القلعه نيوز - بقلم - حسن محمد الزبن
الجنرال الأردني الدويري كان ضيفا لواحدة من أهم القنوات الفضائية التي كان إحدى بواباتها الإخبارية التحليل العسكري والسياسي والاستراتيجي لأحداث الحرب على غزة.
إن ما يميز الجنرال أنه لا يتعرض في حديثه لأي تحليل سياسي، بل من الممكن أن يقدم رأيا أحيانا، لأنه يرى أن للسياسة وتحليلاتها أهلها، وأنه معني بالتحليل العسكري والاستراتيجي.
الجنرال استطاع أن يقرأغزة من رأسها إلى أخمص قدميها، لقد ألم بطبوغرافيتها وجغرافيتها وأحيائها وشوارعها ومعالمها، لكنه لم يقرأ للعالم أحافيرها وأنفاقها لأن هذا من أسرارها.
الجنرال مطلع وخبير في العقلية الأمريكية والإسرائيلية، وخبير في مدرسة التخطيط العسكري للمعارك والحروب لكلا الطرفين، وبحكم عمله الطويل في الجيش العربي الأردني، ودوراته المتقدمة، فهو على دراية بكل الأسلحة التي تتداولها الجيوش في الحروب، ومطلع على كل جديد في الصناعات الحربية، ويجتهد أن لا يفوته كل جديد، باحثا متمرسا في معرفة مواصفات وخواص كل سلاح، ليكون بمستوى عال من التحليل والطرح كخبير عسكري، وعلي مستوى عال من القدرة والإحاطة بهدوء المتزن المتمكن، ليصل إلى المتلقي والمشاهد بأفضل الطرق، بربط الأحداث وتسلسلها بعقلية عسكرية فذة.
الجنرال لم يخف تعاطفه وميوله نحو المقاومة، ولذلك لا تجده يقدم معلومة واحدة يمكن أن تخدم الطرف الآخر، وهذا استثناء أن الحرب هنا على غزة، التي هي أصلا استثناء في حروب المنطقة، وتعدد الأعداء عليها، فهو فلسطيني الهوى يؤمن بضرورة حرية الشعب الفلسطيني وتحقيق آماله وتحرير أرضه المحتلة وأنه يجب أن يأتي الوقت الذي تتحقق فيه العدالة للقضية الفلسطينية، ولهذا تجده يؤكد أن الجيش الإسرائيلي لن يحقق هدفه السياسي من الحرب، ولن يتمكن من القضاء على حركة المقاومة سواء كعقيدة أو قدرات عسكرية مفندا أسباب ذلك في تحليلاته، مقدما دعما معنويا وإعلاميا وعسكريا للمشاهد العربي والغربي الذي ينتصر للحق ويرفض مشاهد العدوان الجاثم على وجه غزّة بما يملك من منطق واتزان.
الجنرال حاز على ثقة الشارع العربي، وحتى على أغلبية ساحقة في الشارع الغربي الذي يرى تحليلاته ليست بعيدة عن العمق وتستحق الثقة، وهذا باعتقادي لخلفيته العسكرية التي صقلت معارفه وعلومه وخبرته كأحد خريجي مدرسة الجيش العربي الأردني الذي يتمتع بكفاءة عالية وينظر إليه العالم باحترام وتقدير من خلال رسالته المعتدلة والمتزنة التي قدمها في أماكن متعددة من العالم وكان له احتكاك إنساني مع شعوبها في قوات حفظ السلام الدولية، ومبادراته التي يقدمها من الخدمات الصحية والطبية والمعونات الإنسانية في كل الدول التي يتواجد فيها.
الجنرال قارئ للتاريخ العسكري الإسرائيلي، وقارئ لتاريخ المقاومة الفلسطينية المسلحة، ويدرك الفوارق والقدرات والإمكانات وعوامل الدعم اللوجستي لكلا الطرفين، ولهذا يقدم تحليلاته لوقائع الأحداث على أرض المعركة بهدوؤ ودون اندفاع أو استعراض، ويستعيد مع الرأي العام الذاكرة التاريخية وتسلسلها وربطها مع كل المستجدات للحرب على غزة، مما هيأ أن لا تجد فجوة عدم فهم لما يطرح من تحليل عسكري يراه الأغلبية يتوافق مع ما يحدث على أرض الواقع بما لديه من رؤية استباقية لما سيحدث في مسرح الحرب وأرض المعركة.
الجنرال إلى جانب قدراته في التحليل العسكري للحرب على غزة، خدمته النافذة التي يطل منها على العالم من خلال قناة الجزيرة كمؤسسة إعلامية ضخمة لها مساحة واسعة من المشاهدين والمتابعين حول العالم، ونجحت في تغذية الذاكرة العربية والعالمية بصورة الأحداث لحظة بلحظة، وساعة بساعة، لحرب قذرة وآلة عسكرية ظالمة استهدفت الإنسانية، واستهدفت شعبا يعيش الحصار سنوات طويلة، طالته المجازر والوحشية الغاشمة على المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، وأصابت المستشفيات وكوادرها ومن يرقد على أسرتها بفعل الحرب، ورصدت لحظات الموت والفاجعة، وصور الأشلاء والجثث التي تغرق بالدم، وأوضحت لكل مشاهد غياب كل أخلاقيات الحروب التي تجاوزت الأهداف العسكرية وأوغلت في ضرباتها وعملياتها الليلية والنهارية باتجاه المدنيين، وغرف الطوارئ، وغرف العمليات والعناية الحثيثة، والصيدليات في كافة المستشفيات في القطاع.
الجنرال هو نموذج أردني لجنرالات وضباط وجنود الجيش العربي الأردني الذي عرف بعقيدته القتالية واحترافيته ووطنيته وعروبته التي يشهد بها العدو قبل الصديق.
الجنرال أثبت أنه من الصلابة والتحمل وقد مضى 45 يوما من الحرب ولا يزال يتردد على غرف واستوديوهات قناة الجزيرة مثله مثل باقي المتخندقين في غرف الإعلام يشاركهم اللحظات والأوقات العصيبة وهو يقدم تحليلاته لمقدمي البرامج والصحفيين على مدار الساعة باقتدار وثقة ووعي لكل مجريات الحرب منذ يومها الأول.