
" الانتهاكات الممنهجة لحقوق ذوي
الإعاقة في سجون الاحتلال الإسرائيلي: واقع مرير وتحديات إنسانية".
تمر القضية الفلسطينية اليوم بلحظة هي
الأخطر في تاريخها، حيث يمارس الاحتلال أبشع الجرائم من قتل وتشريد وهدم للمنازل
والمشافي. وفي خضم هذا العدوان، لم يسلم ذوو الإعاقة من الانتهاكات، حيث يُعتقلون
دون رحمة، ويُقيَّدون بالأصفاد، ويُزجّ بهم في زنازين ضيقة، ويتعرضون لتعذيب جسدي
ونفسي قاسٍ، دون أي مراعاة لظروفهم الصحية. ومن واجبنا كعرب ومسلمين، وكأخصائيين
في التربية الخاصة، أن نسلط الضوء على هذه الجرائم، وندعم هذه القضية وأهلها بكل
الوسائل الممكنة.
يواصل الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب
انتهاكات جسيمة بحق الأسرى الفلسطينيين، حيث تجاوز عدد المعتقلين بعد 7 أكتوبر
الـ9000 أسير، من بينهم نحو 500 أسير من ذوي
الإعاقة والأمراض المزمنة ومرضى السرطان، دون احتساب المعتقلين من غزة الذين
يتعرضون لجريمة الإخفاء القسري. وتشير الإحصائيات إلى ازدياد عدد ذوي الإعاقة في
الأراضي المحتلة نتيجة الاعتداءات المتعمدة والانتهاكات المستمرة، حيث لم تُستثنَ
هذه الفئة من الاعتقالات التعسفية والمعاملة الوحشية. بل إن بعضهم أُصيب بالإعاقة
نتيجة مباشرة لقمع الاحتلال، بينما أصيب آخرون خلال فترة اعتقالهم بسبب التعذيب
وسوء المعاملة داخل السجون، ما يعكس مدى بشاعة ممارسات الاحتلال بحق فئة هي من
الأَولى بالرعاية والاحترام.
يعاني الأسرى من ذوي الإعاقة في سجون
الاحتلال الإسرائيلي من ظروف قاسية وغير إنسانية، تبدأ بحرمانهم من أبسط حقوقهم،
مثل الأجهزة الطبية المساعدة، والأطراف الصناعية، والنظارات، والفرشات الطبية،
وأدوات المكفوفين، في ظل غياب تام للأطباء النفسيين أو المرشدين الاجتماعيين، ما
يفاقم أوضاعهم الجسدية والنفسية. يواجه هؤلاء المعتقلون إهمالًا طبيًا متعمدًا
وعرقلة ممنهجة لأي محاولة لإدخال وسائل أو أجهزة طبية لهم، مما يؤدي لتدهور حالتهم
الصحية أو تطور إعاقاتهم. كما يتعرضون للتعذيب الجسدي والنفسي الوحشي، من ضرب، وعزل،
وحرمان من النوم والطعام، إضافة إلى التنكيل اليومي، وإهانة كرامتهم بإجبارهم على
تقبيل علم الاحتلال أو الوقوف لنشيده. ولا تتوقف الانتهاكات عند هذا الحد، بل تشمل
التهديدات بالاعتداء الجنسي، والتفتيش العاري، والتحرش اللفظي والجسدي. يُحرم
الأسرى من أي شكل من أشكال التواصل مع عائلاتهم، ويُمنعون من توكيل محامٍ أو
الدفاع عن أنفسهم، ويتم اعتقالهم إداريًا دون تهمة أو محاكمة لفترات غير محددة.
وتُمارَس بحقهم أقسى أنواع العقوبات مثل العزل الانفرادي، ومنع الأغطية والملابس
والطعام، وقطع الاتصالات بشكل كامل، ما يجعل حياتهم في المعتقلات أشبه بالجحيم،
ويكشف عن سياسة ممنهجة لاستهداف وتعذيب فئة من الأَولى أن تتلقى الحماية والرعاية.
