الدكتور محمود عبد العال فراج
ينعقد في هذه الأيام من أواخر شهر نوفمبر 2023م مؤتمر كوب 28 الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة والذي يدعو دول العالم الى تسريع وتيرة الانتقال لاستخدام الطاقة النظيفة التي تعتبر أحد أهم متطلبات التنمية المستدامة ومن أهم أهدافها، لأنها تعتبر من القضايا الهامة والشائكة التي تجذب أنظار المهتمين من المختصين في علم الاقتصاد والاجتماع وكذلك المهتمين من صناع القرار السياسي على مستوى العالم والذين يجتمعون اليوم على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة لمناقشة قضايا المناخ وتشجيع كافة الدول في الإسراع بالانتقال إلى استخدام الطاقة النظيفة بديلا عن مصادرها الحالية، وذلك بغرض الحد من التلوث البيئي،هدف كل تلك الفئات هو الوصول إلى عملية تنمية حقيقية دائمة تحقق تطلعات الأجيال الحالية دون اغفال للأجيال القادمة وطموحاتها، لأنها عملية تأخذ في اعتبارها الموارد الاقتصادية المتاحة وكيفية الاستفادة منها في تحقيق الأهداف العامة دون استنزافها بالوقت الحالي على حساب المستقبل، إن عملية التنمية المستدامة هي ترجمة حقيقية لتلبية احتياجات الجيل الحالي دون التضحية باحتياجات الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها لأن الهدف من عملية استدامة التنمية هو التركيز على المستقبل دون اجحاف أو ظلم للأجيال الحالية أو على حسابها،حيث تستند عملية التنمية على مبادئ بيئية واقتصادية واجتماعية تهدف إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية والمحافظة على التوازن بين الاقتصاد والبيئة والمجتمع، هذا النهج يهدف إلى تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي دون التسبب في ضرر بيئي غير قابل للتعويض.
هناك العديد من العوامل المهمة التي تسهم في تحقيق التنمية المستدامة منها الحفاظ على الموارد الطبيعية حيث يجب استخدام الموارد الطبيعية بشكل مستدام وفعال، وتقليل الاستنزاف والتلوث البيئي حيث ينبغي تحقيق نمو اقتصادي مستدام يضمن توزيع الثروة بشكل عادل ويقلل من الفقر كما يجب تعزيز العدالة الاجتماعية وضمان حقوق الإنسان والمشاركة المجتمعية وكذلك الانتباه لضرورة تثقيف وتوعية المجتمع حول قضايا التنمية المستدامة وزيادة وعي لدى أفراد المجتمع حول دورهم ومسؤولياتهم لتحقيق ذلك الهدف، كما يجب الانتباه الى قضية استخدام التكنولوجيا بشكل إيجابي ينسجم مع تلك الأهداف، ويجب الاّ نغفل عن ضرورة العمل المشترك بين الدول والمؤسسات الدولية لمعالجة قضايا التنمية المستدامة على الصعيدين الوطني والعالمي، كل ذلك لا يتحقق إلاّ بوجود تخطيط وسياسات وإجراءات حكومية تعزز التنمية المستدامة وتعالج التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية شريطة إشراك مؤسسات المجتمع المدني في عملية اتخاذ القرار المتعلق بأهداف التنمية المستدامة،إن تحقيق التوازن بين جميع هذه العناصر هو أساس التنمية المستدامة وضمان استدامة التقدم الاقتصادي والاجتماعي دون التأثير الضار على البيئة والأجيال القادمة.
إن ديننا الإسلامي شجع على الكثير من القيم والمفاهيم التي تتوافق مع مبادئ التنمية المستدامة، ذلك أن الإسلام حث على الحفاظ على نعم الله والبيئة الطبيعية، حيث يُعتبر الاستهلاك المفرط وتلويث البيئة أمورًا محرمة، كما أنه دعا إلى ضرورة توزيع الثروة والفرص بشكل عادل، بما يتوافق مع هدف التنمية المستدامة للقضاء على الفقر وتعزيز المساواة، كما شجع الإسلام على العمل والاستثمار بشكل إيجابي، ولكنه حث أيضًا على تجنب الربا والمضاربة والاحتكار، كما أن ديننا الإسلامي يؤمن بأهمية القيم الاجتماعية مثل العدل والمحبة والتعاون، وهذه القيم تعزز الاستدامة في المجتمعات كما يعتبر أن الرعاية الصحية والعناية بالجسد من الأمور الهامة، التي تساهم في تحقيق الوقاية والتعافي و تساهم أيضا في تحقيق التنمية المستدامة كما أنه يشجع على القيام بالأعمال الخيرية ومساعدة المحتاجين، مما يعزز من الاستدامة الاجتماعية ، يمكن القول أن مفاهيم الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية والبيئية التي تروج لها التنمية المستدامة تتوافق مع القيم والتوجيهات الإسلامية، وهذا يجعلها قاعدة قوية لتحقيق التنمية المستدامة في المجتمعات ذات الغالبية المسلمة۔
للتنمية المستدامة إيجابيات عديدة، تشمل المساهمة في الحفاظ على الموارد الطبيعية مثل المياه والهواء والتربة والغابات وتقليل التلوث، مما يعزز الجودة البيئية، كما تعمل على تحقيق التقليل من التلوث وتوفير الوصول إلى مياه نظيفة وغذاء صحي يؤدي إلى تحسين صحة السكان، كما أنها تهتم بتوزيع الفرص والثروة بشكل أكثر عدالة، مما يقلل من الفقر ويزيد من المساواة، كذلك تعمل على تعزيز النمو الاقتصادي المستدام الذي يؤدي إلى زيادة في فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة وتعزز من التطور التكنولوجي والابتكار في مجالات مثل الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة وتساهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي والمحافظة على الأنواع الحيوية ۔ بشكل عام إن التنمية المستدامة تعمل على تحقيق التوازن بين الاقتصاد والبيئة والمجتمع، مما يسهم في تحسين جودة حياة الأفراد والأجيال القادمة.
