د. علي السردي
أثار قرار رفع عقوبات «قانون قيصر» تساؤلات واسعة حول مستقبل السياسة الأمريكية تجاه سوريا، وما إذا كانت واشنطن بصدد فتح صفحة جديدة في تعاملها مع الواقع السوري القائم. فالخطوة تمثّل، في جوهرها، تحوّلًا لافتًا بعد سنوات طويلة من الاعتماد على العقوبات الاقتصادية كأداة رئيسية للضغط السياسي، وهي سياسة لم تُحقق النتائج المرجوّة، لا من حيث إحداث تغيير سياسي ملموس، ولا من حيث الحدّ من نفوذ القوى الدولية والإقليمية الفاعلة داخل سوريا.
خلال الفترة الماضية، أدّت العقوبات إلى تعميق الأزمة الاقتصادية والإنسانية، من دون أن تنجح في تعديل سلوك النظام السوري أو فرض مسار سياسي مختلف. وفي الوقت ذاته، ساهمت هذه السياسة في فتح المجال أمام قوى أخرى لملء الفراغ، سياسيًا واقتصاديًا، ما أضعف القدرة الأمريكية على التأثير المباشر في مجريات الملف السوري. من هنا، يبدو رفع قيصر محاولة لإعادة تموضع أمريكي، أكثر منه مجرّد إجراء اقتصادي.
التحوّل في النهج الأمريكي يوحي بانتقال تدريجي من سياسة «الضغط الأقصى» إلى مقاربة أكثر مرونة وبراغماتية، تتعامل مع النظام السوري الجديد بوصفه واقعًا سياسيًا لا يمكن تجاهله. غير أن هذا التحوّل لا يخلو من تعقيدات، فالمشهد السوري ما زال شديد التشابك، مع استمرار الصراعات الداخلية، وتعدّد مراكز النفوذ، وحضور قوي لقوى إقليمية ودولية، إلى جانب هشاشة اقتصادية وأمنية واضحة.
في المقابل، يفتح رفع قانون قيصر نافذة فرص لواشنطن. فالانفتاح الاقتصادي الجزئي قد يُستخدم لدعم مشاريع خدمية وتنموية تخفف من حدّة الأزمة المعيشية، وتحدّ من موجات الهجرة وعدم الاستقرار. كما يمكن للولايات المتحدة ربط أي تعاون اقتصادي أو مساهمة في إعادة الإعمار بإصلاحات محدّدة، ما يمنحها أداة تأثير أكثر فاعلية من العقوبات الشاملة التي أثقلت كاهل المجتمع السوري.
لكن هذه المقاربة تحمل في طياتها مخاطر أيضًا. فقد يُفسَّر رفع العقوبات على أنه تراجع أمريكي أو قبول بالأمر الواقع، ما قد يشجّع أطرافًا داخلية وخارجية على توسيع نفوذها دون تقديم تنازلات سياسية حقيقية. كما أن غياب آليات رقابة واضحة قد يفتح الباب أمام سوء استخدام الموارد الاقتصادية، بعيدًا عن أي مسار إصلاحي حقيقي.
في النهاية، لا يمكن فصل رفع قانون قيصر عن محاولة أمريكية أوسع لإعادة صياغة دورها في سوريا. فنجاح هذه الخطوة لن يُقاس بحدّ ذاتها، بل بمدى قدرة واشنطن على تحويلها إلى سياسة متكاملة، تجمع بين الانخراط السياسي والدبلوماسي والأدوات الاقتصادية، وتحافظ في الوقت نفسه على توازن دقيق بين المصالح الأمريكية، ومتطلبات الاستقرار الإقليمي، وتعقيدات الواقع السوري في مرحلته الراهنه




