
*الرواشدة: الغاية العربية الاردنية من التراث هي ابراز الجمال بحد ذته
*النوفلي: نثمن للأردن إختياره ملف الفخار العربي. خليف: إجتماعنا كالفخار تعبير صادق عن وحدة الصف العربي وقدرتنا على صياغة رواية جماعية تحفظ لنا موروثنا.
القلعة نيوز-رعى وزير الثقافة مصطفى الرواشدة، بحضور ومشاركة مدير إدارة الثقافة بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الدكتور حميد النوفلي، وممثل اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم سلطان خليف، انطلاق "الاجتماع التنسيقي لترشيح الملف العربي المشترك" الفخار اليدوي،" المهارات والممارسات المرتبطه به.
وقال الرواشدة أنّ الأردن يقود ملفا عربيا مشتركا، مقدرًا للمشاركين مساندتهم الكبيرة، ومشاركتهم في هذا الملف بواقع 18 دولة شقيقة،.
وقدم عرضا عن جهود وزارة الثقافة بهذا المجال، موضحًا أنّ الصناعات الثقافية الإبداعية تعتبر من أهم أولويات رعاية التراث الثقافي غير المادي وصونه، من خلال الترشيح على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية التي يتم من خلالها إبراز التراث.
وأكد "الرواشدة" أنّ الإدراج على هذه القوائم يؤكد الاعتراف العالمي بأهمية العنصر الثقافي والوطني والقومي للمجتمعات والدول وضمان التوعية والتثقيف والدراية بالعنصر الثقافي، إلى جانب صون العنصر الثقافي والمحافظة عليه، والحد من تدهوره، ومن التهديدات التي قد يتعرض لها، لافتًا إلى أنّ الفخار من أهم المنتجات الصناعية للحضارة النبطية ،الذي يعد من أبرز المنتجات العالمية في الفخار، حيث تميز بالسماكة القليلة والنقاء والخلو من الشوائب، وهو ما منح هذا المنتج هوية خالصة للأنباط العرب في مملكة البتراء قبل آلاف السنين، حيث ازدهرت الحضارة النبطية من القرن الرابع قبل الميلاد إلى القرن الثاني الميلادي، وتحديداً من حوالي عام 169 قبل الميلاد حتى عام 106 ميلادي.
وأضاف إنّ حرفة الفخار كانت من أقدم الحرف التي عرفتها الحضارات الإنسانية، وهي تمتد من عصور بعيدة في تاريخ البشرية، حيث استخدمت في تخزين الطعام والشراب، وفي الأغراض الزخرفية والطقوس الدينية، وما يزال هذا المنتج الفخاري يستعمل ضمن أدوات البيت المعاصر.
ونوه الرواشدة إلى أن الفكرة عند "العرب والاردنيين" هي أننا نتبنى فكرة الجمال بحد ذاته ونبحث عن هذه الغاية في ثنايا حياتنا التراثية و ثقافتنا الغزيرة بالمعاني الحضارية والإنسانية بكل تجلياتها ونطبقها على حياتنا بسمو هذه الميزة التي حبانا بها الله كغريزة ننفرد بها بها .
وأشار إلى كثير من الفنون التي تقام حول هذا المنتج الصلصالي المرتبط بسيرة الإنسان والتي تتصل بالحكايات والزخرفة الشعبية والأمثال الشعبية، وآداب الطعام والشراب، وفنون الفخار والخزف في شقيه الشعبي والفني الجمالي التشكيلي.
وأكد الرواشدة أهمية احتضان الأردن لهذا الاجتماع، حيث كان دائما وأبدا مع أمته، عروبيا في مواقفه الثابتة بقيادة صاحب الجلالة الهاشمية جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الذي يحمل شرف الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، ودور الأردن في الحفاظ على طابع المدينة وحماية هويتها العربية الإسلامية من خلال إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة، ومواقفه الثابتة من قضية فلسطين، والقدس الشريف وغزة هاشم، داعيا لإنهاء العدوان الذي طال البشر والحجر، ودمر التراث ومرافق الثقافة والحضارة واستهدف الفنانين والمتاحف في غزة هاشم، حيث ظل الأردن رافضا لكل أشكال العدوان والتهجير.
بدوره ألقى الدكتور حميد النوفلي مدير إدارة الثقافة كلمة، نقل فيها تحيات ومباركة الدكتور محمد ولد أعمر المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافية والعلوم-ألكسو الذي ظلّ يتابع بحرص شديد والتزام دؤوب إنجاز مختلف الملفات العربية المشتركة في حقل التراث الثقافي، ولا سيما تلك المتعلّقة بإعداد ملفات الترشيح للتسجيل ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية لدى اليونسكو التي باتت تشكّل علامة امتياز للعمل العربي المشترك بعد التوفّق في تسجيل عديد عناصر التراث التراث الثقافي غير المادي المشتركة، بدءا بعنصر النخلة، ثم الخط العربي، فالنقش على المعادن، وصولا إلى الحنّاء.
