
الباحث و الكاتب - الدكتور عزالدين عبدالسلام الربيحات
في ظل العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، أثبت الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، مجددًا أنه صوت الحق وضمير الأمة الحي، وأنه دائمًا في مقدمة الصفوف عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الشعب الفلسطيني ومساندته في محنه الكبرى .لم يكن دور الأردن مجرد مواقف سياسية أو بيانات شجب واستنكار، بل كانت هناك خطوات عملية غير مسبوقة على الأرض، تعكس التزامًا صادقًا ومبدئيًا تجاه الأشقاء في غزة، وحرصًا حقيقيًا على إنقاذ الأرواح والتخفيف من المعاناة الإنسانية القاسية التي خلفها القصف والحصار.
منذ اللحظات الأولى للعدوان، تحركت المملكة الأردنية الهاشمية برعاية ملكية بسرعة وكفاءة، فأرسلت القوافل الإغاثية المحمّلة بالأدوية والأغذية والمستلزمات الطبية عبر المعابر، كما أنشأت مستشفيات ميدانية متكاملة داخل قطاع غزة لتقديم الرعاية للمصابين. وتميّز الأردن بجهوده الجوية غير المسبوقة، حيث نفذت القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي – أكثر من 125 عملية إنزال جوي للمساعدات، في واحدة من أضخم العمليات الإنسانية التي شهدها العالم خلال هذا العدوان. ولم تكن هذه التحركات مجرد جهود لوجستية، بل رسائل سياسية وأخلاقية واضحة تؤكد التزام الأردن الثابت بالقضية الفلسطينية .وقد أشرف جلالة الملك عبدالله الثاني وولي عهده الأمين شخصيًا على تنسيق هذه الجهود، في تأكيد جديد على أن القضية الفلسطينية في صميم أولويات القيادة الأردنية، وأن دعم غزة هو التزام قومي وأخلاقي لا يقبل المساومة أو التراجع.
ورغم هذه الجهود الإنسانية المشهودة، خرجت بعض الأصوات المغرضة تحاول التقليل من شأن الدور الأردني، بل وصلت في بعض الأحيان إلى إطلاق اتهامات باطلة تزعم وجود مقابل مادي لتلك المساعدات. وهي ادعاءات لا أساس لها من الصحة، تتجاهل حقيقة أن الأردن تحمل - وما يزال - عبء إيصال هذه المساعدات على نفقته، في وقت يمر فيه بأوضاع اقتصادية دقيقة، لكنه لم يتردد لحظة في تقديم كل ما يلزم من أجل نصرة غزة والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني.
ما يقدمه الأردن ليس منة ولا دعاية، بل هو امتداد لموقف تاريخي ثابت، ومبادئ راسخة تشكل جوهر السياسة الأردنية منذ تأسيس المملكة. الأردن يستحق التقدير، لا التشكيك. يستحق الاعتراف، لا التهميش. فقد أثبت أنه منارة للعمل الإنساني النبيل في زمن باتت فيه الاعتبارات السياسية تطغى على الضمير الإنساني. ووسط هذا المشهد القاتم، كان الأردن شعلة أمل وكرامة، يقودها ملك حكيم وشجاع يؤمن بأن فلسطين قضية الأمة كلها، وأن غزة ليست وحدها.
إن ما قام به الأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني خلال العدوان الأخير يجب أن يُذكر ويُشكر، ويُدرّس كنموذج يحتذى به في المواقف الإنسانية المبدئية. فقد حوّل الأردن السماء إلى جسر نجاة لغزة، وكتب صفحة جديدة في سجل المواقف المشرفة التي ستبقى محفورة في ذاكرة الشعوب الحرة.
أوجه رسالة لأولئك الذين يشككون أو يحاولون تشويه الحقائق، أقول: الأفعال أبلغ من الأقوال، والتاريخ لا يرحم من ينكر المواقف الشريفة. الأردن لم ينتظر تصفيقًا ولا اعترافًا، بل قام بواجبه الإنساني والأخلاقي تجاه غزة بكل شجاعة ونزاهة. أما محاولات التشكيك، فلن تنال من عزيمة الأردنيين، ولن تغيّر من الحقيقة الساطعة - أن الأردن، بقيادته وشعبه، كان وسيبقى سندًا لفلسطين، مهما علت الأصوات الزائفة وتكاثرت حملات التضليل الجبانة - .