شريط الأخبار
وزير الخارجية المصري: القاهرة عازمة على وأد مخطط تهجير الفلسطينيين نتنياهو: مستمرون في القتال حتى "النصر" وسنواصل التفاوض لتحرير المحتجزين توقعات بإجراء انتخابات برلمانية بسوريا في أيلول المقبل "المنظمات الأهلية الفلسطينية": تباطؤ متعمد من الاحتلال في إدخال المساعدات إلى غزة ترامب: على إسرائيل اتخاذ قرار بشأن غزة وزير الخارجية السعودي: مؤتمر نيويورك يأتي استنادا لموقف المملكة الثابت تجاه الحقوق الفلسطينية الاحتلال يصادق على مخططات كبيرة لتوسع استيطاني شرقي القدس العين العياصرة: على حماس الاستنجاد بالنظام الرسمي العربي والكف عن رجمه الحنيطي يزور قيادة قوات الملك عبدالله الثاني الخاصة الملكية التحوّل الصامت: كيف أعادت جامعة البلقاء التطبيقية تعريف التعليم التقني في الأردن؟ صاحب أصول عربية.. بردغجي يقود برشلونة لتحقيق الفوز على فيسيل كوبي وزير خارجية هنغاريا: التعاون مع روسيا يصب في مصلحة بلادنا مسؤول برازيلي: تهديدات ترامب تدفعنا لتعزيز العلاقات مع الشركاء في "بريكس" النصر السعودي يتوصل لاتفاق لضم جواو فيليكس من تشيلسي وسائل إعلام: وفد من كبار رجال الأعمال الأمريكيين يزور الصين زعيما تايلاند وكمبوديا يلتقيان في ماليزيا أرسنال يهزم نيوكاسل بثلاثية في مباراة مثيرة الصفدي يمثل الأردن خلال مؤتمر حل الدولتين في نيويورك "الشيخ علوان الشويعر" يُشيد بالإنزالات الجوية الأردنية على قطاع غزة المسلحة تنفّذ ثلاثة إنزالات جوية على قطاع غزة إحداها بالتعاون مع الإمارات

مدن الديكابولس الأردنية.. حين ينبض التراث بالحياة وتتحوّل الآثار منابر للفن والهوية

مدن الديكابولس الأردنية.. حين ينبض التراث بالحياة وتتحوّل الآثار منابر للفن والهوية

القلعة نيوز– في مشهد تتعانق فيه أطلال التاريخ مع نبض الفن المعاصر، تشهد مدن الديكابولس الأردنية، وعلى رأسها جرش، حالة متجددة من التفاعل الحضاري، إذ تتقدم إلى واجهة المشهد الثقافي بوصفها مراكز حية تستعيد دورها التاريخي كمحطات إشعاع فكري وعمراني.

وتتفرد مدن الديكابولس، وعلى رأسها جرش، حاضنة مهرجان جرش للثقافة والفنون، بخصائص معمارية بارزة، مثل شارع الأعمدة، والمسرحين الشمالي والجنوبي، ومعبد أرتميس، إلى جانب البنى التحتية المتقدمة في حين تتميز أم قيس، بصخور البازلت وموقعها المطل على بحيرة طبريا، وكنائسها البيزنطية، أما (بيلا) فتشكل مزيجا معماريا يعكس تراكب العصور وتواصلها الحضاري.

ومن خلال مهرجان جرش للثقافة والفنون، وما يصاحبه من جهود أكاديمية، تعاد قراءة الإرث المعماري والمعرفي لتلك المدن، في إطار يسعى إلى دمج الذاكرة الحضارية بالراهن الثقافي، وتحويل التراث إلى أداة للتنمية والهوية.

وضمن رؤى علمية وتكامل مؤسسي، تعمل كلية الآثار والأنثروبولوجيا في جامعة اليرموك، وكلية الآثار والسياحة في الجامعة الأردنية على إبراز القيمة التاريخية والثقافية لمدن الديكابولس من خلال مشاريع ميدانية وبحثية مشتركة، تهتم بالتوثيق والترميم والتحليل الأثري، بهدف صون هذا الإرث الحضاري، وتعزيز دوره في ترسيخ الهوية الوطنية، وتفعيل مسارات التنمية الثقافية والسياحية المستدامة، وتقديمه بصورة تليق بمكانته في الوجدان الأردني والوعي الإقليمي والعالمي، كما يؤكد أكاديميون لوكالة الأنباء الأردنية (بترا).

