شريط الأخبار
الملك يلتقي وجهاء وممثلين عن أبناء وبنات الكرك ويؤكد أهمية مواصلة الحكومة تنفيذ مشاريعها بالمحافظة السفير العضايلة : متحف المصري الكبير هدية من أرض الكنانة للإنسانية النائب الروابدة يسأل "وزير الإعلام" حول معايير ظهور المسؤولين على الفضائيات بمشاركة الأردن.. إسطنبول تحتضن الاثنين اجتماعا حول مستجدات وقف النار في غزة الرئيس الإيراني: سنعيد بناء منشآتنا النووية بقوة أكبر بعد انقطاع عامين ونصف .. وصول أول رحلة عارضة بولندية إلى العقبة الصليب الأحمر يبدأ البحث عن رفات إسرائيليين خلف الخط الأصفر نتنياهو: لن نسمح بأن تعود جبهة لبنان مصدر تهديد "لإسرائيل" النائب الظهراوي يدعو الحكومة لتركيب 5500 كاميرا "تراقب الفقراء" بدلًا من مخالفات السير وزير الداخلية يزور دار محافظة العقبة ويجتمع مع مجلسها الأمني مندوبًا عن رئيس الوزراء.. وزير الثقافة يفتتح برنامج مكتبة الأسرة الأردنية 2025 الامن يعلن القبض على 13 متورطاً بحوزتهم كميات كبيرة من المواد المخدرة في سبع قضايا نوعية المومني: المرأة العربية كانت وما زالت حاضرة في قلب المشهد الإعلامي جندي إسرائيلي عائد من غزة: أحلم بأن أتلقى رصاصة بين عيني فأنا جثة تمشي القاضي وعطية في زيارة لرئيس مجلس النواب السابق أحمد الصفدي وزير التربية يؤكد أولوية تطوير التعليم المهني والتقني الاحتلال يواصل خرق اتفاق وقف إطلاق النار ويكثف عمليات نسف المنازل في غزة وزارة التربية جهّزت 1079 مختبرا إلكترونيا لامتحانات التوجيهي خلال عام الخارجية تتسلم نسخة من أوراق اعتماد السفير السعودي الأردن يرفع سعة تخزين الحبوب في الغباوي والموقر والقطرانة والمفرق

دكّان حارتنا بقلم: عاطف أبو حجر

دكّان حارتنا بقلم: عاطف أبو حجر
القلعة نيوز:

كان يا مكان، في زمنٍ لم تُدنّسه السرعة ولا التكنولوجيا، حين كان القلب يبتسم لأبسط الأشياء، وكانت الحارة عالماً صغيرًا لا يتعدّى زقاقاً ترابيًّا تتعانق فيه الأرواح قبل الأجساد، وكان دكّان العم أبو "مشاري أبو السمن" في وادي الأكراد، بمثابة القلب النابض لذلك العالم.
ذاك الدكّان العتيق، الملتصق ببيت العم أبو "عادل الريالات"، لم يكن مجرّد متجر؛ بل كان حاضنةً للطفولة، وملاذًا للكبار قبل الصغار. رفوفه الخشبيّة التي أكل الزمانُ من أطرافها، كانت تشهد كل يومٍ على قصصٍ من البساطة والكرم، وعلى أيدٍ صغيرة تمسك بعدد قليل من القروش وتنتقي الحلوى بعينين تلمعان من الفرح.
ويا له من فرحٍ بسيط! بكيتات "السلفانة" الخضراء المحشوّة باللوز، و"توفا الناشد" التي تذوب في الفم وتوقظ الحنين، و"ملبس الحبال" الذي لا تعرف إن كنت تأكله أم تزيّن به العيد. كانت الألوان، والروائح، والضحكات، تصنع لوحاتٍ لا ترسمها ريشة فنان بل ذاكرةُ الزمن الجميل.
وما أجمل الأمثال التي كانت تلوكها الألسن أمام باب الدكّان: "الجار قبل الدار"، و"من جاور السعيد يسعد"، فقد كان الجوار يعني كل شيء، وكان العم "أبو مشاري" لا يكتفي بالبيع، بل يوزّع الحكمة كمن يوزّع الحلوى.
في ركن الدكّان الأيمن، برميل الكاز الحديدي ٢٠٠ لتر، وإبريق عيار البيع والمحقان، وفي الجانب الآخر، برميل اللبن الأزرق المخيض، تشتمّ منه رائحة الأرياف. أما الثلاجة، فكانت رفاهية العجائب: "الديربي" من جبري، "البوظة ذات العودين"، و"الإيما" بلونيه الأبيض والبني، تُخرجها ويدك ترتجف من البرد والفرح.
كان هناك رفّ مخصّص للمعلّبات: السردين، والتونا، والأجبان، والطحينية، والمعكرونة، والرز، والسكر بالوزن، وشاي الغزالين الفرط والمعلّب، والقرشلة، والبرازق، والخميرة، وملح الطعام، وملح الليمون، والبيكنغ باودر، والفانيلا، وعلكة الليدن، وعلكة المخدّات، وعلكة السهم، وحلوى المصّاص الدائري الصغير، ومصّاص الديك والعصفور "أبو صفيرة"، والقضامة، والفستق، والبزر الإيراني، والملبّس "علوز"، والنوجة.
لا ننسى مشط الكف، والبكَل، ولُهيّات الأطفال، وإبر وجِلد البابور، والبطاريات للراديو، وحجار القدّاحة، ومكانس القش، وأباريق المياه، والمجاريد، والحصّالات البلاستيكية، وخيطان المصيص، وخيطان الفتلة لهُدب القضاياق، وأكياس لوكس، والشمبر، والسبيرتو، ومقصّات الشعر والأظافر، والمرايا الدائرية، وملاقط الشعر.
وكان هناك رفّ خاص بالقرطاسية والأدوات المدرسية: علب الهندسة، والمساطر، وأقلام الرصاص، والبَرّايات، والمَحّايات العادية والمعطّرة، ومسّاحة الحبر، وأقلام حبر "البك"، ودفاتر العربي، والإنجليزي، والحساب المربّعات، والعلوم الطبيعية، والرسم، والألوان البلاستيكية، والخشبية، والمائية، والمعجون، وورق التجليد الأصفر للهدايا والكتب، والصمغ، وأقلام الفولماستر، وسحبة البلّونات العادية و"البوش".
ورفّ الدخان: الجواد ستار، والكمال، والريم، والفلادلفيا، وكبريت "الثلاثة نجوم".
وكان هناك رفّ خاص بمنظّفات زمان: السيرف، والنيلة، والسنو، وليف الحمّام، وصابون ندى، والصابون الزيتوني النابلسي، وصابون اللوكس، وبودرة الأطفال، وفراشي ومعجون الأسنان، والقطن، والعطوس.
وللأعياد في الدكّان قصة لا تُنسى؛ فالحبال تتدلّى منها الألعاب، والمسدّسات البلاستيكية الملوّنة، والسيارات الصغيرة التي لا يتعدّى حجمها عقل الإصبع، ولكنّها كانت تملأ القلب دُنيا. والمداليات الفضية والذهبية التي كانت تحمل شعار دورة الألعاب الأولمبية، والفريريات، ومسدّسات الفلّين، ومسدّسات الماء، ومجموعة كبيرة من الألعاب التي لم تكن تظهر إلا في الأعياد. كانت تلك المواسم تفيض بالحياة، وكأنّ الدنيا خُلقت من جديد.
قالوا قديمًا: "اللّي ما له قديم، ما له جديد"، ونحن أبناء السبعينات نعرف أن كلّ ما نملكه اليوم من تكنولوجيا، ورفاه، وسرعة، لم ولن يسدّ مكان تلك السويعات التي كنا نقضيها أمام دكّان صغير في آخر الزقاق، نعيش الدنيا بحجم بسكوتة "ماري" وعلبة سردين.
لقد كان دكّان الحارة كتاباً مفتوحًا نقرأ فيه تفاصيل الوجوه، ودفء العلاقات، وعفويّة الزمن، حيث لم يكن أحدٌ يسأل عن الساعة، بل عن صوت المؤذّن، ولم يكن يُعرف الغني من الفقير، لأنّ الرضا كان يُطعم الكل.
في زمننا هذا، صار كل شيء على طرف شاشة، لكن القلوب صارت أبعد. أما في السبعينات، فكانت القلوب قريبة، والرضا ساكن البيوت، و"الدكّان" هو وزارة التموين، وملتقى الجيران، ومنبر الحكماء، ومدرسة الحياة.
فهل يعود الزمان؟ ربما لا... لكن الذكرى لا تموت، فهي تحفظها الذاكرة كما تحفظ الأم رائحة طفلها الأول.
وبالختام: رحم الله أيامًا لم يكن فيها للترف مكان، وكان "القرش" يُشبع، و"الكلمة" تروي، و"الدكّان" يُغني عن الأسواق. وكما قالوا: "الزمن الجميل لا يُشترى، لكنه يسكن في القلوب للأبد".