
القلعة نيوز– دخل الاقتصاد الوطني مرحلة جديدة من النضج الاستراتيجي والتعافي المنهجي، اتسمت بالقدرة على التكيف مع التحديات المعقدة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
وبرز قطاعا الصناعة والمال كركيزتين أساسيتين ضمن منظومة اقتصادية تمضي قدما نحو النمو المستدام، وتعمل على ترسيخ مفاهيم الاعتماد على الذات والابتكار التكنولوجي والتنويع الهيكلي للأنشطة الاقتصادية، ما انعكس بوضوح في المؤشرات الكلية والقطاعية خلال العام الماضي 2024، والربع الأول من العام الحالي.
واستفادت الصناعة الأردنية من التقنيات الحديثة وزيادة التنوع في الإنتاج، حيث أصبح القطاع الصناعي أكثر قدرة على التكيف مع الأزمات وتحقيق نمو متسارع في الصادرات.
وفي المقابل، أثبت القطاع المالي مرونته العالية، حيث عززت البنوك وشركات التأمين كفاءتها التشغيلية رغم التحديات الإقليمية، هذا التحول يسلط الضوء على استراتيجية اقتصادية جديدة تهدف إلى تحقيق التنوع الاقتصادي والاعتماد على القيمة المضافة، ما يعزز من قدرة الاقتصاد الأردني على مواجهة المتغيرات العالمية والارتقاء بمكانته في الأسواق الدولية.
أرقام بورصة عمان للربع الأول حول أداء القطاعات الاقتصادية أشارت إلى تحسن ونمو واضح في أداء هذه القطاعات، حيث ارتفعت أرباحها الصافية بنسبة 7.6 بالمئة لتصل إلى نحو 565 مليون دينار.
وقاد القطاع المالي هذا الارتفاع بتحصيله أرباحا صافية بلغت 365.5 مليون دينار، تلاه القطاع الصناعي بأرباح بلغت 161 مليون دينار، فيما بلغت أرباح قطاع الخدمات 34.7 مليون دينار.
وقال خبراء معنيون بالشأن الاقتصادي لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إن الاقتصاد الوطني دخل مرحلة جديدة من النضج، حيث أظهر القطاعان الصناعي والمالي مرونة في التكيف مع التحديات الإقليمية والعالمية.
وأضافوا أن النمو الملحوظ في أرباح القطاعات الاقتصادية في الربع الأول من العام الحالي، يعكس التحول الهيكلي نحو اقتصاد يعتمد على القيمة المضافة والابتكار.
وأشار رئيس جمعية مستثمري شرق عمان الصناعية، الدكتور إياد أبو حلتم، إلى أن القطاع الصناعي الأردني تمكن رغم التحديات العالمية غير المسبوقة، من الحفاظ على وتيرة إنتاجية مرتفعة، وسجل أداء متقدما في التصدير والابتكار والتحديث، موضحا أن هذا الأداء لا يمكن فصله عن جملة التحولات الاستراتيجية التي طرأت على السياسات الصناعية الأردنية خلال العقد الماضي، والتي استهدفت إعادة هيكلة القاعدة الإنتاجية للصناعة الوطنية، وتحويلها من صناعة تقليدية تعتمد على المواد الخام إلى صناعة تحويلية متقدمة تركز على القيمة المضافة، وتستند إلى معايير الجودة والتكنولوجيا والامتثال البيئي.
و بين أن النجاحات الصناعية الأردنية لم تكن وليدة الصدفة، بل جاءت نتيجة جهود طويلة الأمد على صعيد تطوير الكوادر البشرية، وتحسين بيئة الأعمال، ورفع كفاءة المصانع، وتعزيز شراكاتها مع مراكز البحث العلمي والجامعات، بالإضافة إلى البرامج الحكومية الداعمة لرقمنة خطوط الإنتاج وتسهيل التمويل الموجه نحو التحديث الصناعي، حيث ساهمت هذه السياسات في تعزيز مرونة المصانع الأردنية وقدرتها على التكيف مع الأزمات المتلاحقة، من الجائحة إلى الحرب الروسية الأوكرانية، وصولا إلى اضطرابات سلاسل التوريد العالمية وارتفاع تكاليف الشحن والطاقة.
