شريط الأخبار
الارصاد تحذر: عواصف رعدية ونشاط في البرق الملك يلتقي المستشار الألماني في العقبة لبحث سبل توطيد الشراكة الاستراتيجية وأبرز تطورات الإقليم تسجيلات للأسد: لا أشعر بالخجل فقط بل بالقرف المجلس الإنمائي العربي يمنح الزميل الرياحي شخصية الريادة لعام "25" والقلعة نيوز تشكر السفير الصيني: نقدر دور الأردن في ايصال المساعدات لغزة مصر: معبر رفح لن يكون بوابة لتهجير الفلسطينيين الشرع: إقامة إسرائيل منطقة عازلة تهديد للدولة السورية عطية: فخورون بمنتخبنا الوطني على الأداء الرجولي سلطة البترا تؤكد خلو الموقع الأثري من الزوار وزير الاتصال الحكومي:إجراء القرعة الإلكترونية لاختيار مكلفي خدمة العلم لعام 2026 الساعة الخامسة من مساء يوم الاثنين القاضي يؤكد أهمية التعاون بين الحكومة والبرلمان لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ولي العهد: أداء جبار من النشامى الأبطال فيديوهات تنشر لأول مرة تجمع بشار الأسد ولونا الشبل "الطاقة والمعادن" تشارك باجتماع "التنسيق النووي" في فيينا وزير الثقافة مُهنئاً المنتخب الوطني : مجـدٌ للنشامى صُنّاعُ الفرح أمانة عمان: 4600 موظف و200 ورشة جاهزة للتعامل مع الحالة الجوية ولي العهد يهنئ الأمير عمر بن فيصل المصري يتوقع إرسال قانون معدل للإدارة المحلية في شباط 2026 رئيس وزراء قطر: مفاوضات إنهاء حرب غزة تمر بمرحلة حرجة المصري: مديونية البلديات تجاوزت 630 مليون دينار

القهوة العربية. بقلم الدكتورة أفندية الطراونة

القهوة العربية.  بقلم الدكتورة  أفندية الطراونة

القهوةُ العربيّة

بقلم الدكتورة : أفندية الطراونة

القهوةُ العربيّة بنتُ الجمرِ والأثافي, معشوقة العربيّ السّمراء, ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بصباحاتِ الإنسان العربيّ , لها من العادات والطقوس الكثير , كان من عادة العربيّ أن يجهز قهوته منذ الصباح ليفيق على رائحتها التي تفوحُ في أرجاء الصَّحراءِ مُؤذنةً بيومٍ جديدٍ, فكان من عادات الأجدادِ إعدادُ القهوةِ, وتجهيزُ البيت بالمفارشِ والمراكي :

تلفي ع بيتٍ جديد قدامه خيل كثير

تلقى المفارش يفرشن زين المراكي تعلالي

القهوةُ رفيقةٌ لكلِّ المناسبات أفراحا وأتراحا,وغالبا ما يكون طلبها مجابًا, هي سيّدة بعض المواقف عند العرب , وهي أيضًا رمز من رموز الكرم وحسن الضيافة , ارتبطت بالعادات والتقاليد, ولها أصول راسخة في الجذور العربية لا يمكن تخطيها, وغاية المُنى أن تُشرب القهوةَ مع رفقةٍ هنيّةٍ, في مجلسٍ خالٍ من النُّفوسِ الثقيلة :

