د. مصطفى نصرالله – دكتور القانون الدولي
بدايةً يجب التأكيد ان الحديث عن المقاومة وحركات التحرر الوطني وحق الشعوب في تقرير مصيرها كان لا يمكن ان يحصل لولا وجود الاحتلال والاستيطان ووجود أنظمة عنصرية بطبيعتها، فمبرر وجود حركات التحرر الوطني والمقاومة هو الاحتلال ذاته، فالاحتلال هو الفعل والمقاومة هي ردة فعل عليه، ولذلك فإن مقاومة الشعب الفلسطيني ونشأت مقاومته مرتبطة إرتباطاً مباشراً بالنكبة وبنشوء الكيان الصهيوني على ارض فلسطين. وإذا كانت المقاومة الفلسطينية نشأت قبل النكبة إلا ان نشوء الكيان حول مقاومة الشعب الفلسطيني ليس فقط الى مقاومة تعمل الى تحرير الأرض من الاحتلال انما ايضاً الى حركة تحرر وطني تمثل الشعب الفلسطيني بأكمله وحاملة آماله في بناء دولة فلسطينية مستقلة عليها. مصطلح حركات التحرر وحق الشعوب بتقرير مصيرها قديم جداً أكدت عليه الثورة الفرنسية عام 1789.
وحتى نصل إلى توضيح الفرق بين مصطلح حركات المقاومة ومصطلح "الميلشيات المسلحة" لابد العودة إلى قواعد القانون الدولي الذي تناولت هذه المصطلحات سواء ما جاء بالعرف الدولى أو الاتفاقيات أو غيرها، هذه الاتفاقيات تذكر المصطلحات بصفة عامة ويأتي دور فقهاء القانون وشراحه لتوضيح معنى هذه المصطلحات ، بالرجوع إلى المذكرات الايضاحية وما تم تداوله من نقاشات اثناء وضع الاتفاقية أوالمعاهدة ويستعينون بمصادر القانون الدولي في مقدمها العرف الدولي ، لطبيعة قواعد القانون الدولي الذي نشأء بموجب الاعراف الدولية قبل ان يتم تقنين قواعده .
من خلال المواثيق الدولية والاتفاقيات العامة الشارعة أو الثنائية ، وإن من أهم الوثائق الدولية التي أشارت إلى مصادر القانون الدولي المادة السابعة من اتفاقية لاهاي الثانية عشر لعام 1907م، وكذلك المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية المادة 38.
ولا بد الإشارة إلى أن التوثيق الوارد في نصوص المواد حول مصادر القانون الدولي لا يعني وجود تدرج هرمي في قواعد القانون الدولي.
بالعودة إلى عنوان المقال حول حركات التحرر والميلشيات المسلحة سنبدأ بالتعرف على ماهية حركات المقاومة التي عرفها فقهاء القانون بالحركات التي تتشكل للدفاع عن شعبها بسبب الاحتلال الذي يقع من دولة محتلة او معتدية ، وهذه المجموعات ليست حديثة العهد او النشأة ، انما وجدت عبر العصور ومنها حركات التحرر الفيتنامية التلى تشكلت بعد قيام الولايات المتحدة بغز واحتلا فيتنام وكذلك حركات التحرر في دول افريقا ابان الغزو الفرنسي ولاايطالى وغيرها الكثير عبر التاريخ ‘ وربما تكون حركات التحرر الفلسطينة هي البقية الباقية بسيب الاحتلال الصهيوني الذي يكاد يكون هو الاخير الذي بقي جاثما على الاراضي العربية والفلسطسنية .
ورد في البروتوكول الاضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقية جنيف 1949 المتعلقة بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية وفق احكام المادة الرابعة من البروتوكول المذكور وتضمن الباب ألأول منه قاعدة هامة لمناضلي حركات التحرر الذي اعتبر أن حروب التحرر نزعات دولية ( تتضمن الأوضاع المشار إليها التي تناضل بها الشعوب هذا التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير).