وكشف تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية "اليونيدو" عن تقدم الأردن إلى مرتبة متقدمة بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المؤشرات المرتبطة بالمكون التكنولوجي والقيمة المضافة المحلية ضمن قطاع الصناعات التحويلية، متجاوزا في بعض المؤشرات دولا إقليمية ذات باع طويل في المجال الصناعي مثل تركيا ومصر، وهو ما يبرهن على حدوث نقلة نوعية في طبيعة الصناعة الأردنية ويعزز من مكانتها التنافسية في الأسواق العالمية، خصوصا في ظل تنامي الطلب على المنتجات التي تجمع بين الجودة العالية والابتكار.
وأضاف أبو حلتم، أن البيانات الصادرة عن غرفة صناعة عمان والغرف الصناعية الأخرى أظهرت أن الصادرات الصناعية الأردنية سجلت نموا ملحوظا خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة تراوحت بين 4-7 بالمئة، وهي نسبة تعد مرتفعة بالنظر إلى التباطؤ الحاصل في الاقتصاد العالمي، موضحا أن هذا النمو كان مدفوعا أساسا بالصناعات التحويلية مثل الصناعات الغذائية، والكيماوية، والهندسية، وصناعة المجوهرات، فيما تراجعت حصة الصناعات الاستخراجية مثل الفوسفات والبوتاس إلى أقل من 23 بالمئة من إجمالي الصادرات الصناعية، وهو ما يعكس التحول التدريجي في طبيعة النمو الاقتصادي الأردني من الاعتماد على الموارد إلى الاقتصاد القائم على المعرفة والقيمة المضافة.
ورغم هذه الإيجابيات، حذر أبو حلتم من التحديات المتعلقة بتركيز الأسواق التصديرية، حيث تذهب أكثر من 70 بالمئة من الصادرات الأردنية إلى 10دول فقط، كما تتركز هذه الصادرات في نحو 17 سلعة رئيسية، داعيا إلى ضرورة تنويع الأسواق وتعزيز القدرة التنافسية للسلع الأردنية من خلال الالتزام بالمواصفات الدولية، وتطوير المنتجات، وزيادة الاستثمارات في الصناعات المتقدمة تكنولوجيا، وهي الخطوات التي بدأت الحكومة فعليا بتنفيذها عبر سياسة صناعية وطنية حديثة تهدف إلى تعزيز قدرات الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتقديم حوافز تمويلية وتدريبية وتصديرية لتمكينها من دخول أسواق جديدة وتحقيق النمو المتوازن.
أما فيما يتعلق بالقطاع المالي، فقد أشار أستاذ المالية في جامعة آل البيت الدكتور عمر الغرايبة، إلى أن المؤشرات الصادرة عن بورصة عمان أظهرت تحسنا ملموسا في الأداء العام للقطاع المالي الأردني خلال الربع الأول من العام الحالي، حيث ارتفع المؤشر العام من 2696 نقطة إلى 2737 نقطة، محققا زيادة قدرها 41 نقطة أي بنسبة نمو بلغت 1.52 بالمئة، وهي نسبة إيجابية في ظل أجواء عالمية ما تزال تتسم بالحذر وعدم اليقين المالي.
وأوضح بأن هذا النمو يعكس جملة من العوامل المتداخلة، من أبرزها استقرار السياسات النقدية المتبعة من قبل البنك المركزي الأردني، الذي حافظ على مستويات الفائدة ضمن نطاق مدروس، بما لا يضر بالنمو الاقتصادي وفي الوقت نفسه يضمن استقرار سعر صرف الدينار الأردني.
كما أشار الغرايبة، إلى أن القطاع المالي يتألف من 4 مؤشرات فرعية وهي البنوك، التأمين، الخدمات المالية المتنوعة، والعقارات، موضحا أن أبرز المكاسب تحققت في قطاع التأمين الذي ارتفع من 1994 إلى 2075 نقطة بنسبة نمو بلغت 4.07 بالمئة، مدعوما بزيادة الأرباح التشغيلية وتحسن البيئة التنظيمية، فيما حقق قطاع البنوك نموا بنسبة 1.88 بالمئة نتيجة تحسن كفاءة التشغيل وارتفاع معدلات الإقراض وصافي الأرباح.
