د. خليف احمد الخوالدة
رسم الدستور الأردني أدوارا ومهاما محددة للسلطات الثلاث، حيث تتمثل مهام السلطة التشريعية في الرقابة والتشريع وتتمثل مهام السلطة القضائية في النظر في الدعاوى واصدار الأحكام في حين تتمثل مهام السلطة التنفيذية من خلال مجلس الوزراء في إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية باستثناء ما قد عهد او يعهد به من تلك الشؤون بموجب هذا الدستور أو أي قانون الى أي شخص او هيئة أخرى.
وحدد الدستور مهام ديوان المحاسبة في مراقبة ايراد الدولة ونفقاتها وطرق صرفها ويقدم ديوان المحاسبة إلى مجلسي الأعيان والنواب تقريراً عاماً يتضمن المخالفات المرتكبة والمسؤولية المترتبة عليها وآراءه وملاحظاته وذلك فـي بدء كل دورة عادية وكلما طلب أحد المجلسين منه ذلك.
وعليه، لا تكون رقابة مجلس الأمة، بشقيه مجلس الأعيان والنواب، فاعلة على أي وزارة أو مؤسسة أو دائرة حكومية إذا كانت ترصد له مخصصات أو تستحدث له وظائف على جدول التشكيلات أو تزوده بلوازم أو تُنفذ له عطاءات.
وكيف يتسنى لديوان المحاسبة أن يراقب ويدقق على أعمال مجلسي الأعيان والنواب ذلك لأن تقرير المخالفات يرفعه ديوان المحاسبة لمجلسي الأعيان والنواب، فكيف لديوان المحاسبة أن يضمن في تقريره مخالفات، إن وجدت، على مجلسي الأعيان والنواب؟
وبالنتيجة لا يجوز أن يمارس مجلسي الأعيان والنواب مهاما تنفيذية لأنها أولا من صلب عمل السلطة التنفيذية وثانيا حتى لا يكونا معرضين لمساءلة ديوان المحاسبة الذي يرفع تقاريره لهما وثالثا لتحصينهما من أي تأثير ويكرسا كل طاقاتهما للأدوار التي رسمها الدستور ولا ينشغلا بأية قضايا تنفيذية تتعلق بالموارد البشرية والمالية واللوازم والعطاءات. وبهذا تتولى الحكومة هذه المهام وتكون خاضعة لمساءلة ديوان المحاسبة وكذلك لرقابة مجلسي الأعيان والنواب.
حتى يتسنى لديوان المحاسبة التدقيق على المهام المتعلقة بالشؤون الإدارية والمالية والشراء واللوازم وبقية الخدمات المساندة (أي مهام خارج نطاق الدور والاختصاص الدستوري) في السلطة التشريعية، لابد من أن تتولى الوزارة المعنية بالشؤؤون البرلمانية هذه المهام وأن يتبع الموظفون القائمين على هذه المهام لهذه الوزارة. وفي هذا الطرح، تحصين للسلطة التشريعية وتكريس لتركيزها على مهامها الدستورية دون الإنشغال بأية مهام إدارية أو مالية أو تشغيلية مساندة.
وهذا يعني أن تتولى الوزارة المعنية بالشؤون البرلمانية كل ما يتعلق بالشؤون الوظيفية والإدارية والمالية واللوازم في مجلس الأمة بشقيه وأن يتبع موظفو المجلس من مختلف الدرجات الوظيفية للوزارة. وتُدرج المخصصات المالية لمجلس الأعيان والنواب ضمن موازنة هذه الوزراة وتدخل لوازم المجلسين ضمن مستودعات ومستندات هذه الوزارة وما إلى ذلك. وبهذا، تتفرغ السلطة التشريعية لاختصاصها الأصيل.
أما بالنسبة للسلطة القضائية، فالأمر أخف بكثير لأن معظم الموظفين والشؤون المالية والإدارية واللوازم وما إلى ذلك تتولاها وزارة العدل.
