وهكذا هو الوطن بالنسبة لنا فهو أمنا الحقيقية التي اذا احتاجتنا وقت شدتها فعلينا إن نفديها بارواحنا وأموالنا ولا نبخل عليها بأي جهد حتى ننقذها من ألامها ونعبر بها إلى شاطئ الامان كما كانت هي لنا بحرا للعطاء والامان والخير والرزق الطيب
واوطاننا العربية اليوم استقبلت شهر رمضان الكريم في ظل تداعيات جائحة كورونا التي أخلت بتوازن الاقتصاد العالمي وأجبرت ملايين الموظفين بالقطاع الخاص والعمال على ترك وظائفهم وفقدان مصادر قوتهم اليومي، ناهيك عن الانهاك الاقتصادي الناتج عن توفير اموال لعلاج مرضى كورونا وفحصهم ووقايةالناس من انتقال العدوى اليهم خاصة في بلادنا العربية التي تعاني اساسا من ازمات مالية خانقة مثل الاردن والعراق ومصر وغيرها.
فبحسب أحدث دراسة للإسكوا، فانه سيقع 8.3 ملايين شخص إضافي في براثن الفقر بالمنطقة العربية نتيجة انتشار كوفيد-19. كما ستخسر المنطقة حوالي 1.7 مليون وظيفة على الأقل. بفعل
حظر التجول، وتعطيل الأنشطة الاقتصادية والخدماتية مما ألحق اضرارا كبرى بكثير من الفئات في الوطن العربي مما يتوقع معه ارتفاع عدد الفقراء من 93 مليون إلى 101 مليون فقيرا في وطننا الغالي.
لذلك ومع بداية شهر رمضان أوجه رسالة لحكوماتنا العربية بالاردن ومصر والعراق بضرورة تفعيل وتطبيق كتاب الله تعالي في سورة التوبة " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "، من خلال دعوة كبار رجال الاعمال والمستثمرين العرب للقيام بدورهم الاخلاقي والوطني والانساني في دعم حكومات بلادهم لتجاوز ازمات كورونا الاقتصادية الخانقة، وألا يتخلوا عن واجبهم في تحقيق التكافل الاجتماعي في بلادهم باعتبارها مسئولية اجتماعية واخلاقية ووطنية ودينية وفرض عين.
وفي تقديري انه بعد اكثر من شهرين على تحمل بلادنا تبعات كورونا، مما أحدث عجزا كبير في الميزان التجاري، فانه لابد وان يبادر رجال الأعمال إلى انقاذ الأوطان التي استفادوا من خيراتها ووفرت لهم كل عناصر النجاح بأن يمدوا يد العون للحكومات وشعوبها من خلال التبرع بالأموال لشراء سلات رمضانية للفقراء ولمن فقدوا وظائفهم، ودعم الحكومات في دفع رواتب موظفيها وسد العجز في المستلزمات الطبية والمساهمة في بناء المستشفيات، واستيراد أجهزة تنفس وغيرها لمواجهة فيروس كورونا، وذلك في روشتة انقاذ سريعة للبلاد.
وكما استفاد رجال الاعمال والمستثمرين وحققوا ثروات طائلة من احتكار المال والأعمال وتسببوا في تآكل الطبقة الوسطى وأفقروها، وتسبب بعضهم في خلق أزمات اقتصادية كبرى للاقتصاديات الوطنية نتيجة احتكارهم المال والاعمال لصالحهم، فانه حان الاوان لترجمة انتماءهم للاوطان والتعبير عن الولاء والتخلي في شدة كورونا عن بخلهم.
وبالطبع لا يمكن تعميم البخل على طبقة المستثمرين فمنهم الشرفاء الذين تبرعوا للاوطان بالاردن ومصر والعراق، ومنهم لم يتبرع، بل ان بعض أثرياء الحرب بالعراق وممن استفادوا بالاموال مطالبين اليوم بتقديم يد العون السريع والمخلص والكبير لانقاذ العراق المنهك، ولا يكتفوا بتقديم بعض الاغذية البسيطة لبعض الفقراء ليلتقطوا معهم صورة او فيديو يتباهون بها امام الاخرين.
وهنا لابد وان أحيي رجال الاعمال في الكويت فقد لامست بنفسي وطنيتهم وعطائهم للفقراء والمحتاجين دون تكبر او تعالي، فأزمة كورونا أبرزت انسايتهم ووطنيتهم ، وهذا ما نحتاجه في باقي بلادنا العربية الفقيرة، نحتاح لفعل حقيقي نعطي فيه الوطن ما أعطانا من خير وأمان.
