العربية ... لغة إنسانية
في الثامن عشر وفي مثل هذا اليوم من كل عام يصادف يوم اللغة العربية ،هذه اللغة ، وهي عماد الفكر العربي وواسطة عقده معجزة خالدة على مدى الأيام لم تزل قائمةعلى أصولها ،تمر بها المحن والنكبات صاغرةً ذليلة لا تنال منها منالاً ولا تبلغ منها مبلغاً ذا خطر . تعمدها الغزاة الطامعين كلما تعمدوا هدم كيان الأمة العربية ،فأحرقوا كتبها ،وعبثوا بخزائنها ،وقتلوا حفظتها حتى يقطعوا ما اتصل بين اجزاء الوطن العربي الاكبر من الاسباب .ولا تكاد هذه القلعة الحصينة تفلت من قبضة الغزاة حتى تجد لها موئلاً تلجأ اليه ،ثم تعود بعد ذلك آصرة شديدة متينة تتكسر عندها كل اسباب التخريب والهدم.
واللغة العربية ظاهرة انسانية فريدة بين سائر اللغات ،ولا سيما أن عوامل الحضارة البشرية قد وقفت منها في العصور الحديثة على وجه الخصوص موقف المناوىء شديد الخصومة .
فقد كان انهيار الدولة العربية الاسلامية على أيدي الغزاة المغول اول ما أصاب الحضارة العربية من النكبات بعد عصور الازدهار ،تلك العصور التي جعلت من اللغة العربية لغة العلم والمعرفة والثقافة في العالم المتحضر انذاك،علاوة على كونها لغة الدين والعبادة في اسيا وافريقيا خاصة وفي سائر بقاع الارض التي مر بها غيث الرسالة الاسلامية .وكان صمودها يعود الى اسباب عدة ولعل أهمها انها غدت بكتاب الله تعالى ورسالة الاسلام اللغة الانسانية .فلم تعد مثل سائر اللغات الاخرى التي استسلمت لمصير الامبراطوريات والدول التي نشرتها في اصقاع الارض وبين أممها .وبهذا أصبحت اللغة العربية لغة انسانية ينطق بها في اعتزاز وتقديس الملايين من بني الانسان ،يعدون ذلك فرض من فروض الدين ،فانشأت بذلك أسرة من أسر اللغات في طبيعتها وفي تكوينها تلك هي أسر اللغات الاسلامية ،فالفارسية والأوردية والهندستانية والتركية والكردية في أسيا والسواحلية والهوسا وغيرها في افريقيا كلها ،هي العربية أعضاء في أسرة اللغة الاسلامية التي قد لا تتشابه او تتقارب في نحوها ،وفي تركيب الكلام ولكنها تتقارب أشد التقارب في المفردات والمصطلحات ،ولا سيما ما يتصل منها حول الحياة الفكرية والحضارية والاجتماعية .
واللغة العربية اليوم جديرة أن تكون منطلقا للتعاون الانساني في العالم ،ذلك التعاون الذي يرتفع عن حضيض المصالح المادية ،وثمة حقيقة اخرى لا بد من وضعها بعين الاعتبار أن اللغة العربية التي أنتشرت في العالم لغة حضارة تأثر بها ،وغدت لسان ثقافة فأنتفعت بها أقوام لا ينطقون بها فنطقوا بها .ان طرائق التعاون الانساني بين الشعوب عديدة ،ولعل التعاون الفكري ذا فائدة عندما تكون لغة الاتصال أسلمها عاقبة ،ومدعاة للتحقيق المعاني الانسانية في أعلى مراتبها وهي عنوان الوحدة التي تصل بين أبناء الامة العربية في الفكر والشعور وتشاركهم معاً في تراث عريق وقيم ،ويكون حافلاً بالتقدم والمجد بخدمة الانسانية .واليوم أصبح التفاهم الانساني بكل اللغات هدفاً من أجل الانسانية للتقارب الشعوب بالافكار والعمل وايصال الرسالة المرجوة .
واليوم أضافة الى يوم اللغة العربية نضيف العيد الخمسين لأعلان اللغة العربية لغة رسمية في الأمم المتحدة .ولا بد اليوم من أعادة التركيز للدراسة اللغة العربية وقواعدها للأجيال الجديدة وبناء مستقبلهم بلغتهم لأنها من أهم الاهداف التي تبقى لدعامة وحدتنا .
أمل محي الدين الكردي