ولكن يبقى السؤال قائما كيف للقضاء أن ينظر في دعاوى يكون أحد الأطراف فيها أي وزارة أو مؤسسة أو دائرة حكومية ترصد للسلطة القضائية مخصصات أو تستحدث له وظائف على جدول التشكيلات أو تزوده بلوازم أو تُنفذ له عطاءات؟
كما لا يصح أن يراقب ويدقق ديوان المحاسبة على السلطة القضائية حفاظا على هيبتها وحصانتها، وهل يستطيع ديوان المحاسبة أن يضمن في تقريره مخالفات على السلطة القضائية؟
وبالنتيجة لا يجوز أن تمارس السلطة القضائية مهاما تنفيذية لأنها أولا من صلب عمل السلطة التنفيذية وثانيا حتى لا تكون عرضة لمساءلة ديوان المحاسبة الذي يرفع تقاريره لمجلس الأعيان والنواب ولا ننسى أن السلطة القضائية هي من تفصل في صحة نيابة أعضاء مجلس النواب وثالثا حتى تكون محصنة من أي تأثير وتكرس كل طاقاتها للأدوار التي رسمها الدستور ولا تنشغل بأية قضايا تنفيذية تتعلق بالموارد البشرية والمالية واللوازم والعطاءات. وبهذا تتولى الحكومة هذه المهام وتكون خاضعة لمساءلة ديوان المحاسبة وكذلك لرقابة مجلسي الأعيان والنواب والسلطة القضائية تبت في أية دعاوى بهذا الخصوص .
ولهذا، يجب أن تتولى وزارة العدل مهام الشؤون الإدارية والمالية والشراء واللوازم في السلطة القضائية والمحكمة الدستورية وأن يتبع جميع موظفو المحاكم من مختلف الدرجات الوظيفية للوزارة، وأن تدرج المخصصات المالية للسلطة القضائية والمحكمة الدستورية ضمن موازنة الوزراة وأن تدخل لوازم السلطة القضائية والمحكمة الدستورية ضمن مستودعات ومستندات الوزارة وما إلى ذلك. وبهذا، تتفرغ السلطة القضائية لاختصاصها الأصيل وحتى لا تكون السلطة القضائية عرضة لمساءلة ديوان المحاسبة.
وفي هذا الطرح، تحصين للسلطات وتكريس لتركيزها على مهامها الدستورية دون الإنشغال بأية مهام إدارية أو مالية أو تشغيلية مساندة.
أما بالنسبة للقضاء الشرعي، فقاضي القضاة موظف في المجموعة الأولى من الفئة العليا ولا يرأس المجلس القضائي الشرعي وبالتالي تتولى دائرة قاضي القضاة مهام الشؤون الإدارية والمالية والشراء واللوازم ولا يتولاها المجلس القضائي الشرعي ويتبع الموظفون من مختلف الدرجات الوظيفية لدائرة قاضي القضاة، وتدرج المخصصات المالية للمجلس القضائي الشرعي ضمن موازنة دائرة قاضي القضاة وتدخل اللوازم ضمن مستودعاتها ومستنداتها وما إلى ذلك. وبالتالي، لا يوجد ما يستدعي أن تتولى وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية هذه المهام التنفيذية.
أداء الدولة هو محصلة أداء سلطاتها، وتسهم كفاءة وفعالية أداء الأجهزة الرقابية في تعزيز أداء السلطة التنفيذية وبالتالي فقوة ديوان المحاسبة ضرورة ومصلحة حكومية قصوى.
لايجوز أن تتبع أي مؤسسة بما فيها ديوان المحاسبة لأي سلطة عدا السلطة التنفيذية . وعليه، فمرجعية الديوان ورئيسه مجلس الوزراء ورئيس الوزراء ولا يصح أن يتبع لمجلس النواب.
ولأن مواطن الخلل في جلها في الممارسة والتطبيق، فالأمر يتطلب تفعيل الرقابة الإدارية والرقابة على الأداء. خلاصة القول، أن عمل الدولة هو محصلة عمل عدة حلقات مترابطة وأي ضعف في أي حلقة يضعف بقية الحلقات وبالنتيجة يضعف الأداء العام.