يا ما حلا سيحة الفنجان

في مجلسٍ ما به نفسٍ ثقيلة

هذا ولد عم وهذا ولد خال

وهذا رفيقٍ ما لقينا مثيله

كَتَبَ الكثيرُ من الأدباء والكُتَّاب عن ابنة اليمن, مبتدئين من طريقة إعدادها حيث تُحمس القهوةُ على نارٍ هادئةٍ, وتوضعُ حباتها في المحماسةِ حتى تصبح شقراء وأخرى سمراء, تمتزج الألوان خالقة طعم خلّاق , ثم تنقل إلى المبردة الخشبية , لتطحن بعدها في المهباشِ أو النَّجر المصنوع من أجود أنواع خشب البلوط أو الزان, ويا لروعة صوته عندما يُسمع بين البيوتِ وكأنَّه فنانٌ يعزفُ مقطوعةً موسيقيةً تُلامس الروح والقلب !!, وتبدأ بعدها رحلة إعداد القهوة حيثُ توضع في الدَّلة على نارٍ هادئة لتغلي على مَهلٍ, مضافًا إليها الهيل برائحتهِ الزكية, والزعفران وغيرهما , وكما يقول المثل الشعبي:(القهوةُ تطابخ ثنية المعزى ), كناية على أنها تحتاج إلى وقت طويل لكي تطبخ وتظهر نكهتها, كما يحتاج لحم الماعز إلى وقت طويل لينضج .

وقد أشارت د.نعمات الطراونة إلى معلومة تراثية جميلة مفادها: أنَّ الفداويّ( القائم على إعداد القهوة) إذا كسر النَّجر فإنه يُكافأ بعباءة أو ثوب تسمّى لبسة الجرن؛لانَّ كسره دلالةً على كرم المعزب الذي لم تتوقف قهوته عن الدق والتقديم.( الطراونة, نعمات,القهوة العربية,مجلة صدى الريف, العدد 34).

حرصَ العربيُّ في حلِّه وترحاله على الاحتفاظ بالقهوةِ وعدتِها منفردةً حتى لا تختلط بنكهات وروائح وعطور أخرى, فالقهوة كما يُقال(عشَّاقة),تعشق الروائح فيفسد طعمها المعتاد فتصبح غير سائغة للشراب, حينها تسمّى بأسماءٍ كالقهوة الصَّايدة التى فسدت بسبب وقوع حشرات بها, أو تغير طعمها لسببٍ من الأسباب, أو قهوة شايشة وهي التي صبت قبل أن تترسب المواد الصلبة أسفل الدّلة, وهذه القهوة الفاسدة تنافي ذوق العربيّ الأصيل في معشوقتهِ السَّمراء فلا يقال عنها قهوة حتى تعدلَ المزاج .

للقهوة أدبيات معتادة لا يمكن التخلي عنها, فهي بحدِّ ذاتها مدرسة تعلم من يُعدُّها ويشربُها , إذ يجب تقديم الفنجان باليد اليمنى وإمساك دلّة القهوة باليدِ اليسرى, فتقديمُ القهوةِ باليسار إهانةٌ للضيف , ومنها أيضا أنَّ القهوةَ خصّ وليست نصَّ دلالة على أن تقديم القهوة يبدأ بكبير القوم أو الشخص الأكبر مقامًا , ثم بقية الحضور, وتكون صبّةُ القهوة حشمة( أي صبَّة متوسطة لاهي بالقليلة ,ولا بالكثيرة فيمتلئ بها الفنجان), ومن أجمال أدبيات القهوة أنها تصبُّ على ثلاثة فناجين :فأول فنجان يشربه الضَّيف ويسمى فنجان الهيف , وفيه يُثبت الضيفُ لمعزبه ثقته به , وأنّ قهوته طيبة ومشروبة لا تشكو من شيء, ويسمَّى الفنجان الثاني بفنجان الضيف دلالة على الكرمِ والسَّخاء , أما فنجان الكيف فهو يحمل في طياته استمتاع الضيفِ بالقهوة , والفنجان الأخير هو فنجان السَّيف ومعناه أنَّ الضيفَ يقف مع صاحب المجلس ويؤازره إذا تعرض للأذى أو الغزو.