وهناك الام البديلة التي تربي اليتامى او زوجة اب حنونة او خالة أو عمة، فان المقيمين في اي بلد يصبح بالنسبة اليهم أما ووطننا خاصة اذا لم يبخل عليه هذا الوطن من الرعاية والامان وحقوق المواطنة، فاذا كنت في اي بلد أحتضنني وحماني وحفظ كرامتي الانسانية وعاملني كجزء منه، فانني أبادله نفس الحب والعطاء والتقدير والانتماء والولاء، وأره في قلبي وعقلي وطنا وأما حانية يجب ان يجدني وقت الشدة أقف بجانبه.
وما أقوله ليس تعبيرا عن حالي فقط، ولكن عن حال كل المقيمين في البلاد العربية، يجب عليهم ان يفدوا هذه الاوطان التي حمتهم، وأنا لست سيدة أعمال ولا أملك مؤسسة تجارية ولا أتقاضى راتبا من اي دولة، ولم استغل الحروب لكي أتكسب كما فعل البعض، ومع ذلك فاننا نفعل ما بوسعنا للحفاظ على وطننا نستثمر ثقافتنا وعطائنا الانساني بقدر ما نستطيع، ولكن هناك الكثير من المواطنين والمقيمين لديهم الكثير من الخيرات لكنهم يبخلون بالعطاء والوفاء لوطنهم او لوطن آمنهم وآواهم وساهم في تحقيق نحاجاتهم.
العالم عرف أثرياء عظماء يتبرعون بأموالهم لصالح أعمال الخير وهم مفخرة لاوطانهم وللبشرية مثل "تيم كوك Tim Cook" رئيس شركة آبل الأمريكية، الذي تبرع بثروته لصالح الأعمال الخيرية، وهو على قيد الحياة بعد ان تبرع من قبل بمبلغ 50 مليون دولار لمستشفيات جامعة ستانفورد، و50 مليون دولار أخرى لمركز الوقاية من الأمراض RED Product .
كذلك قام "بيل جيتس" مؤسس شركة مايكروسوفت الامريكية بتأسيس منظمة خيرية عالمية مع زوجته وتبرع بنحو 30.2 مليار دولار، أي حوالي 37% من صافي ثروته وغيرهم كثيرون، وهؤلاء المتبرعون يعرفون ان تكديس الاموال لن يغني من القبر شيئا ولأن تقاسم الثروة مع الناس دون انانية او استحواذ هو مفتاح السعادة للانسان في الدنيا، فاين الاثرياء العرب من هذه المفاهيم وأداء دورهم في أشد أزمة تعيشها بلادنا الفقيرة بسبب كورونا؟!
صحيح إن من احق للاثرياء ورجال الاعمال التمتع بثرواتهم مع ذويهم وأحبابهم، وفي تأمين مستقبل ابنائهم، لكن اترك بعض المال لغيرك، وفكر بالفقير والبائس والمحروم والعاجز، وعجل بتقديم المساعدة بالتبرعات للحكومة لشراء الادوية والاجهزة للطواقم الطبية والابحاث العلمية، وساهم بدفع رواتب الموظفين في هذا الشهر الكريم ووفر اجزاء من مالك للفقراء والمساكين والعمالة التي فقدت وظائفها بالقطاع الخاص بعد ان تم تسريحهم بفعل جائحة كورونا.
وهذا حل سريع لتدخل رجال الاعمال لانقاذ الوطن من هزاته الاقتصادية الصعبة، ويكون نواة لقيام رجال الاعمال والاثرياء بفتح المزيد من المصانع والورش واستزراع اراضي وتنمية الثروات الحيوانية والانتاجية واحياء الارياف بخلق المزيد من فرص العمل فيها من خلال تنمية المنتجات الزراعية والصناعية البسيطة، مع فتح باب لانتاج الادوية الطبية وعدم استيرادها من الخارج مما يفتح باب الارزاق للشباب، وهنا تكون الانسانية قد تحققت والرحمة والعدالة الاجتماعية والتطهير الانساني من الانانية الموحشة، وصدق الثائر المصري الراحل مصطفى كامل حين قال مقولته الشهيرة: " ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط".
سارة طالب السهيل