الكاتبة أفنان العنتري
العم أبو كمال ..
يجلس خلف ماكينة الخياطة ..
خيوط ملونة مبعثرة ..
كما بعثرتنا تلك المستوطنات .
يصلي الفجر ..
(( يا صباح يا فتاح يا عليم ))
وبعد السجود الأخير ..
يأخذ كوبا من هواء المتوسط ..
ذلك الأبيض الذي يعانق ساحل غزة .
(( يا الله با رزاق )) ..
إلى المخيطة ..
(.. العمل عبادة يا عمي يا أفنان .. والرزق بدو تعب ..)
أو لا تدري يا عمي بأنك تخيط جرحا ينزف من تلك الندبة ؟!
ندبة ..
جاءت باسم نكبة .
فبدأت قصة الوعيد والشهيد والرصاص والحديد ..
و إني أنتظر منك يا عماه أن تحيك لقصتنا حبكة عظيمة تليها القفلة الأكيدة .
قفلة ...
تحاك من خيوط المخيطة ..
بل من خيوط الشمس ..
فالشمس آتية ، ولو من بعد ليل طويل .
للعم أبو كمال هواية من لون الطفولة ..
على ( الأورغ ) يعزف ..
عزف لي ذات مرة ( موطني ) ..
وقتها أدركت أن عمي موهوب ، هو لم يعزف على ذلك الأورغ الصغير !!
بل كان يعزف على أوتار قلبه الكبير ..
قلب بحجم ( فلسطين ) ..
ولا أكبر من فلسطين على وجه الخليقة.
العم أبو كمال ..
هو الرجل العادي
خياط من أرض غزة
وما العادي إلا كل طبيعي
ومن الطبيعي أن يكمل العم تفاصيل الحكاية بجمع خيوط الأمنيات ..
ومن العادي أن نسمع صوت معزوفته ، رغم صوت الإنفجار .
عادي ...
أما غير ذلك فهو غير عادي .
و من غير العادي أن نغلق أذاننا عندما يصيح طفل ( الله اكبر ) إذا ما داهمته الغارة .
ومن غير العادي ..
أن لا نصلي الفجر مثلهم ، ونلقي التحية على نورس البحر .
ومن بعدها نسير في ذلك الحي الذي اغتاله الليل .
لنزرع وردة تليها ورود ..
أمام باب المخيطة .