وتواصل كلية الآثار والإنثروبولوجيا في جامعة اليرموك تسليط الضوء على الروابط التاريخية والثقافية بين مهرجان جرش ومدن الديكابولس، التي شكلت عبر العصور محطات حضارية عكست تفاعل الثقافات، يقول نائب عميد الكلية الدكتور معن العموش.

وأوضح العموش أن انطلاقة مهرجان جرش من داخل الحرم الجامعي كانت جزءا من مشروع وطني لإعادة ربط التراث بالمشهد الفني المعاصر، لافتا إلى أن جرش شكلت فضاء مثاليا لاحتضان حدث ثقافي بات علامة إقليمية، مشيرا الى ان اختيار جرش مقرا دائما للمهرجان يعود إلى غناها المعماري والحضاري، من الهلنستية إلى الإسلامية، وهو ما جعل منها منصة تجمع بين أصالة التاريخ وحداثة الإبداع.

وأشار الى أن مدن الديكابولس تعد بيئة خصبة لفهم التحولات الفكرية والدينية، بدءا من الوثنية ومرورا بالمسيحية، وانتهاء بالإسلام، وهو ما يعزز فهم الأنماط الثقافية والاجتماعية، مشيرا إلى اكتشافات أثرية مهمة، منها فسيفساء بيزنطية في جرش، ونظم مائية معقدة في أم قيس، ومشاريع ترميم في بيلا أثْرت الأبحاث العلمية محليا ودوليا.

يشار الى أن جامعة اليرموك تستخدم تقنيات حديثة مثل نظم المعلومات الجغرافية (GIS)، والطائرات المسيّرة، والتصوير ثلاثي الأبعاد، إلى جانب الرادار الأرضي، ما يسهم في رفع جودة التوثيق. كما تحرص الكلية على إشراك الطلبة ميدانيا، خاصة في مواقع مثل قويلبة وأم قيس، لإعداد كوادر وطنية قادرة على حماية التراث.

وشدد العموش على أن حماية التراث لا تكتمل دون شراكة المجتمع المحلي، حيث تنظم الكلية ورشات ومحاضرات لتعزيز الوعي والانخراط في جهود الحماية، كما باتت المتاحف والمبادرات الثقافية وسائل فاعلة في تبسيط المعرفة وتحويل التراث إلى مورد تعليمي وسياحي يخدم الأجيال القادمة.

من جهته يؤكد الدكتور إسلام العثامنة من كلية الآثار والسياحة في الجامعة الأردنية، أن مدن الديكابولس تجسد أحد أبرز النماذج التاريخية التي توثق لحظات تفاعل وتكامل حضاري شهدته بلاد الشام، مشيرا إلى أن هذه المدن لم تكن مجرد مراكز سكنية، بل فضاءات ثقافية واجتماعية واقتصادية ساهمت في صياغة المشهد الحضاري للمنطقة.

وقال، إن مصطلح "ديكابولس" يعني باللغة اليونانية "عشر مدن"، وقد ورد ذكره في كتابات بليني الأكبر خلال القرن الأول الميلادي، موضحا أن هذه المدن لم تكن مرتبطة بتحالف سياسي أو كيان إداري رسمي، وإنما كانت تشكيلا اجتماعيا جغرافيا وثقافيا غير رسمي، وتميزت بتقارب نمط الحياة وتجانس المعمار والتقاليد الثقافية.

وبين العثامنة أن عدد هذه المدن لم يكن ثابتا على مدى التاريخ؛ فبينما أشار بليني إلى عشر مدن، أضاف بطليموس في القرن الثاني الميلادي تسع مدن أخرى إلى القائمة، فيما استخدم المؤرخ يوسيفوس المصطلح بشكل عام دون تحديد دقيق، ما يعكس رمزية العدد أكثر من دقته الحسابية.