والنص واضح أنه يتحدث على مقاومة الاستعمار والاحتلال وهذا ما ينطبق على حركات المقاومة الفلسطينية التي كرست جهدها وصوبت سلاحها تجاه الكيان الصهيوني لتحرير ما تم اغتصابه من الاراضي الفلسطينية وتحرير اسرى الشعب اللسطيني من سجون الكيان واعادة اللاجيئن الى مدنهم التي هجروا منها ، وهذه الاهداف التى أعنلتها وتنادي بها حركات المقاومة لم تعد مخفية على أحد وتصدح بها صباح مساء دون مواربة أو تورية .
إن ما تم ادرجه من نصوص في البروتكول يؤكد على أهمية ما تقوم به حركات التحرر التي تحصر ناضاله ضد الاستعمار والاحتلال الأجنبي، وهذا مكن حركات التحرراكتسبت مركز قانوني دولي بالغ الأهمية، ويعد ذلك سابق في القانون الدولي والإنساني الذي منحها مركز قانونيا واضفى على افرادها حق الحماية اثناء الحروب سواء في حال وقع أحد أفرادها بالاسر ليتمتع بالحقوق التى منحاه له القانون .
وأن المادة 96 الفقرة الثالثة في البروتوكول الأول، جاءت بالاعتراف الكامل بحركات التحرر الوطني وهذا يؤكد على التفرقة فيما بينها وبين غيرها من المجموعات المسلحة، وكذلك المادة (43) من البروتوكول الأول التي ساوت في المركز القانوني بين حركات التحرر الوطني والقوات المسلحة للدول في الحماية خلال النزاعات الدولية.
والجدير بالاهتمام أن النصوص القانونية الواردة في البروتوكول الأول لعام 1977 تؤكد الاعتراف بحركات التحرر الوطني في القانون الدولي على أنها الوسيلة الشرعية أمام الشعوب للحرية والاستقلال من خلال النضال للتحرر من سيطرة الاستعمار.
وما يؤكد مصطلح حركات التحرر الوطني وارتباطه بالنضال ضد الاستعمار وأنه المصطلح الواجب التمسك به وتداوله ما جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (3237) لسنة (1974) بالاعتراف بمنظمة التحرر الفلسطينية ممثلًا بالشعب الفلسطيني.
وقرار الجمعية العامة رقم (2980) الصادر في الدورة المرتبطة بالامم المتحدة لاعلان منح الاستقلال للدول والشعوب المستعمرة ، فقد نصت الفقرة التنفيذية الثانية منه على ان الجمعية العامة تؤكد من جديد ان اعترافها ومجلس الامن وغيرها من اجهزة الامم المتحدة بمشروعية كفاح الشعوب المستعمرة من اجل تحقيق حريتها واستقلالها ، ويستتبع ذلك قيام مجموعة من اجهزة الامم المتحدة بتقديم كل المساعدات المالية والمعنوية الضرورية لحركات التحرر الوطنية .
و قرار الجمعية العامة رقم (23/147) الصادر في الدورة 32 لعام 1977 الخاص بالتدابير الرامية إلى منح الحق غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال لجميع الشعوب الخاضعة لنظم استعمارية وعنصرية ولغيرها من اشكال السيطرة الاجنبية وتقرير شرعية كفاحها ولا سيما كفاح حركات التحرر الوطني وفقاً لا هداف الميثاق ومبادئه وللقرارات الصادرة عن هيئات الامم المتحدة في هذا الشأن
أن ما تم بسطه من مواد قانونية وقرارات أممية يؤكد حق الشعوب بتشكيل حركات التحرر لما لهذه الحركات من مركز قانوني يمكن للدول التعامل معها بوصفها تمثل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال.
