ضمير وطن
المحامي معن عبد اللطيف العواملة
"أنا
الأردن... أنا والمجدُ والتاريخُ والعلياءُ والظفرُ... رفاقٌ .. منذُ كانَ
البَدْءُ والإنسانُ والعُصُرُ". بهذا المطلع الشامخ، رسم الشاعر المرهف سليمان
المشيني، وبصوت الفنان المبدع إسماعيل خضر، صورة للأردن تتجاوز حدود الجغرافيا
لتلامس أبعاد الزمان والمكان. إن الأردن الذي يتصدر الطوابع البريدية، بصخر البترا
الوردي، ومياه البحر الميت الفريدة، هو وجه واحد لحقائق عميقة.
لقد أثبت
التاريخ الحديث بالوقائع ميزة الأردن واستدامته كنموذج ريادي. هذا النموذج لم ينبع
من الموارد المادية، بل من عقيدة مؤسسة على قوة الحق لا حق القوة، ومن ضمير جمعي
آمن بالعدل و التسامح. شكل الأردن نقطة تلاقٍ حضارية وجغرافية فريدة. خلف البوادي
و الارياف و المدن الزاهية، يكمن تنوع بيئي و تراثي مذهل، يوازيه ثراء في طبقات
التاريخ بارث حضاري زاخر ممتد و متنوع شكل الوعي الجمعي الإنساني الاردني عبر
العصور حيث المواطنة والانفتاح روافعه الاساسية.
رحب الاردن بالناس
من بقاع الأرض، وشملهم في ثقافة وسطية معتدلة ومنفتحة. فلا لون ولا عرق ولا جنس
ولا اعتقاد يتقوقع فيه الناس، بل أفراد متساوون في الحقوق لا سلطان عليهم إلا
ضمائرهم والقانون. المواطنة هي الأساس، والعمل والإبداع هما الميزان. قليل منا
يتذكر أن أول رئيس وزراء مولود في الأردن تولى المنصب كان في عام 1950، وتبعه بعد
ذلك عدة رؤساء وزراء لم يكونوا من مواليد الأردن، و غيرهم الكثير من قادة المجتمع.
لم يجد أي أردني في ذلك غضاضة، بل مدعاة للفخر، فلا مكان للعنصرية او
العصبية. فالأردن وطن
كل من يؤمن به ويدافع عن مبادئه. كانت مجالس وزرائه الاولى و برلماناته غاية في
الرونق الفسيفسائي المحتضن للتنوع باجمل صوره، لا يختصرها رأي واحد، و لا تحتكرها
فئة.
الأردن قيادة
هاشمية من آل البيت، تجمع كل الاديان و المذاهب والأعراق تحت رايتها. و هي امتداد
للتاريخ العربي والإسلامي النقي، وتستمد شرعيتها من الموروث والدستور ومن العقد
الاجتماعي. و هذه القيادة حارسة للمقدسات وداعمة للسلام، و منبر ضمير الأمة. اما جيشنا
العربي فهو تجسيد لهذه القيم النبيلة و عنوان التضحية في سبيلها.
إن النموذج
الأردني ليس مجرد حقيقة داخلية، بل هو أداة فعالة و قوة ناعمة تنقذ الإقليم من
مآزقه في مواجهة الاستقطابات العبثية و الانقسامات الدينية و المذهبية والعرقية. يقدم
الاردن بديلا قائما و هو نموذج الدولة المدنية، المتسامحة والعادلة، و الرافضة لكل
ايديولوجيات التطرف. يملك النموذج الأردني مقومات تغيير وجه المنطقة نحو مستقبل
يقوم على العقلانية والوسطية و حب الخير للجميع.
"أنا
الأردن" ليست قصيدة، بل بيان وجود وفلسفة حكم. نموذج يجمع بين أصالة التاريخ
وطموح المستقبل، بين تنوع الأفراد ووحدة الوجدان. لان الاردن وطن "بحجم بعض
الورد"، و لكنه عملاق في رسالته و صلب في مبادئه.
الأردن ليس جغرافيا
نعيش فيها، بل قيم تعيش فينا، و مبادىء نعيش بها. هذا هو الأردن الحقيقي الذي يجب
أن نعيد اكتشافة، و بعنفوان، لانه رسالة تضيء الإقليم. فلنفتح قلوبنا و عقولنا،
خاصة الشباب منا، و لنرى الاردن في عمقه وطن صاحب رسالة خالدة يحتضن، و بسعة، جميع
من على ارضه، لا بل يزداد رحابة بالتسامح.




