القلعة نيوز : زكرياء_المحجوبي
عرفت الحضارات القديمة و منذ بزوغ الإنسان على وجه البسيطة العديد من الكوارث المختلطة أسبابها، و الكثيرة أنواعها،و التي مهدت لمشاكل عويصة نجم عنها مسح شامل في عدد أفراد تلك المجتمعات و الحضارات.
ولعل أهم هذه الكوارث التي إكتسحت سيرورة الإنسان و قضت على تأملاته و آثاره المنحوثة على تعثرات التاريخ, و إلا جانب الكوارث الطبيعية المسجلة على مر العصور و التي ساهمت بشكل كبير في إنتهاء بعض السلالات من الحيوانات، أو بالكاد ساهمت في إنقراضها و دخولها لسجل الزائلين من على أرض الوجود، نجد على أن الأوبئة قد حققت هدفها المنشود و أصبحت هي الأخرى مساهمة في تهيئة الظروف الملائمة للقضاء على أمل الشعوب في التكاثر و إحياء مراسيم التزاوج و التكاثر في ما بينها.
هذا ما جعل هذه الظواهر محط أنظار و ٱهتمام العالم، و لاسيما في الفترة الحالية التي كتبت الملخص الشامل لحياة البشرية مرورا من أحداث تاريخية أخدنا منها القصص و العبر .
نحن نستطيع أن نرى بأن هذه المشاكل تمثل عقبة في طريق تقدم الشعوب قاطبة، و لعل خير دليل على ذلك ما تعيشه معظم الدول التي أصبحت تعاني كثيرا من تداعيات الأزمة الوبائية التي أصابتها، سواء كان الأمر يتعلق بالجانب الإقتصادي الذي ينعش مرتبات العاملين بالقطاعات الأخرى، أو من عمق العلاقات الإجتماعية التي أصيبت بتدهور حاد و هش عضمها و شلت حركتها بين الدول، بل و حتى بين المدن نفسها.
فهذا لم يأتي من فراغ بطبيعة الحال، فبعد ولادة – كورونا- أو ما أطلق عليه بعد ذلك ب"covid-19" بدولة الصين الشعبية، بدأ العالم كله يشاهد من بعيد الأرقام المهولة التي سجلتها هذه الدولة مهد هذا الوباء، و بين الفينة و الأخرى نرى تطورات في عمق الحدث الصيني، حيث أظهرت لنا هذه الأخيرة مدى براعتها في محاصرة الوباء إلى أن تمكنت من السيطرة و القضاء عليه و بثره من الجذور في الأخير.
و إلى هنا سيدخل أبطال آخرين في خضم هذه المسرحية بعدما أنهت الصين دورها بإتقان، مستندة في ذلك على طاقات و هياكل تمكنت من صناعة ولادة جديدة لشعب لم يعاني كثيرا بعدما خسر العديد من الأرواح البشرية حسب ما صدر من إحصائيات رسمية من قبل حكومتها .
و ما لا يقل عن هذا بدولة شدت إنتباهها في أول طريق تقدم إليها فيه الوباء بعزم رغم الخسائر التي لحقت بها، نجد في الجانب الأخر أزيد من ستون دولة تقع في شباك الوباء ليزداد عددها من حين لآخر، فنجدها تصارع الموت كل ليلة إلى جانب رعاياها.
بدأت التنبؤات بمصير بعض الشعوب تظهر ملامحها الذابلة، حيث أكد بعض الأحياء الذين ربما قد أصيبوا بهذا الوباء و وافتهم المنية بضرورة مراقبة زوال بعض الدول الإفريقية بدعوى أن القارة السمراء لن تستطيع تحمل هذه الأزمة لإمكانياتها الضعيفة و الهشة و ضعفها على مستوى مؤشرات التنمية البشرية .
و الغريب في الأمر على أننا الأن نتفق جميعا بأن السفينة التي تسير عليها القارة السمراء هي الأكثر أمانا من السفن الأخرى التي تعثرت بجبل كورونا وسط بحر من الأموات و المصابين.
و من بين النماذج المعقدة التي إستطاعت النجاح و بشهادة الجميع نجد المغرب الأقصى و إلى جانبه العديد من الدول الأخرى كتونس و الجزائر و مصر كذلك ، فبعد إحتوائه للوباء مبكرا و تشديده للقوانين والأنظمة التي سطرها إبان تسجيل أول حالة قد ظهرت بترابه.
و بدءا من هذه اللحظة سيظهر الدور البطولي الآخر للشعب المغربي بحد ذاته، و الذي خنع لنداء الوطن، و أصبح يعي جيدا مدى خطورة الأمر.
و من بين أهم الخطط و الاستراتيجيات التي إعتمدت عليها هذه الدول و لعل من أهمها تقنية "الحجر الصحي" التي سطرها الشعوب قديما، حيث كانت بدايتها مع "الرسول محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم" حيث كان يأمر أصحابه من التابعين له بإلتزام بيوتهم إن حل الطاعون ببلادهم و عدم الخروج منها حتى لا ينتشر الوباء على نطاق أوسع، و تعتبر هذه القاعدة الذهبية مفتاح الفرج و النجاة بالنسبة لهم، وهذا ما يطبق حاليا في جل الدول بالعالم، حيث أصبحنا نرى العديد منها قد بادرت بإغلاق مطاراتها و موانئها حفاظا على سلامة سكانها من خطر الوباء.