وتوجّه النوفلي بالشكر والامتنان إلى وزارة الثقافة واللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم وسائر الهيئات الحكومية المعنية بهذا الملف في الأردن، للترتيب لهذا الاجتماع وحسن التنسيق مع المنظمة، فضلا عن حسن الاستقبال وكرم الضيافة.
كما قدم الشكر إلى الدول العربية التي تجاوبت مع المبادرة التي أطلقها الأردن باقتراح عنصر الفخار ليكون موضوع ملف ترشيح عربي مشترك، حيث بارك الجميع هذا المقترح وشاركوا في اجتماعاته عن بعد، وشرع في العمل بنسق حثيث وفق جدول زمني منظم.
وقال النوفلي إنّ الأواني والأدوات وسائر المنتجات من الفخار التي مازلنا نراها ونستخدمها في الكثير من مدننا وقرانا وأريافنا بمنطقتنا العربية، ليست سوى المظهر المادي لثقافة مركبة جذورها ضاربة في القدم، ذلك أنّ هذه القطع عبارة عن سجلات تاريخية حقيقية تعكس عصورا متعاقبة، ومن هنا جاء اعتماد الفخار في التحقيب الزمني لدى الآثاريين، إذ يحيل كلّ نوع منه، من خلال الزخارف والألوان والتقنيات الملتصقة به، إلى فترة تاريخية محددة، ومثلما يظهر الاختلاف والتنوع بين الفترات التاريخية، يتجلى أيضا بين الجماعات والمجموعات والمجتمعات، باعتماره يعبر عن خصوصياتها الثقافية والاجتماعية طبقا لأنماط حياتها واحتياجتها.
وقال إنّ هذا الملفّ سيكشف لنا الثراء الهائل للمعارف والتقاليد والممارسات المرتبطة بالفخار، بحيث يعكس التنوّع على قاعدة مشترك ثقافي عربي، وهي من الغايات الفضلى للاشتغال على مثل هذه الملفات.
وشرح النوفلي عن طبيعة هذه الملفات، مبيّنًا أنها لا تستوعب سوى كمّ محدود من البيانات والمحتويات، لكن اللقاءات ستكون بمثابة الفضاء الرحب للنقاش وتبادل الآراء والتجارب، معتبرًا أنّ من أهمّ نتائج الملفات العريية المشتركة أنّها أتاحت مجالا للتواصل والتفاعل بين العاملين في حقل التراث الثقافي غير المادي بعالمنا العربي، سواء كان ذلك على صعيد الخبراء والهيئات الرسمية أو على صعيد الممارسين وجمعيات المجتمع المدني. وأعرب النوفلي بهذه المنهجية التشاركية التي أثبتت جدواها في سائر الملفات المنجزة.
ومن جانبه نقل سلطان خليف أمين سر اللجنة الوطنية الأردنية للتربية والثقافة والعلوم، مباركة وتحيات رئيس اللجنة الوطنية الأردنية للتربية والثقافة والعلوم أ.دعزمي محافظة وأمنياته بنجاح هذا الاجتماع وأن يحقق أهدافه المرجوة.
وعبّر خليف عن أهمية انعقاد هذا الاجتماع التنسيقي على أرض المملكة الأردنية الهاشمية، بالتعاون مع وزارة الثقافة الأردنية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألكسو"، مضيفًا أن اجتماعنا اليوم ليس مجرد محطة إجرائية في مسار إعداد ملف ترشيح عربي مشترك، بل هو في جوهره فعل حضاري يعكس وعينا الجماعي بأهمية صون موروثنا الثقافي غير المادي وتعزيز حضوره على الساحة العالمية.
وقال خليف إنّ الأمم أدركت جميعها أن الهوية الثقافية لأي شعب لا تُختزل في معالمه المادية أو شواهد حضارته العمرانية فحسب، بل تتجلى أيضًا في العادات والتقاليد والمهارات الحية التي يتناقلها الناس جيلاً بعد جيل. ومن هذا الإدراك جاءت اتفاقية اليونسكو لصون التراث الثقافي غير المادي لعام 2003، والتي منحت العالم نافِذَةً للاعتراف بالقيم الرمزية والإنسانية لهذا التراث، باعتباره مكوّنًا أصيلًا من مكوّنات التنوع الثقافي للبشرية جمعاء.
وقال إنه، وفي قلب هذا التراث، يبرز الفخار اليدوي بما يحمله من دلالات إنسانية عميقة، فهو ليس مجرد صناعة تقليدية، بل مرآة لذاكرة المجتمعات، وشاهد على تفاعل الإنسان مع الطبيعة عبر العصور ومحاكاة قصص المكان والزمان، فمنذ آلاف السنين، شكّل الفخار اليدوي رابطًا حيًا بين الإنسان وبيئته، وفضاءً رحبًا للإبداع الشعبي الذي لا ينضب.