وغيرها الكثير من الصعوبات والانتهاكات
التي طالت الأسرى الفلسطينيين عامة، وذوي الإعاقة منهم بشكل خاص، والتي تم التكتّم
عليها وتضليل حقيقتها من قِبل جيش الاحتلال الصهيوني ومنظمات عدة تدعمه، في تجاهل
صارخ لمعاناتهم. وتمثل هذه الانتهاكات مخالفة واضحة وصريحة للمبادئ والقوانين
الدولية التي أقرتها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، وخاصة ما يتعلق
بحقوق معاملة السجناء ومبادئ معاملة أسرى الحرب، ما يعكس الاستهتار التام من قِبل
الاحتلال الإسرائيلي بالقوانين الإنسانية الدولية، ويؤكد الطبيعة العدوانية والتمييزية
التي تمارسها سلطاته داخل المعتقلات.
وإذا كان جيش الاحتلال الإسرائيلي
يدّعي معاملة الأسرى الفلسطينيين، ومنهم ذوو الإعاقة، على أنهم "سجناء"،
فإنه يكون قد خالف بشكل صارخ المبادئ والقوانين التي نصّت عليها مفوضية الأمم
المتحدة السامية لحقوق الإنسان في حقوق معاملة السجناء، والتي تؤكد على احترام
كرامة السجين وقيمته الإنسانية، وعدم التمييز على أساس العرق أو الدين أو الإعاقة
أو أي وضع آخر، وضرورة احترام المعتقدات الدينية والثقافية. كما تنص على أهمية
توفير الرعاية الصحية المتساوية، والحق في الأنشطة الثقافية والتعليمية، والسعي
نحو إلغاء الحبس الانفرادي أو الحد منه، وتهيئة السجناء للاندماج في سوق العمل،
إضافة إلى مسؤولية السجون في حماية المجتمع بشكل يتماشى مع رفاه أفراده.
وإذا كانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي
تتعامل مع الأسرى الفلسطينيين، ومنهم ذوو الإعاقة، على أنهم أسرى حرب، فإنها تنتهك
بشكل صارخ المبادئ الإنسانية والحقوق الأساسية التي يضمنها القانون الدولي لأسرى
الحرب. فالهدف من الأسر، بحسب القوانين الدولية، ليس الانتقام أو الإذلال، بل منع
المحارب من مواصلة القتال بغرض تقليل القوة العددية للطرف الآخر، مع ضرورة توفير
الحماية والاحترام الكامل لحقوقه. وتشمل هذه الحقوق: حظر التعذيب، والحق في
المعاملة الإنسانية، واحترام الشخصية والشرف، وتوفير الرعاية الصحية والطبية. كما
يجب أن يتم إنهاء الأسر وفق آليات قانونية واضحة، مثل: الإفراج المشروط، أو لأسباب
صحية، أو بعد انتهاء الأعمال العدائية، أو من خلال تبادل الأسرى.
يُمارس جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ
بداية احتلاله لفلسطين أساليب تعذيب قاسية بحق المعتقلين الفلسطينيين، بما فيهم
ذوي الإعاقة، دون تمييز بين الأصحاء ومن لديهم إعاقات جسدية أو نفسية. تشمل هذه
الممارسات التعذيب الجسدي والنفسي مثل الهزّ العنيف، الشبح في أوضاع مؤلمة لفترات
طويلة، استخدام الأكياس على الرأس، والتهديد بعنف ضد العائلة. في كثير من الحالات،
يُجبر المعتقلون على تحمل الألم الجسدي والنفسي نتيجة لهذه الأساليب الوحشية، مع
حرمانهم من العلاج الطبي الضروري، في انتهاك صارخ لحقوقهم. يتم كذلك منعهم من التواصل
مع عائلاتهم أو المحامين لفترات طويلة، ويُستخدم الابتزاز كوسيلة للضغط عليهم
للاعتراف.