اعتدنا من الصغر ونحن من تربى في بيوت العز والكرم في مضارب ابن صُبح (دخانة الضحى ) أن نرى عادة هز الفنجان في الفرح بعد شرب أكثر من فنجان, مع قولِ قهوةٍ دايمة , أما في الأتراح فيكتفي الشارب للقهوة بوضع أصابع اليد فوق فتحة الفنجان وشرب فنجان واحد فقط دون هزِّ الفنجان , للدلالة على عدم تكرار الحزن, وأنَّ دلال القهوة في الحزن _ لا قدر الله _ تُسكب على النَّار, وتُكفى على وجوهها(أي تقلب إلى الأسفل ).

ومن طريف ما قرأته أنَّ عادة هز الفنجان تعود إلى أن شيخ القبيلة كان يختار صباب القهوةِ ( القهوجيّ ) أطرش لا يسمع , وأبكم لا يتكلم ,حتى لا يتنصت القهوجي لحديثهم , فلا يفشي أسرارهم , فهز الفنجان دلالة مرئية على الاكتفاء .

القهوة بكل مكوناتها مقدسة لدى العربيّ, فهي الرفيقة الحاضرة في كل وقت , تخلو مع الإنسان وتشاركه أفكاره دون أن تبوح بها, حتى أن بقايا القهوة بعد غليها لا يهان فهو يسمَّى ( تفل القهوة) أو( بقايا القهوة ), وقد اعتدنا على رؤيته موضوعًا على حجرٍ عالٍ أمام البيت, فكلما كان كثيرًا كان دلالةً على الكرمِ وطيبِ الملفى.

ومن العادات المتوارثة عند العرب وضع سكين على دلَّة القهوة ؛وذلك لتدلّ على أن المعزب غير موجود في البيت ,فكأنها تحدثُ الضيفَ بأن يتناولَ قهوته بنفسه , وأن يذبح بنفسه ذبيحة لإكرامه إذا كان بحاجةٍ لذلك .

لم تغبِ القهوةُ عن الشعر والأغاني , فهي في حضور دائم ينجلي بها الهم , ويستريح بها البال , ومن الأبيات الشعرية في حب القهوة أبيات من قصيدة :وقهوة كالعنبر السحيق للشاعر المولى بن شاهين الشامي واصفًا حبه الشديد للقهوة ورائحتها:

وقهوة كالعنبر السَّحيق سوداء

مثل مقلة المعشوق أتت كمسكٍ فائح فتيق

شبهتها في الطعم كالرحيق

تُدني الصديق من هوى الصديق

وتربط الود مع الرفيق

أمّا في الغناء الشعبي فقد كثرت الأهازيج والأغاني بالقهوة والبهار والدلال, ومنها الأغنية التراثية الشهيرة في الوطن العربيّ :

بالله تصبوا هالقهوة وزيدوها هيل ... واسقوها للنشامى ع ظهور الخيل .

ومع بداية الفرح دائما ما تبدأ النشمياتُ بترديد أجمل الأغاني , متغنية بشيخ القبيلة الكريم, المرحب بالضيفِ دقاق القهوة , بقولهنَّ :

من الليلة دقاقة قهوة فرحنا من الليلة دقاقة

والنَّاس مشتاقة واعزم يا راشد والناس مشتاقة

من الليلة مغلية قهوة فرحنا من الليلة مغليّة

ضيوف أبوك أهليّة واعزم يا محمد ضيوف أبوك أهليّة

وبالشومرية مَسكن أهيلي بالشومرية

حلوة ومريّة قهيوة أبو سليمان حلوة ومرية

دلتين زغار ودلة كبيرة دلتين زغارِ

زايداتِ بهار عند أبو خالد زايدات بهارِ

الموضوع شيق وطويل,إنها القهوة بكل ما أوتيت من مكانة , ولكن في نهاية المطاف لا بدَّ لنا من طرح سؤال مفاده : لِمَ تأخر ظهور الشاي على القهوة ؟ وهل لقي مشروب الشاي اهتماما من العربي قديمًا وحديثًا؟؟