في المقابل، سجل مؤشر الخدمات المالية المتنوعة انخفاضا بنسبة 4.07 بالمئة، متأثرا بتراجع أرباح بعض شركات الوساطة والتقلبات في سوق الأسهم، كما شهد مؤشر العقارات تراجعا طفيفا نتيجة حالة الترقب في السوق العقاري والضغوط المرتبطة بأسعار الفائدة المرتفعة نسبيا، والتي أدت إلى تباطؤ الطلب على بعض أنواع العقارات التجارية والسكنية.
بدوره، أوضح الخبير المالي حسام عايش، أن أداء الاقتصاد الكلي الأردني خلال الربع الأول من العام الحالي عكس تحسنا تدريجيا ومستقرا في وتيرة النمو، حيث بلغت الإيرادات المحلية حوالي مليار و444 مليون دينار مقارنة بمليار و348 مليون دينار في الفترة نفسها من العام الماضي.
وبين أن الإيرادات الضريبية وحدها بلغت نحو مليار و100 مليون دينار منها 732 مليون دينار من الضريبة العامة على السلع والخدمات، ونحو 300 مليون دينار من ضرائب الدخل والأرباح، موضحا أن التراجع الطفيف في ضريبة الدخل في بداية العام أمر طبيعي بسبب استمرار فترة تقديم الإقرارات حتى نهاية نيسان، ومن المتوقع أن تتعزز هذه الإيرادات لاحقا.
وأشار عايش، إلى أن القطاع المصرفي الأردني حقق أرباحا بلغت 251 مليون دينار خلال الربع الأول من العام الحالي ، مسجلا زيادة بنسبة 7.2 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وهو ما يعكس متانة النظام المصرفي وكفاءته في إدارة السيولة والملاءة، موضحا أن إجمالي الودائع في الجهاز المصرفي تجاوز 47 مليار دينار، بينما بلغت التسهيلات الائتمانية أكثر من 35 مليار دينار، وهو ما يدل على وجود نشاط إقراضي واسع في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية.
وعلى الصعيد الكلي، أشار إلى أن معدل النمو الاقتصادي لعام 2024 بلغ نحو 2.5 بالمئة متجاوزا التوقعات الأولية التي راوحت بين 2.3 و2.4 بالمئة، بينما سجل الربع الأخير من العام نموا بنسبة 2.7 بالمئة، وهو ما يدل على تحسن متسارع في النمو نتيجة فعالية السياسات الحكومية والإنفاق الرأسمالي، فضلا عن تحسن في قطاعي السياحة والتحويلات، حيث تجاوزت الإيرادات السياحية مليار دينار خلال أول شهرين من العام الحالي، بينما استقرت تحويلات الأردنيين في الخارج عند مستويات مرتفعة ساهمت في تعزيز احتياطي النقد الأجنبي الذي تجاوز 22 مليار دولار، ما منح البنك المركزي الأردني هامشا أوسع في إدارة الاستقرار النقدي والمالي.
وبين عايش بالإشارة إلى تصنيفات وكالات الائتمان الدولية مثل "موديز" التي ثبتت النظرة المستقبلية للاقتصاد الأردني عند مستوى "مستقر إلى إيجابي" أنها تعكس ثقة المؤسسات الدولية بالاقتصاد الأردني، كما أن تقارير صندوق النقد الدولي التي أشادت بالسياسات الاقتصادية الأردنية والانضباط المالي تمثل دافعا إضافيا للاستمرار في تطبيق رؤية التحديث الاقتصادي، داعيا إلى ضرورة استثمار هذا الزخم في تعزيز البيئة الاستثمارية وتحقيق نمو مستدام يتوزع أثره على جميع شرائح المجتمع ومناطق المملكة.
وعلى ضوء التحسينات المستمرة في القطاعات الاقتصادية، يبدو أن الاقتصاد الأردني على اعتاب مرحلة جديدة من الاستقرار والنمو المتنوع، ما يشكل قاعدة صلبة لتحقيق تطلعات النمو المستدام، وأن التحول المتسارع في هذا القطاعت يعتبر مؤشرا قويا على نجاح الاستراتيجيات الاقتصادية التي تنتهجها حكومة الدكتور جعفر حسان، منذ توليها لاستدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل.
--(بترا)