير القطاع العام ، وبعد ذلك تشكلت عدة لجان مختلفة هنا وهناك لغاية تحقيق التحديث الإداري عمليا لا نظريا ، وعملت اللجنة الإدارية في مجلس الأعيان على الملف برئاسة معالي خالد البكار واستعان بأصحاب الخبرة من خبراء الإدارة والأكاديميين وجهزوا ملفا مع التوصيات ولا نعلم أين أصبح هذا الملف، ولمن ذهب من أصحاب الاختصاص ، أم طوي داخل الخزائن أم انتهى به داخل أدراج الحكومة ، ومع قدوم هذه الحكومة تم إعادة وزير تطوير القطاع العام دون وزارة وأمين عام وكوادر إدارية ، وبدون صلاحيات قانونية ، لأن معهد الإدارة العامة مرتبط برئيس هيئة الخدمة والإدارة العامة ، ورئيس الهيئة مرتبط برئيس الوزراء ، حتى تفويض رئيس الوزراء للوزير كان محصوراً بالتوقيع على المراسلات المعنية بتطوير القطاع العام ، وتم إسناد الوزارة لوزير من خارج الإختصاص مع الإحترام لشخصه الكريم ، فهو يتمتع بخلق طيب وخبرة نيابية طويلة ، وخبير مختص في مجال الإستثمار وكنا نتمنى أن يتولى وزارة الإستثمار لما يتمتع به من خبرة متميزة تؤهله لإنجاح هذه الوزارة ، وتسليم وزارة تطوير القطاع العام لذوي الخبرة من خبراء الإدارة ممن مارسوا ولديهم خبرة وتجارب ميدانية وعملية في تطوير وهيكلة معظم الوزارات ، وتدريب وتأهيل معظم الكوادر البشرية العاملة في القطاع الحكومي، والقطاع والخاص، وهم كثر في هذا الوطن ، لكن ما نشاهده في هذا المجال مجرد زيارات بروتوكولية واجتماعات داخل الغرف المغلقة ، والاستمتاع إلى إيجازات نظرية على الورق وتصريحات ومجاملات من الوزراء للقيادات الإدارية الحالية ، على الرغم أننا لم نشاهد لها إنجازا حقيقيا على أرض الواقع ينعكس إيجابياً على المواطنين ، وعلى الإدارة العامة ، ولم نسمع عن زيارة ميدانية قام بها الوزراء إلى موظفي الدوائر والإستماع لهم وأخذ تغذية راجعة عن أداء قياداتهم الإدارية ، راجعت إحدى الدوائر في العاصمة عمّان من أجل إنجاز معاملة ما فجاءني الجواب عليك الذهاب الى محافظة إربد كون المعاملة بدأت في إربد فقلت للمسؤول إذا أين الربط الإلكتروني والتحديث والتطوير الإداري ، والمعاملات الإلكترونية والرقمية ، يا سادة يا كرام التحديث ليس تشريعات وزيادة عدد شواغر الفئة العليا ، ومدح وإطراء القيادات الإدارية الرابضة منذ سنوات طوال على كراسيها ليس لديها خطط حديثه ، أو ما هو جديد للتطوير ، فالتحديث يجب أن يشمل تغيير الأدوات والقيادات ، لأن إصلاح السيارة يتم بتغيير القديمة بقطع جديدة، وليس بنفس القطع القديمة المتهالكة، والتحديث الإداري، أو الثورة البيضاء الإدارية بحاجة إلى قرارات جريئة بعيداً عن المجاملات والإطراءات للقيادات ، وبعيداً عن التنفيعات والترضيات وجبر الخواطر ، وإنما بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب ضمن اختصاصه وخبرته، فالنجرب خبراء الإدارة ولو لمرة واحدة ، ونشاهد ماذا سوف يقدمون للإدارة العامة وتحديثها وتطويرها ، فلن نخسر شيء، لأن أهل مكة أدرى بشعابها ، أما موضوع التظلمات يا ريت لو يتم تزويدنا بحالة من التظلم تم انصافها ، فالتظلم يتم تقديمه لمن ظلم، فيصبح القاضي هو الخصم والحكم ، وتبقى تحوم بين اللجان وتنتهي في خزائن أو أدراج المسؤولين ، أما البقاء في عباءة الادارة المرعوبة من هذا المسؤول وعشيرته ، من أو نائبه ، أو واسطته، وأن نبقى في خانة وزاوية جبر الخواطر لن نتقدم خطوة واحدة للأمام ، وننجز شيء ملموس وقد دخلنا في مئوية الدولة الأردنية الثانية، وسنبقى في مرحلة التسويف والطموح ، ومكانك سر، وهذه دعوة إلى دولة الرئيس الذي يجول في الميدان بأن هذه الجولات لن تؤتي ثمارها ما لم تطور الإدارة وقياداتها، هناك بعض القيادات الإدارية تتعامل مع موظفيها ومؤسساتها وكأنها شركات خاصة لهم تسرح وتمرح بقراراتها دون رادع، ودون حسيب أو رقيب ، وهذه رسالة إلى معالي وزير تطوير القطاع العام الذي صرح قبل أيام واعترف بنفسه بأن معظم مشاكلنا هي إدارية ، وهذه الوصفة جربت سابقا من قبل معالي وزير الصحة فراس الهواري عندما صرح بأن مشكلة القطاع الصحي في الإدارة ، ونجح في تطوير القطاع الصحي وحصل على تكريم ملكي لأنه وضع يده على الجرح وعالجه مباشرة، فهل يفعلها دولة الرئيس ، ومعالي وزير تطوير القطاع العام ، ونخرج من عباءة الإدارة المرعوبة، نحن في الانتظار ، وأن غداً لناظره لقريب ، وللحديث بقية.