بالرغم من العديد من كل تلك الإيجابيات، هذه العملية تحتوي أيضا على العديد من السلبيات والتحديات التي تواجه تحقيقها، في مشاريع التنمية تحتاج إلى استثمارات ضخمة في بداياتها في مجالات البيئة والتكنولوجيا وهذا قد لا يتوفر للعديد من الدول التي تطمح إلى التخطيط لتحقيق تنمية مستدامة في مجتمعاتها، كما أن الاعتماد على الطاقة المتجددة التي تهدف إليها عملية التنمية، قد يصطدم بعائق عدم استقرار التوريد والتكلفة العالية، بالإضافة الى أن عملية التنمية تتطلب إيجاد توازن بين تحقيق التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة، وهذا قد يتطلب تضحيات قصيرة الأجل للحفاظ على المستقبل، كما أن تحول الصناعات التقليدية إلى صناعات أكثر استدامة وهو من أهم أهداف عملية التنمية، قد يؤدي إلى فقدان وظائف في القطاعات التقليدية، كذلك تحسين الإنتاجية في الزراعة قد يؤدي إلى تراجع دخل الفلاحين والتأثير على استدامة هذا القطاع، أضف الى ذلك أن عملية الحصول على تمويل لمشاريع التنمية المستدامة صعبًا بسبب المخاطر المالية المرتبطة بها كما قد تنشأ قضايا اجتماعية مثل نقص فرص العمل أو تهجير المجتمعات المحلية نتيجة لمشاريع التنمية المستدامة، وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن التنمية المستدامة تعتبر نهجًا هامًا للمحافظة على البيئة وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي على المدى الطويل، ويمكن تجاوز هذه السلبيات من خلال التخطيط والتنفيذ الجيدين.
هناك العديد من المنظمات الدولية والوطنية التي تعمل على تعزيز وتنفيذ التنمية المستدامة. من بين هذه المنظمات:
1. الأمم المتحدة (UN): تلعب الأمم المتحدة دورًا رئيسيًا في تعزيز التنمية المستدامة من خلال مؤسساتها المتخصصة مثل البرنامج البيئي للأمم المتحدة (UNEP) ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO) ومنظمة الصحة العالمية (WHO).
2. البنك الدولي: يهدف البنك الدولي إلى توجيه التمويل والمساعدة الفنية نحو مشاريع تعزيز التنمية المستدامة في الدول النامية.
3. منظمة الصحة العالمية (WHO): تركز منظمة الصحة العالمية على تحسين الصحة العامة والرعاية الصحية المستدامة.
4. الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN): تعمل هذه المنظمة على الحفاظ على التنوع البيولوجي وحماية البيئة من خلال الأبحاث والتوعية وإدارة المناطق الطبيعية.
5. الشراكة العالمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة (UNDP): تقدم الشراكة العالمية دعمًا فنيًا وماليًا لتعزيز التنمية المستدامة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
6. المنظمة الدولية للعمل (ILO): تركز على تعزيز فرص العمل اللائقة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
7. الشراكة العالمية للمياه (GWP): تهدف إلى تعزيز إدارة الموارد المائية بشكل مستدام.
8. منظمة الأمن والتعاون في البحر الأبيض المتوسط (UNEP/MAP): تركز على حماية البيئة وتعزيز التنمية المستدامة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
9. منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (UNESCO): تعمل على الحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي وتعزيز التعليم والبحث العلمي.
هذه نماذج من المنظمات العالمية والدولية التي تهتم بقضايا التنمية المستدامة على مستوى العالم، مع العلم بأنه يوجد ايضاً عدد من المنظمات والمؤسسات الإقليمية والوطنية التي تشارك هذه المنظمات الدولية اهتمامها بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويهتمون بشكل وثيق وارتباط حقيقي على تحقيق النمو الاقتصادي المستدام الذي يأخذ في الاعتبار التأثيرات البيئية والاجتماعية، على المدى والأجل الطويل دون استنزاف للموارد الطبيعية الحالية ، وذلك يتطلب بالطبع ضرورة توفر مصادر تمويل متنوعة دائمة لتنفيذ المشاريع المتعلقة بعملية التنمية، قد يكون مصدر التمويل هذا خاصا أو عاما او في شكل استثمارات تستهدف تلك النوعية من المشروعات، كما تعمل هذه المنظمات العالمية والمحلية والإقليمية على إدارة المخاطر الاقتصادية لأن عملية التنمية المستدامة تتطلب تقليل تلك المخاطر الى الحد الأدنى من خلال تنويع الاقتصاد والاستثمار في مجالات وقطاعات اقتصادية مختلفة، كما تسعى إلى توزيع فوائد التنمية بشكل عادل، وذلك من خلال خلق فرص العمل وتحسين معيشة الطبقات الفقيرة وتطوير تقنيات الطاقة المتجددة بما يعزز الاستدامة البيئية، كما أنها على أن تعمل على تنمية التجارة الدولية وجعلها أكثر مرونة، بالإضافة إلى تحسين جودة الحياة من خلال توفير الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والمياه والصرف الصحي.
بشكل عام، الاقتصاد والتنمية المستدامة يجب أن يتعاونوا لضمان تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية دون التأثير الضار على البيئة والأجيال القادمة ۔