وهذا ما عمل عليه المغرب الأقصى كذلك، و كما أشرت سابقا فقد أقدم على العديد من الخطوات التي جعلته ينجح في تقليص عدد الوفيات و التي لم تتجاوز نصف الألف بفضل الجهود التي تبذلها الوزارات والهيئات الوصية على هذا الجانب و المتعلق بالمراقبة المستمرة للحالات المصابة و تقديم الرعاية الصحية لها، و لا نستطيع أن ننكر العمل الجبار الذي يقدمه أعوان السلطة و التابعين لوزارة الداخلية و اللذين يسهرون على متابعة جدول المخططات المرسومة التي وضعت على عاتقهم لتنفيدها و تحقيق الشروط اللازمة للحفاظ على إستقرار الساكنة المحلية، و لا سيما بعد الضغط النفسي الذي بدأت تعاني منه لطول فترة الحجر الصحي المطبق في المجال التي تعيش فيه.
و هنا ستظهر مجدداً فئة أخرى في شخص مؤسسات حكومية و أخرى غير حكومية إهتمت بتقديم العديد من الأنشطة الترفيهية عن بعد و تنظيم العديد من الفعاليات الثقافية والفنية التي ضمت ورشات و مناظرات عديدة ،و حتى لا ننسى بعض الفئات التي كان لها دور كبير في تقديم الدعم النفسي للساكنة حتى لا تصير الخطة الإحترازية التي وضعتها الحكومة في مهب الرياح.
ورغم كل هذه الأسباب التي تؤرخ لحالة العزلة في زمن الحجر الصحي، فقد جعل هذا الوباء العالم المتقدم يراجع الكثير من أوراقه التي بعثرت إبانه، و خلال الشهور الأخيرة بالذات.
أما الدول التي تعد ضمن ما يسمى بالعالم الثالث أو السائرة في طريق النمو، فهذه هي فرصتها للعمل على تصحيح أوضاعها و المسار التي كانت تسير على منواله في تنمية الموارد الطبيعية و البشرية التي تتوفر عليها، بعدما شاهدت بتمعن دور المجتمع المدني في مواجهة الأزمة و حقيقته الكامنة في القوة التي يمتلكها في ظل هذه الظروف الصعبة.
و يجب أن نلقي الضوء كذلك و حتى لا ننسى, على بعض التجارب التنظيمية التي كتبها تاريخ هذه الأزمة و تحليلها حتى نتمكن من الحصول على ميكانيزمات الاختيارات الصحيحة التي تجعل من المجتمع شيئا يصلح للإستغلال, و صناعة جيل جديد من المفكرين و المحللون و النقاد ، و ليس دول بولادات دون فائدة.
و لا عجب إذا قلنا على أن لهذا الوباء و ماخلفه أثار إيجابية أهمها التنوير و إدخال النفوس البشرية في عمق الإبداع.
فمن خلال الحجر الصحي الذي طبق في شتى دول العالم، إنتشرت العديد من المبادرات التي إهتمت بإستقبال أعمال المبدعين و الكتاب و الفنانين في مختلف المجالات، وسعت لتنظيم مسابقات وطنية و أخرى دولية تحتفي بهؤلاء الأشخاص اللذين إختاروا منازلهم كأرضية خصبة لإخراج ما بداخلهم من طاقات و حب للإبداع، فنجد ملايين اللوحات الفنية التي رسمت في عز هذه الأزمة، بل و أكثر من ذلك هناك من إختار الكتابة ليسرد تأثير حالة العزلة التي يعيشها و يشبع رغباته في بحر من التأملات والغوص في أعماق الخيال و المعرفة الحقة.
سيسجل التاريخ حتما هذه المحطة عندما سينتصر بنو الإنسان على هذا الكائن الذي أثار الرعب في نفوس و قلوبهم.
و من وجهة نظري أعتقد أن جميع من عاش في هذه الفترة الحالية و عايش أوضاعها سيستفيد كثيرا و لو بشكل سطحي، و أظن أن تفكيره سيتغير نحو الأشياء، و سيستنتج أخيرا مدى أهمية السنوات التي ضاعت منه في إعادة المألوف.
أخيرا و ليس آخراً، إن كل الشواهد تثبث أهمية دور المجتمع المدني في القضاء على هذا الوباء، و هذا ما نسعى نحوه جاهدين لتقليص حجم الآثار السلبية التي تواجهنا في هذه الفترة الحالية، و هناك إتفاق على أن إلتزامنا بمقررات و مخططات حكوماتنا هو الحل الأنجع لتجاوز هذه المحنة الملقاة على عاتق كل فرد منا.
و هذا الحل لن يكون بالأمر الهين، و لاسيما و أن إقتصاد وأعمال الدول قد وصل إلى الحضيض، مما سيضطرها للتخفيف من حدة الحجر الصحي، و لنفترض جذلا على أنها قامت بهذه الخطوة، فليعلم الجميع على أن الأمر لم ينتهي بعد، خصوصا وأنه لا يوجد إلى حد الآن أي مضادات أو أدوية محددة قادرة على القضاء عليه، و أن الحل الذي تقدمت به الحكومة الصادر عنها قرار التخفيف، هو فقط حل لإنعاش الإقتصاد الوطني و العالمي على حد سواء، و أن المسؤولية الأكبر ستبقى على عاتق الشعب و مكوناته فردا فردا.
و يبقى السؤال المطروح حتما يعطي العديد من الإجابات النموذجية التي ستسجل خبايا مبهمة و حيرة شديدة لدى الشعوب، وهو عن كيف يمكن إيجاد حل نهائي لهذه الأزمة التي طالت لشهور دون جواب يشفي غليل الباحثين.