
الدكتور سالم العون / جامعة آل البيت
في لحظة إعلامية لافتة، تحدث الصحفي الكويتي المعروف أحمد الجار الله، في برنامج مع حميد على قناة دجلة-الحلقة الاولى، عن علاقاته الوثيقة مع شاه إيران محمد رضا بهلوي. أشار إلى أن الشاه كان يحمل رؤية استراتيجية تمتد من عام 1970 إلى عام 2000، تهدف إلى تحويل إيران إلى قوة صناعية كبرى في الشرق الأوسط، مشروع كان مرتكزًا على الثروة النفطية وطموح إقليمي واسع وقد قام بنشرها الصحفي الجار الله.
لكن كما يكشف التاريخ دومًا، فإن الطموحات الزائدة في الإقليم لا تمر دون حساب، خاصة حينما تتقاطع مع مصالح القوى الكبرى. في سبعينات القرن الماضي، وتحديدًا ما بين عامي 1973 و1979، برز الشاه كلاعب حاسم في سوق الطاقة العالمية. لم يكن يكتفي بتصدير النفط، بل حاول أن يتحكم في تسعيره واتجاهه، داعيًا إلى رفع الأسعار إلى ما يعادل 80 أو حتى 100 دولار للبرميل (بقيمة مستقبلية)، ومعتبرًا أن الأسعار المتداولة آنذاك لا تنصف الدول المنتجة.
هذه الدعوات الجريئة أقلقت الغرب، الذي بدأ يرى في الشاه شريكًا صعب الانقياد ويملك طموح جامح . عند هذا الحد، بدأت بعض دوائر القرار في الولايات المتحدة وأوروبا تعيد النظر في تحالفها مع طهران. وحين بدأت المعارضة الإيرانية، بزعامة آية الله الخميني، تكتسب زخمًا في الداخل والخارج، بدا أن التحول قادم. لم يكن انتقال الخميني من منفاه في باريس إلى طهران في مطلع عام 1979 سوى مشهد سياسي بالغ الرمزية، يؤشر إلى أن الغرب — أو على الأقل بعض أطرافه — لم يمانع، وربما سهّل، استبدال الحليف المتمرد بنظام جديد يبدو أكثر انكفاءً على ذاته.
لكن المفارقة أن الجمهورية الإسلامية، التي قامت على مناهضة الغرب، أعادت ترسيخ إيران كقوة إقليمية فاعلة. فقد تحولت من مجرد منتج للطاقة إلى فاعل جيوسياسي، تمددت في العراق بعد 2003، وفي سوريا ولبنان واليمن، وشكلت محورًا موازنًا للنفوذ الغربي في المنطقة. ورغم تعاونها الضمني مع واشنطن في ملفات كأفغانستان ومحاربة القاعدة شكلا، لم تنل إيران من الغرب سوى العقوبات، والعزل، ومحاولات الإضعاف المستمرة، في مشهد يعكس معضلة الدور: أن تكون قويًا بما يكفي للتأثير، دون أن تصبح مزعجًا بما يكفي للإطاحة بك وهذا سيكون . وتفاقم التوتر حين لوّح إيران اليوم بإغلاق مضيق هرمز، في رسالة صريحة بأن النفط لم يعد مجرد سلعة اقتصادية، بل أداة سياسية تُستخدم في مواجهة الهيمنة الغربية.
ومع دخول العالم مرحلة ما بعد النفط التقليدي، وظهور بدائل الطاقة وتبدل أدوات النفوذ الدولي، فإن البترول لم يعد المحرك الوحيد للسياسة، لكنه لا يزال ورقة لا يمكن إزاحتها من الطاولة. وفي الوقت نفسه، لم تعد إيران ولا غيرها قادرة على صياغة دورها بمعزل عن تعقيدات النظام العالمي، الذي يعيد رسم نفسه على أساس التكنولوجيا، والموارد النادرة، وشبكات النفوذ الناعم. إننا أمام مشهد يعيد إنتاج ذاته: دول تحاول أن تمتلك قرارها، وقوى كبرى تعيد ضبط المسرح حين يخرج أحد الممثلين عن النص. وبين كل ذلك، يظل السؤال مفتوحًا: هل نحن كعرب وكمجتمعات إقليمية نمتلك القدرة على كتابة أدوارنا؟ أم أننا ما زلنا نؤدي أدوارًا كُتبت في الخارج؟