تستند مبررات الاحتلال الإسرائيلي
للاعتقالات إلى مزاعم جرائم أمنية، والادعاء بأن المعتقلين سيقومون بارتكاب جرائم
في المستقبل، بالإضافة إلى اتهامات بالارهاب أو تشكيل أعمال أو أحزاب سياسية تهدد
الوحدة الفلسطينية. لكن هذه المبررات تتناقض تمامًا مع معاملتها لذوي الإعاقة،
خاصة ذوي الإعاقة العقلية أو الذهنية وفاقدي الأهلية، الذين لا يتحملون المسؤولية
عن أفعالهم أو يكونون غير مدركين لما يحدث حولهم. اعتقال هؤلاء الأشخاص تحت هذه
التبريرات هو استهتار واضح من الاحتلال بحياة المواطنين الفلسطينيين، ويعكس عجز المنظمات
الإنسانية العالمية عن التدخل لوقف هذه الانتهاكات. كما أن سلطات الاحتلال تتبع
سياسة مناقضة تمامًا لما نصت عليه اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الإضافي
لعام 1977، حيث تعامل الأفراد الفلسطينين كمخربين وإرهابيين، وتستند إلى حجج
مغلوطة لتبرير هذه الانتهاكات، مستغلة سياقات سياسية تتيح لها مواصلة انتهاك حقوق
الفلسطينيين، خاصة في ظل تأثير الهجمات الإرهابية التي شهدتها الولايات المتحدة في
11 سبتمبر 2001.
تعتبر مواقف الأمم والمنظمات الدولية بشأن
قضية اعتقال ذوي الإعاقة قضية مهمة، حيث أعربت منظمة العفو الدولية عن قلقها
البالغ بشأن استخدام إسرائيل لقانون المقاتلين غير الشرعيين، مشيرة إلى انتهاكها
للقانون الدولي لحقوق الإنسان. وقد طالبت المنظمة بإيلاء معاملة إنسانية لجميع
الأسرى، والسماح لهم بالاتصال بالمحامين وهيئات الرصد الدولية. كما أكد المجتمع
الدولي مرارًا رفضه سياسة إسرائيل في عدم تطبيق القانون الدولي واتفاقيات جنيف،
مؤكدين ضرورة الإفراج عن المعتقلين المدنيين دون محاكمة. ووفقًا للقانون الدولي،
فإن الحبس الإداري يجب أن يكون مبررًا بمخاطر حقيقية للأمن القومي ولا يمكن أن
يكون غير محدود. وأكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن التعذيب لا يمكن تبريره
بأي ظروف استثنائية. من جانب آخر، اتهمت "جمعية أطباء لحقوق الإنسان"
السجون الإسرائيلية بالتقصير في تقديم العلاج للأسرى الفلسطينيين المضربين عن
الطعام، مشيرة إلى انحراف الطواقم الطبية عن المعايير المهنية. وفي سياق حقوق
الأشخاص ذوي الإعاقة، يشكل الاعتقال التعسفي للأسرى انتهاكًا صارخًا لكافة
الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي تضمن لهم
الحق في الحرية والأمن الشخصي.
خالف جيش الاحتلال الإسرائيلي العديد من
المبادئ التي نصت عليها اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي أطلقتها مفوضية
الأمم المتحدة. حيث لم يحترم كرامة الأشخاص المتأصلة واستقلالهم الذاتي، بما في
ذلك حرية تقرير خياراتهم بأنفسهم واستقلاليتهم. كما لم يكفل مشاركة وإشراك الأشخاص
ذوي الإعاقة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع، وأهمل احترام الفوارق بينهم وقبولهم
كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية. علاوة على ذلك، لم يتم توفير إمكانية
الوصول للأشخاص ذوي الإعاقة، كما لم يحترم قدراتهم أو حقهم في الحفاظ على هويتهم.
في حالات الخطر والطوارئ الإنسانية، بما في ذلك النزاعات المسلحة والطوارئ
الإنسانية والكوارث الطبيعية، تقاعس الاحتلال عن اتخاذ التدابير اللازمة لحمايتهم
وضمان سلامتهم. بالإضافة إلى ذلك، تم انتهاك حقهم في الحرية والأمن الشخصي، حيث
تعرضوا للاعتقال التعسفي.
