شريط الأخبار
الأردن يشارك في الاجتماع التنسيقي العربي للقمة العربية الروسية الأردن يدين فتح سفارة لجمهورية فيجي في القدس 3 شهداء في غارة لمسيّرة إسرائيلية على البقاع اللبناني البابا: أعرب عن قربي من الشعب الفلسطيني في غزة الأردن وقطر: شراكة متجددة بإرادة سياسية ورؤية اقتصادية مشتركة وزير الزراعة: "المهندسين الزراعيين" شريك استراتيجي في تحديث القطاع جامعة البلقاء التطبيقية تحصد المركز الأول في هاكاثون "نبتكر لسلامة الأغذية" بالرياض عبر مبادرة Basket of Life ريال مدريد يخسر خدمات أرنولد لفترة طويلة الأسواق العالمية في حالة ترقب.. استقرار الأسهم وتراجع الذهب قبل قرار الفيدرالي الأمريكي بوتين يمدد العقوبات المضادة المفروضة على الدول غير الصديقة حتى نهاية عام 2027 الأهلي المصري يصدر بيانا حاسما بعد انتشار إشاعات "طلب زيزو" المثير للجدل وزير روسي: اقتصادنا سينمو رغم أسعار الفائدة المرتفعة "لن نسمح بتمزيق أمريكا": لماذا يسعى ترامب لمحاكمة سوروس؟ مبابي يكشف سر فوز ريال مدريد على مارسيليا 118 مليون دينار حجم التبادل التجاري بين الأردن وقطر الصحة: ارتفاع عدد حالات التسمم بين الطلاب في إربد إلى 42 ماذا قال الشيخ تميم عن لقائه الملك عبدالله الثاني منتدى الاستراتيجيات: ارتفاع نسبة ثقة الأردنيين بالحكومة بنسبة 39% عام 2024 وزارة الاستثمار :الأردن يوفر بيئة استثمارية متميزة وبوابة للأسواق العالمية ماذا تعني قلادة الحسين بن علي.. التي منحها الملك لـ الشيخ تميم

اشتية يكتب : مخاطر التهجير بين التهوين والتهويل

اشتية يكتب : مخاطر التهجير بين التهوين والتهويل

د. حفظي اشتية

تصريحات الرئيس الأمريكي "ترامب" بشأن تهجير فلسطينيي غزة إلى الأردن ومصر ملأت الدنيا خلال الأيام الماضية وشغلت الناس، وتصدرت أحاديثهم في المجالس، وبادر المسؤولون في الدولتين إلى التعليق وبيان المواقف وإعلان الرفض، وخاض الكثيرون من الكتّاب في الموضوع، ونُشرت مقالات كثيرة في الصحف والمواقع الإخبارية، وأذيعت مقابلات عديدة لمتحدثين في الفضائيات. والمراقب المتابع لكل ذلك يمكنه تصنيف المضامين في ثلاث فئات:

ــ الفئة الأولى:

لجأتْ إلى تهوين الأمر، فالرئيس ــ وفق رأيها ــ يهرف بما لا يعرف، وهو لا يعني ما يقول، وله تصريحات سابقة مشابهة في مواضيع شتى لم تؤخذ بجدية، وقد يكون كلامه الآن مجرّد مجسّات اختبار، أو سبر نوايا، أو جبر خاطر للمحتل الذي اختل توازنه بالاتفاق على الهدنة دون تحقيق أهدافه، أو مهادنة وملاينة لليمين المتطرف المعارض الشرس، أو تهدف إلى التهويش على الدول العربية المعنية لابتزازها، والتلويح بعواقب عدم إذعانها للرغبات الأمريكية، والتلميح بمخاطر ترددها في ذلك أو معارضتها أو تفلّتها من الهيمنة المسلّطة على رقابها ترغيبا وترهيبا.

وقد تُحمل تلك التصريحات عند بعضهم على جناح حسن النية!! بأن الرئيس يريد فعلا أن يخفف الزحام في القطاع الذي يعيق الإعمار، وأنه ينظر للأمر نظرة مجردة من العواطف، وتعلّق السكان بأرضهم، وتشبثهم في وطنهم بعد عذاب التشرد والتهجير والحرمان على مدى قرن من الزمان، فلا بأس لديه أن تُلبّى رغبتهم!! بإزاحتهم وإراحتهم، طالما أن أمريكا لا تلتزم باستضافتهم، ولن تخسر شيئا مقابل استيعابهم، بل بالعكس ستربح كثيرا في الاستثمار بأرضهم، وتخدم بذلك أهداف المحتل، وتلتحم مصالحها بمصالحه.

ــ الفئة الثانية:

وهذه ترى أن ما يريده الرئيس الأمريكي سيتم حتما، وأن أمره قضاء مبرم، وأن ما يجمجم به في المنام ليس أضغاث أحلام، بل هو أمر نافذ محتوم.

