القلعه نيوز - هبة أحمد الحجاج
فاقد الشيء " قد تكونُ هذه الجملة قد حيرتْ العالم بأسرهِ " أشخاص يتفقون " أن فاقد الشيء يعطيه بالشكل الذي تمنَّى أن يحصل عليه ..". وهنالك أشخاص يتفقون " أن فاقدَ الشيء لا يعطيه" . وبين هُنا وهُناك قد تُصبحُ مُحتارًا ، أي من هاتين الجملتين صحيحتين
، ويبدأ التفكير " يعطي أو لا يعطي!؟ ". دعنا نتفق على هذهِ الجملة مبدئياً " فاقدُ الشيءِ يُعطيهِ أو لا يُعطِيهِ حسبَ الطلب . هُنا الطلبُ ينقسمُ إلى قسمين : قسم مادي ، وقسم معنوي.. لنبدأ بالقسم المعنوي : تخيل معي فتاةً صغيرةً تربتْ مع عائِلتها لكِنّها لم تشعر بالحنانِ و المحبةِ والمودة ، فقط كانتْ تَسمعُ التوبيخَ والإهانات، لا يوجدُ هناك يدٌ تُطبطِبُ عليها، ولا أحد يمسحُ دمعتها المخفية في ظلمةِ الليل ، فتربتْ هذهِ الطفلةُ على عدمِ الحنانِ والمحبة ، فماذا تتوقع؟ هل تتوقع أنها ستقسو على أولادها في المستقبل كما قسو عليها؟!
اعذرني بهذه الكلمة " أنت على خطأ ". بل على العكس، يوجد فيها حنان ومحبة قد يشبعُ العالمَ بأسره ، لأنها شعرتْ بمرارةِ الحرمانِ من الحنانِ والمحبةِ، فلا تُريدُ لأطفالها بل لأي شخصٍ في العالم صغيرٍ أم كبير أن يشعر بما شعرتْ به ، فقامتْ ومسحتْ دمعتها ولوحت بلافتةٍ للأُفق " فاقدُ الشيء يُعطيه لأنهُ أعلمُ الناسِ بمرارةِ فقده".
فتاةٌ أحبت شاب وسرق أحلى سنين عمرها ، ملّكتهُ قلبها ، أحبته كما أحبَ " قيسٌ ليلى "، وعنترة وعبلة، تماماً كقصصِ و حكاياتِ الحب الأسطورية ، ولكنهُ غَدرَ بها وتركها في منتصفِ الطريق ، وفجأةً ظهرَ شخصٌ في الطريقِ التي كانتْ تجلسُ بها وتندبُ حظها على ذلك الشخصِ الخائن، وكيفَ مَلّكتهُ زِمام قلبها ، مد لها يدهُ وأعطاها قلبهُ حتى تستطيعَ أن تُرمم ما حصلَ فيهِ من انهياراتٍ ودمار بعد ذلك الحب ، أتظنُ أنها لن تثقَ ولن تستطيعَ أن تقدمَ لهُ الحب؟ لأنها قدمتهُ لشخصٍ آخر فلن تستطيعَ أن تُحبَ مرةً آخرى؟!
اعذرني أن أقولَ لكَ " أنت على خطأ "، لأنها مسحتْ دموعها وابتسمتْ وأمسكتْ بيدهِ وقالتْ لهُ " فاقدُ الشيءِ يعطيهِ بالشكلِ الذي تمنَّى أن يحصلَ عليه" . شخصٌ لم يتذوق الطعامَ منذُ يومين ولم يأكل كسرةَ خبز ، ويشعرُ أن أمعاءهُ قد تتمزقُ من شدةِ الجوع، وتصدرُ أصواتًا وكأن داخلها معركةٌ تتقارع فيها السيوف من شدة وطأة المعركة، أقصدُ من شدةِ الجوع ، وهناك شخصٌ يمتلكُ رغيفًا من الخبزِ وينظرُ إليه ويتذكرُ ماذا حصلَ لهُ قبل يومين بسببِ الجوع ، يتذكرُ ملامحهُ وخطواتِهِ وكيف كان يعاني من شدةِ الجوع ، فيذهبُ ويقدمُ له الخبزَ ويقولُ: " أحياناً فاقدُ الشيء يمنحك ضِعفه ، كأنه يمنحُ نفسهُ معكَ مافقده"
. قد تصلُ إلى نتيجةِ أن " فاقدَ الشيء يُعطيه ". نعم ولكن يجب أن تُكملَ الجُملة " فاقدُ الشيءِ يُعطيه بما يملك ". فلا تطلب من شخصٍ لا يملكُ المال أن يُعطيكَ المال " لأنه وبكلِ تأكيد " فاقدُ الشيءِ لا يُعطيه "
.
لا تطلب من شخصٍ " وظيفة " وأنت وهو على رأي المثل " بالهوا سوا " لأنه "فاقد الشيء لا يعطيه "
.
لا تطلب من شخصٍ " أن يُهديك سيارة " وهو بالكادِ يمتلكُ أجار المواصلات، لأنه سيجيبك بلغتنا " من وين يا حسرة"
. وأنا سأُجيبك "فاقدُ الشيء يُعطيه أو لا يُعطيه " على مبدأ "إذا أردت أن تُطاع فاطلب المستطاع" . والآن ماذا قررتْ يعطيهِ أم لا يُعطيه ؟!