وأوضح أن الغالبية الكبرى من مدن الديكابولس تقع ضمن حدود المملكة الأردنية الهاشمية من أبرزها: جرش (جراسا)، أم قيس (جدارا)، طبقة فحل (بيلا)، عمان (فيلادلفيا)، وبيت رأس (كابتولياس)، مشيرا إلى أن الحملة التي قادها الروماني بومبي عام 63 قبل الميلاد شكلت نقطة تحول رئيسة في تاريخ مدن الديكابولس، حيث تم ضمها إداريا إلى المقاطعة السورية التابعة للإمبراطورية الرومانية، وهو ما أتاح لها فرصة لإعادة إحياء الطابع الهلنستي الذي كان بدأ بالاضمحلال.

ولفت العثامنة إلى أن المجتمع المحلي في تلك المدن لم يكن متلقيا سلبيا للثقافة الرومانية، بل كان فاعلا ومنتجا لها، موضحا أنه في مدينة جدارا (أم قيس) برزت أسماء لامعة في الفلسفة والأدب مثل فيلوديموس وثيودوروس، في حين اشتهرت مدينة جرش (جراسا) بالعالم نيقوماخوس الجرشي، أحد أعلام الرياضيات والفلسفة في العصر الكلاسيكي.

وأضاف، إن هذا التفاعل بين الثقافات الوافدة والمجتمعات المحلية رسخ دور مدن الديكابولس كمراكز فكرية واقتصادية نشطة، وليس فقط كمواقع ضمن مشروع توسعي روماني، لافتا الى أن الطابع المعماري في مدن الديكابولس اتخذ في معظمه النمط الروماني- اليوناني، إلا أن هناك فروقات واضحة بين المدن تبعا للمواد المحلية المستخدمة والوظائف التي أدتها كل مدينة.

فمدينة جدارا على سبيل المثال، تميزت باستخدام الحجر البازلتي الأسود في مبانيها، ما يعكس تفردها الجغرافي والمناخي، في حين استخدمت مدينة جرش الحجر الكلسي الأبيض، ما منحها مظهرا مغايرا وجاذبا من الناحية البصرية، يقول العثامنة.

وأشار إلى تنوع أدوار هذه المدن حيث كانت جدارا مركزا ثقافيا وفكريا احتضن عددا من الشعراء والفلاسفة، بينما عرفت (بيت راس) بطابعها الزراعي، وكانت طبقة فحل (بيلا) محطة تجارية مهمة نظرا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي على الطرق التجارية القديمة، مبينا أن مدن الديكابولس لم تكن متساوية من حيث البنية التحتية، حيث ضمت بعضها منشآت متقدمة مثل المسارح، والحمامات العامة، الأسواق، والمعابد، كما في جرش، في حين اكتفت مدن أخرى بتجمعات عمرانية بسيطة نسبيا.

وأكد العثامنة أن الموقع الجغرافي لعب دورا محوريا بازدهار مدن الديكابولس، حيث أنشئت معظم هذه المدن على تلال مرتفعة توفر الحماية من الفيضانات والغزوات، وتحيط بها أراض زراعية خصبة ساعدت في تأمين احتياجات السكان، كما استفادت هذه المدن من مرور عدد من الطرق التجارية القديمة عبرها، ما عزز مكانتها الاقتصادية وجعلها نقاطا حيوية على خريطة التبادل التجاري والثقافي في المشرق القديم.

وختم الدكتور إسلام العثامنة حديثه بالتأكيد على أن دراسة مدن الديكابولس تتيح فهما أعمق لتاريخ بلاد الشام، من حيث تطور الفكر والعمران والتجارة، إضافة إلى تفاعل الشعوب مع الإمبراطوريات الكبرى التي مرت على المنطقة.

وشدد العثامنة على أن هذه المدن لا تمثل أطلالة على الماضي فقط، بل هي مرآة تعكس قدرة المجتمعات على التكيف والانخراط في الحضارة، دون أن تفقد هويتها الخاصة، داعيا إلى مواصلة دعم البحث العلمي والمبادرات المجتمعية التي تسهم في صون هذا الإرث الحضاري الثري.بترا