أما المليشيات فهو مصطلح سياسي يطلق على مجوعات محلية تنشق عن الجيش الوطني وتتمرد على للدولة ويكون هدفها السيطرة على مؤسسات الدولة واقتسام اقليم الدولة وتنشأ عللا اساس عرقي أو طائفي والكثير منها يكون له الاتباط بدول وتمويل اجنبي وتوصف بالعمالة والخيانة .
وخير دليل يمكن الحديث عنه ما يطلق عليها مليشا هي ميليشيا الدعم السريع السودانية ، واضح للعايان ان هذه المليشايات هدفها هو ذات الدولة وليس المحتل، وكذلك تستهدف بقتالها جيش الدولة وليس جيش العدو، تسعى للسيطرة على جزء من إقليم الدولة وإخضاع هذا الإقليم لسلطتها وسيطرتها.وهذ ما يفرقها عن حركات التحرر الوطنية.
ومن الامثلة على المليشيات ما تقوم به ما يعرف ( ميليشيات بورما ) وما يحدث في إقليم (تيغراي) دولة أثيوبيا، وقد يكون سبب نشأته هذه المليشيات ( عرقي أو طائفي).
فالميليشيات مجموعات مسلحة تنشأ خارج إطار مؤسسات الدولة المركزية وتعمل خارج سلطة الدولة وتستخدم العنف وسيلة لتحقق أهدافها السياسية أو الطائفية من الدولة المركزية.
وبالمقارنة التي ذكرنا يظهر الاختلاف الجوهري بين أهداف ومنطلقات حركات التحرر الوطني والمليشيات المتمردة وأخذا بالمعيار الموضوعي والشكلي لتكوين ومنطلقات وأهداف حركات التحرر الوطني، وعليه تكون حركات المقاومة الفلسطينة هي حركات تحرر وطني وليست مليشيات متمردة .
ان من حق حركات التحرر الفلسطينية ( حركات المقاومة ) على الأمة شعوبا ومسؤولين ان تسميها بما منحها القانون الدولي من صفة ومركز قانوني، وهي التى خاضت عبر 15 شهرا في غزة حربا بطولية بمواجهة الكيان الصهيوني والتي تعد الاشرس عبر العصر الحديث، ورغم كل ما عانته من حصار شديد وحرب ابادة بقيت على أهدافها بحصر استهدافها للكيان على أرض فلسطين وليس خارجها، ولم يسجل عليها عبر 40سنة الاخيرة من عمر الصراع مع الكيان الصهيوني أنها اساءت لأي دولة عربية أو مست بسيادتها، بل بقيت بكل خطابات وسلوكها وممارساتها الفعلية تؤكد على حرصها وانتمائها لعمقها العربي والاسلامي. ومحافظتها على حسّها الانساني وقد شاهد العالم حسن صنيعها مع أسرى العدو الصهيوني وكيف حافظت عليهم ولم تمس اي أسير بسوء خلافا لما تقوم به دولة الكيان الصهيوني في تعاملها مع الأسرى الفلسطينيين في سجونها، وأيضا بخلاف ما تقوم به المليشيات المسلحة من اغتصاب ونهب وحرق وغيره من الجرائم.
ان ما ينطبق على حركات المقاومة في فلسطين هو مصطلح حركات التحرر الوطني وليس " الميليشيات" ، ولا أدلّ على ذلك من سلوكها أدائها في مدن الضفة الغربية ( جنين ، وطول كرم ، ونابلس ، والخليل ، وقلقيلية ، و...) التي صمت سلاحها عندما تم محاصرتها ومهاجمتها واعتقال افرادها من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية حفاظا على الدم الفلسطيني، وحتى لا تنحرف الموجهة ضد العدو الحقيقي وهو الكيان الصهيوني المحتل، في حين يرى العالم عندما قامت قوات الكيان الصهيوني باقتحام مخيم جنين كيف تتصدى المقاومة لهم للدفاع عن الشعب الفلسطيني. ما تستحقه من تسمية واعتراف وتمثيل للشعب الفلسطيني هي حركات المقاومة وليس غيرها.