وتحدث خليف عما يميز الفخار اليدوي العربي، نظرًا لامتداده الواسع في أرجاء منطقتنا، وتنوع أساليبه ومدارسه من المشرق إلى المغرب؛ ففي كل إناء فخاري نصادف لمسة من تاريخنا، وفي كل زخرفة موروثة نلمح ملامح من هويتنا المشتركة، كما كان الفخار اليدوي حاضرًا في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والروحية، وملازمًا لطقوسنا وأفراحنا وأسواقنا الشعبية. ومع ذلك، فإن هذه الحرفة تواجه اليوم تحديات جسيمة، منها ضعف انتقال المهارات بين الأجيال الشابة، وتراجع الاهتمام بالسوق التقليدي أمام المنتجات الصناعية، فضلًا عن محدودية الدعم الاقتصادي والحماية المؤسسية.
وأكد خليف أهمية الاجتماع التنسيقي لإعداد ملف الترشيح العربي المشترك للفخار اليدوي، فهو ليس فقط خطوة نحو تسجيل عنصر جديد على قوائم التراث الإنساني، بل هو تعبير صادق عن وحدة الصف العربي وقدرتنا على صياغة رواية جماعية تحفظ لنا موروثنا وتمنحه حضورًا عالميًا، ويعكس أرقى صور التضامن الثقافي العربي.
وأكد خليف الدور الذي تقوم به المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألكسو" في دعم هذا التوجه محل تقدير عميق، باعتبارها الحاضنة العربية للعمل الثقافي المشترك، والذراع المساندة للدول في بلورة ملفات الترشيح.
كما ثمّن خليف الجهود الكبيرة لوزارة الثقافة، التي بادرت إلى احتضان هذا الاجتماع ورعايته، إيمانًا منها برسالة الثقافة في بناء الإنسان وتعزيز انتمائه، مغتنمًا هذه الفرصة لتأكيد أنّ اللجنة الوطنية الأردنية للتربية والثقافة والعلوم ستظل شريكًا فاعلًا في كل جهد يسهم في صون الهوية العربية وتثبيت حضورها العالمي.
وقال خليف إنّ اجتماعنا هذا يضع أمامنا مسؤولية مشتركة تتطلب تضافر الجهود والخبرات، فنحن مطالبون ليس فقط بتقديم ملف متكامل من الناحية التقنية والعلمية، بل أيضًا بإظهار الأبعاد الإنسانية والاجتماعية للفخار اليدوي، باعتباره عنصرًا حيًا في حياة مجتمعاتنا، ومجالًا للإبداع والابتكار، ورافدًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة من خلال دور النساء والشباب في إحيائه وتطويره.
وأكد خليف أنّ رهاننا الأكبر ليس فقط في تسجيل عنصر على قوائم التراث العالمي، بل في إعادة الحياة لهذا الموروث داخل مجتمعاتنا العربية، فالتسجيل هو وسيلة، لكنه لن يحقق غايته ما لم يقترن بخطط وطنية وإقليمية لتعليم المهارات الفخارية للأجيال الجديدة، ودعم الحرفيين، وإحياء الأسواق التراثية، وربط هذه الصناعة بالبعد السياحي والثقافي. وبهذا، يتحول التراث من ذاكرة ساكنة إلى طاقة حية تدعم التنمية وتبني الجسور بين الماضي والحاضر والمستقبل.
وختم بتقديم الشكر لوزير الثقافة مصطفى الرواشدة على رعايته هذا الاجتماع، والدكتور حميد النوفلي على حضوره ودعمه، ولكل المشاركين من الوفود العربية الشقيقة الذين لبّوا الدعوة وشاركوا في هذا الجهد الثقافي المشترك، آملًا أن تسفر المناقشات على مدى أيام انعقاد الاجتماع عن مخرجات بنّاءة تسهم في تعزيز الملف العربي، وصولًا إلى إدراجه على قائمة التراث الثقافي غير المادي.
ويشتمل "الاجتماع"، الذي يستمر حتى الخميس، على جلسات متخصصة، في صون التراث وتعزيز المعرفة به، إضافةً إلى زيارات ميدانية تطبيقية لمدن أردنية مصنفة من منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي، كمدن للتسامح وأصول الضيافة الحضرية، ومدن مسجلة على قائمة التراث في العالم الإسلامي، وزيارة أماكن سياحية ذات طابع تراثي كجبل القلعة والمدرج الروماني، وكذلك متاحف ومشاغل تراثية للفخار.
كما يتناول "الاجتماع" قراءات لهذ العنصر التراثي وارتباطه بمواضيع التنمية المستدامة وحقوق الإنسان والاحترام المتبادل بين المجتمعات، وقراءة مدى إسهام العنصر التراثي في تعزيز المعرفة وتشجيع الحوار، واستكمال صونه والتدابير الكفيلة بذلك.