في حلقة يوم أمس الجمعة 30/4/2021 بعنوان "صدقة العز" تحدث الأستاذ السمان عن الصدقات وأن أعلى مراتب إعطائها إنما يكون للأشخاص ذوي الإعاقة لأنهم وحسب قوله "يختلفون عن المرضى بأنهم غير قادرون على العمل" وضرب مثالاً على ذلك نقتبس منه حرفيا: "الأعمى والمشلول والأبكم والأصم".
وفي هذا السياق، فإن المجلس يؤكد على الحقائق الآتية:
1. يقول الله تعالى في سورة التوبة الآية (60): "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وهذا بيان قطعي الدلالة بمصارف الصدقات التي لم تشمل الأشخاص ذوي الإعاقة لكونهم يحملون هذه الصفة. وقد أورد الطبري وغيره في تفاسيرهم بيان تعريف "الفقراء" و"المساكين" والفرق بينهما، حيث يقول الطبري أن كلاهما في حالة من العوز، إلا أن الفقير يتعفف ولا يسأل فينطبق عليه قول الله تعالى: "ولا يسألون الناسَ إلحافا"، بينما المسكين يسأل ويبدي حاجته، بينما ذهب تفسير الجلالين إلى أن المسكين يختلف عن الفقير بأن به فاقة وعوز أكبر. الشاهد، أن أي من المفسرين المعتبرين لم يذكر الإعاقة بوصفها حجةً وبرهاناً لا على الفقر ولا المسكنة، على خلاف ما ذكره الأستاذ السمان.
2. إن قول الأستاذ السمان أن من لديهم إعاقة يختلفون عن المرضى ومن بهم شيخوخة أنهم "غير قادرون على العمل، ومن ذلك الأعمى والمشلول والأبكم والأصم"، يجافي الواقع المعاصرة والتاريخ المتقدم، هذا فضلاً عن كونه ينطوي على تنميط وإهانة للأشخاص ذوي الإعاقة واستخدام لألفاظ غير مقبولة. فمن جهة، فإن مسألة "القدرة" على العمل لا تحكمها "القدرة الجسدية" بمفهومها الطبي، وإنما هي مسألة مرهونة بإزالة العوائق والحواجز من خلال التهيئة وتوفير التدابير التي تجعل بيئة العمل سهلة الوصول والاستخدام للأشخاص ذوي الإعاقة. ومن جهة أخرى، فإن اللغة التي تسم الناس بإعاقاتهم هي لغة تمييزية لا تنسجم حتى مع صحيح الدين، ولا يسعف الأستاذ السمان حجةً أن يقول –كما يفعل كثيرون- أن القرآن الكريم ذكر (الأعمى والصم والبكم)، إذ أن القرآن الكريم جاء في سياق محدد وليس لتستخدم آياته وألفاظه خارج سياقها بين الناس، والدليل على ذلك أن القرآن نفسه نهى عن التنابز بالألقاب وعن اللمز، كما أن الرسول عليه السلام درج على مناداة عبد الله بن أم مكتوم الذي نزل فيه قول الله تعالى: "عبس وتولى أن جاءه الأعمى" بمنتهى الرقة والتأدب إذ كان يقول له كلما رآه: "مرحباً بمن عاتبني به ربي"، كما روي أن جمعاً من الصحابة شاهدوا رجلاً به عرضاً نفسياً فقالوا: "إنه مجنون"، فنهاهم الرسول عن ذلك وقال لهم: "لا تقولو مجنون وقولو مصاب" أو كما قال. . لذلك، فقد كان الأوجب بمقدم البرنامج أن يستحضر عبد الله بن أم مكتوم وهو من كبار الصحابة وممن استشهدوا في معركة القادسية وكان يخلف الرسول عليه السلام حينما يغيب عن المدينة، وكذلك الترميذي وأبو العلاء المعري وطه حسين ورؤساء دول مثل فرانكلين روزفيلت وكان يستخدم كرسي متحرك وعالم الفيزياء الفذ ستيفن هوكينغ وكان لديه إعاقة جسدية كاملة بحيث لا يقوى على تحريك حتى شفتيه، هذا فضلاً عن الألوف من الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يعيلون عائلات وأسر ويقدمون لأوطانهم وأهلهم الكثير في الأردن والعالم، فهؤلاء جميعاً قادرون على العمل والعطاء بل يعطون الصدقات والمساعدات والتبرعات. لذلك فإن إطلاق الأحكام على هذا النحو لجمهور يسلم بعضه زمام فكره لرجل الدين الذي يثقون بما يقول تمام الثقة، من شأنه ترسيخ اتجاهات سلبية يسعى الأشخاص ذوو الإعاقة لتغييرها والقضاء عليها.
3. إذا كان الفقير أو المسكين أو ابن السبيل أو أحد العاملين على الزكاة والصدقات من ذوي الإعاقة، فإن استحقاقه لها هو بسبب تصنيفه ضمن هذه المصارف حصراً وليس بسبب ما يعايشه من إعاقة، فلا يجوز للأستاذ السمان إعطاء معلومات دينية مغلوطة للناس تدفعهم للتصدق على من لديه إعاقة حتى لو لم يكن ممن تجوز عليهم الصدقة وفقاً لمصارفها التي حددتها الآية الكريمة.
4. يهيب المجلس برجال الدين والقنوات التلفزيونية والإذاعية ووسائل الإعلام توخي الدقة من خلال ما هو معمول به عالمياً من معايير الجودة للمحتوى الإعلامي "Quality Control” للتأكد من أن ما يبث للناس لا يساهم في تجذير أفكار أو مفاهيم تتناقض وحقوق الإنسان بل وصحيح الدين.
وأكد المجلس على كامل استعداده لتقديم الدعم والمشورة المعرفية والفنية المتعلقة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وسياقها المفاهيمي لتوظيف المحتوى الإعلامي أياً كان نوعه لتعزيز ثقافة التنوع واحترام الاختلاف.