من أبرز القضايا التي لمعت في سياق
اعتقال ذوي الإعاقة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، نجد العديد من الحالات البارزة
مثل أحمد المناصرة، خالد الشاويش، وعزالدين زياد عبدالبنا، ولكن القضية التي تم
تسليط الضوء عليها بشكل خاص هي قضية الأسير المحرر رامي أبو مصطفى. رامي، من ذوي
الاحتياجات الخاصة، كان من ذوي الإعاقة العقلية، حيث تاه في الطرقات وسط الأحداث
الجارية في قطاع غزة. تم اعتقاله من غرب خان يونس بعد إطلاق النار عليه من قبل
جنود الاحتلال الإسرائيلي من مسافة صفر، حيث كان يسير تجاه الجنود دون أن يدرك
الخطر الذي يهدده. فقده ذويه في 8 يونيو واستمروا في البحث عنه لأكثر من شهر قبل
أن يتم نقله في 25 يونيو إلى المستشفى الأوروبي متأثراً بجراحه، بعد أن تلقى 7
طلقات نارية، منها خمس طلقات في بطنه وطلقة في رأسه أفقدته البصر، وطلقة أخرى في
قدمه. كان وضعه الصحي حرجًا للغاية، حيث أصيب بتفشي في الجمجمة وفقدان الذاكرة
وكسر في الكتف، وتم استئصال القولون الأيمن وجزء من الطحال، وكان فاقدًا للوعي.
ورغم أن رامي لم يكن يعاني من أي مشاكل صحية قبل اعتقاله، فقد حمل ذويه جيش
الاحتلال المسؤولية عن ما تعرض له من آثار تعذيب داخل السجون. لم يتم إعلام ذويه
عن مكانه بعد اعتقاله، ولم يعرفوا عنه إلا من خلال أحد المعارف الذي تعرف عليه
أثناء نقله إلى المستشفى. وعلى الرغم من مناشداتهم المتكررة للدول والمؤسسات
المعنية لنقله إلى خارج القطاع لتلقي العلاج في ظروف أفضل، إلا أن تلك المناشدات
لم تجد صدى، ليرتقي رامي شهيدًا متأثرًا بجراحه.
ندعو الأمم المتحدة والمؤسسات
الدولية والمنظمات الإنسانية إلى التحرك العاجل للحد من تدهور أوضاع الأسرى
والمحررين من ذوي الإعاقة، وتوفير الاحتياجات الأساسية وضمان حقوقهم الإنسانية.
يجب الضغط على الاحتلال لوقف اعتقال ذوي الإعاقة والإفراج عن المعتقلين الذين فقدوا
القدرة على أداء حاجاتهم الخاصة. كما نطالب بتوفير مستوى لائق من الحياة الكريمة
للذين تسببت ممارسات الاحتلال في إعاقتهم، وتوفير الحماية للمعتقلين من خطر
الإصابة بالإعاقة. يجب أيضًا تأمين بيئة صحية للمعتقلين، وتوفير تعليم يضمن
استقلالهم، والسماح لذويهم بلقائهم. كما يجب توفير الغذاء و مستلزمات النظافة
الشخصية، والالتزام بالإجراءات القانونية، ووقف سياسة التعذيب داخل السجون
الإسرائيلية.
-المراجع:
1- الجزيرة.
(1996). قناة الجزيرة الإخبارية. شبكة الجزيرة الإعلامية.
2- الهيئة. (2023). تقارير حول
أوضاع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. هيئة شؤون
الأسرى والمحررين الفلسطينية.
3-اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
(1949). اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب. اللجنة
الدولية للصليب الأحمر.
4-الأمم المتحدة. (2006). اتفاقية حقوق
الأشخاص ذوي الإعاقة. الأمم المتحدة.
5-منظمة العفو الدولية. (2023). إسرائيل
والأراضي الفلسطينية المحتلة: انتهاكات حقوق الإنسان. منظمة العفو
الدولية.
6-Physicians
for Human Rights. (2023). Israeli Detention and Medical Neglect of
Palestinian Prisoners.