
طارق عوده
نعيش اليوم في زمنٍ صار فيه الحُلم البسيط بتأسيس أسرة أشبه بالمستحيل. فالشباب الأردني ينهكه غلاء المعيشة، وتثقل كاهله الأسعار التي لا ترحم، من أبسط حاجاته اليومية إلى أحلامه الكبيرة بالاستقرار والزواج. يقف آلاف الشبان على مفترق طرق، لا لأنهم فاشلون أو متقاعسون، بل لأن الواقع الاقتصادي يُطفئ الأمل في أعينهم ويشلّ قدرتهم على المضي قدمًا.
في الماضي، كان الزواج يُبنى على المحبة والتفاهم، وكانت الأسرة تتكاتف لتُعين الشاب في بدايته. أما اليوم، فقد تحول الزواج إلى صفقة مالية معقّدة، تبدأ من مهرٍ مرتفع لا يقدر عليه الكثيرون، ولا تنتهي عند حفلات باهظة وطلبات مرهقة، وكأننا نحتفل بالديون لا بالمحبة.
هذا الواقع القاسي خلق فراغًا عاطفيًا واجتماعيًا في حياة كثير من الشباب والفتيات، فبدأ البعض – عن جهل أو ضيق أو طمع – يلجأ إلى طرق منحرفة للخلاص، ومنها ما بات يُعرف اليوم بـ"الدعارة الإلكترونية". ظاهرة تنتشر كالنار في الهشيم عبر صفحات وهمية وجروبات مغلقة على مواقع التواصل، تستغل الحاجة، وتروّج للانحراف تحت عباءة الصور والرسائل الخاصة، وأحيانًا حتى علنًا بلا خجل.
لا نتحدث هنا عن حالات فردية فحسب، بل عن ظاهرة باتت تهدد مجتمعنا من الداخل، وتضرب في عمق قيمنا الأردنية الأصيلة. ما يُنشر على هذه الصفحات لا يسيء فقط لمن ينخرط فيه، بل يسيء لصورة الأردن في عيون الداخل والخارج. نحن بلد عرف العفة والكرامة، بلدٌ حافظ على قيمه رغم الأزمات، فلا يجوز أن يُشوّه وجهه الجميل ببعض الممارسات التي لا تمثل إلا أصحابها.
لكن، لن نكون صادقين إن ألقينا اللوم كله على من وقعوا في هذا المستنقع. فالمجتمع الذي يغلق أبواب الزواج، ويحمّل الشاب ما لا يُطاق من تكاليف، ثم يلومه إن انحرف، هو مجتمع يحتاج إلى وقفة مع نفسه. نحن بحاجة إلى مراجعة جماعية، لإعادة الاعتبار للقيم، وللتيسير لا التعسير، ولتشجيع الزواج لا تعقيده.
ليس ضعف الإيمان وحده سببًا لهذه الظواهر، بل أيضًا غياب الدعم، وتهميش الشباب، وانتشار البطالة، وغلاء كل شيء حتى الحلال... فصار بعضهم يبحث عن الرخيص، ولو كان حرامًا.
أدعو الدولة والمجتمع والأسرة، أن يُعيدوا النظر في أولوياتهم. فالمعركة الحقيقية ليست في إغلاق صفحة هنا أو هناك، بل في فتح باب الزواج، وتسهيل الحلال، ومحاربة الفقر والعوز بالعدل، لا بالإنكار.
فلنحمِ شبابنا، لا بسياط الخوف، بل بفرصٍ كريمة، وحياة تليق بهم، وبيئة تحفظ لهم كرامتهم، قبل أن نستيقظ على جيل فقد الثقة بكل شيء.
ويا ويل أمةٍ باعت العِفّة بلقمة،
فلا المال دام، ولا العرض سَلِمْ.