تصريحاته ليست مجرد ثرثرة، ولا هي فقاعات متناثرة في طائرة، إنه يعي حقا ما يقول، ويعني جيدا ما صرّح به، والأمر ليس وليد لحظته، بل هو مخطط له طويلا، تمّ بحثه عميقا، وكان الوعد بتنفيذه سببا في قبول اتفاق الهدنة الفوري، ليتم استرداد الأسرى أولا، والتفرّغ بعد ذلك لإنجاز إخلاء غزة من معظم سكانها، تليها الضفة، تمهيدا للسعي قُدما نحو تحقيق المشروع الكبير الخطير في المشرق العربي بأسره. وما فعله هذا الرئيس خلال فترة رئاسته الأولى دليل يؤيد هذا التحليل، واختياره للمسؤولين حوله يوحي بنيّته المبيّتة لفرض صفقة غُبن جديدة معدلة، تفرض أمرا واقعا، وتقتلع القضية الفلسطينية من جذورها، وتطمسها من التاريخ الحديث لتنزوي بعيدا في مخيّلات أهلها الذين ستهدّهم مرارة واقعهم، وتهدم آمالهم، وينحصر جهدهم في مراقبة قطار التطبيع السريع الذي يدوس أحلامهم، بينما نظرهم يرتد إليهم كليلا حسيرا، فقد دهمهم ما لا قِبل لهم به، وليس أمامهم إلا الرضا بالهمّ وإن لم يرضَ الهمّ بهم.

ــ الفئة الثالثة:

تشعر بالمهانة العظمى من حالتنا العربية التي تسمح للرئيس الأمريكي بمثل تلك التصريحات، وقبل أن تندفع في هبّة عاطفية أبيّة "كولومبية"، وذلك هو الذي تتمناه، تراها تستذكر قول الشاعر:

ولو أن قومي أنطقتْني رماحُهم نطقتُ، ولكنّ الرماحَ أجرّتِ

لذلك، تكظم غيظها، وتحكّم عقلها، وتحجب عاطفتها، وتفرد أمامها حساباتها، وتصل إلى نتيجة مفادها أنّ رفضَ تصريحات الرئيس ومعارضتَها أرحمُ ألف مرة وأسلم من مسايرتها والخضوع لها.

وهي تعلم يقينا أنّ الكلفة باهظة، وأنّ نسبة المخاطرة عالية، لكنْ لا بدّ مما ليس منه بدّ.

سنتعرض إلى ضغوط اقتصادية هائلة، ونحن غارقون أصلا في معاناة نئنّ من أعبائها، وستدور حولنا مكائد سياسية وألاعيب مكر هُم سادتها.

سيتم الضغط على سكان القطاع والضفة فوق طاقة البشر على التحمل، في بيئة طاردة لكل وسيلة للنجاة أو الحياة، سيتعثر الإعمار، ستتأخر المساعدات الإنسانية، سيُنفخ في نيران الفتنة والفرقة بين الأهل، ستُفتعل الإشكالات في المفاوضات لإعاقتها أو وقفها.... لكنْ لا مناص من استمرار الصمود الذي قلّ نظيره في العالم قديما وحديثا، والحفاظ على صورة البطولة الخارقة التي أبداها هذا الشعب العظيم، والتضحيات الجسيمة التي تحمّلها، فالموت بشرف مرة واحدة على أرض الوطن أهون ألف مرة من موتة مذلة كل يوم خارجها.

مأمولٌ من مسؤولينا في الأردن ومصر أن يطرقوا كل باب للدبلوماسية لدرء الخطر، وأن يستثمروا كل نقاط القوة لديهم، وأن ينسقوا فيما بينهم، وأن يصارحوا الشعب، فالشعب يتفهم عميقا أن هذين البلدين قلعتان عربيتان لا بدّ من تحصين صمودهما أمام الخطر الداهم القادم، ولا بدّ من الاستعداد الواعي لكل احتمال، والبحث سريعا عن البدائل المتاحة للمساعدات الأمريكية المهينة، والبدائل كثيرة لمن يسعى إليها ويبحث عنها، وأقلها ترشيد الإنفاق في كل شيء، والسعي بجدّ ودأب لاستئصال الفساد الذي نهب الكثير من الثروات. الشعب سيصبر إنْ أيقن أنّ صبره ضريبة لكرامته وصون القضية الدينية القومية. الشعب سيصبر فوق طاقته عندما يستحضر أن التهجير سيهدّ أركانه، ويزعزع أمانه، ويضيّع وطنه وقضيته العادلة ومقدساته، ويكون "حصان طروادة" لتمرير المشاريع الخطيرة القادمة التي لن يسلم منها أحد، ولعل ذلك يوقظ الحس العربي الإسلامي بأن المخاطر تطال الجميع، ولا بدّ من أن يبادر سريعا القادرون ماديا لمساعدة إخوانهم على الصمود، وفي ذلك منفعة عظمى لهم أنفسهم، وخطٌّ أوليّ متقدمٌ للدفاع عنهم.