
الدكتور نسيم أبو خضير
على مدى أربعة وثلاثين عامًا قضيتها في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية ، مذيعًا ، ومعدًا ، ثم مديرًا لإذاعة المملكة الأردنية الهاشمية وما تبعها من ست إذاعات محلية ، كنتُ أومن أن الإعلام ليس مجرد صوت أو صورة ، بل هو سلاح وطني ، ودرع لحماية الوعي ، ومنبر لتوجيه الرأي العام نحو ما يخدم الدولة والمجتمع . قدّمنا في تلك المسيرة الكثير من التميز والإنجازات ، لكن بعد التقاعد جرى تغييب هذا الإرث وكأننا أصبحنا لسنا مع العير ولا مع النفير .
ومع ذلك ، فإن القناعة الراسخة التي نحملها أن الإنتماء للوطن لا يتوقف بخروجنا من الوظيفة ، ولا يسقط مع التقاعد ، بل يبقى واجبًا وأمانة في أعناقنا . لذلك إستمرينا في الكتابة عبر المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل ، وفي تقديم المقترحات التي تصبّ في صميم تمتين الجبهة الداخلية ومواجهة الأخطار المحدقة بوطننا .
اليوم يواجه الأردن تحديات أمنية وسياسية بالغة الخطورة :
_ مخططات إسرائيلية واضحة لتهجير سكان قطاع غزة والضفة الغربية ، ودفعهم شرقًا في محاولة لفرض واقع جديد يهدد الهوية الوطنية الأردنية ، ويضغط على موارد الدولة وإستقرارها .
_ مشاريع ضم الأغوار التي لا تعني فقط السيطرة على الأرض ، بل تهدف إلى فرض أمر واقع إستراتيجي يغير موازين القوى ويضع الأردن أمام تهديد دائم على حدوده الغربية .
_ إحتمالية المواجهة العسكرية التي قد تنشب في أي لحظة نتيجة تعنت إسرائيل ورفضها للسلام العادل ، ما يستوجب منّا إستعدادًا سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا وشعبيًا لمواجهة كل الإحتمالات .
تمتين الجبهة الداخلية :
إن أقوى سلاح يملكه الأردن ليس فقط الجيش العربي المصطفوي الذي نفتخر به، ولا الأجهزة الأمنية التي تشكّل صمام أمان ، بل أيضًا تلاحم الجبهة الداخلية . فالمؤامرات تُهزم حين يكون الشعب ملتفًا حول قيادته ، واعيًا للمخاطر ، محصّنًا من الإشاعات والحرب النفسية .
وهنا يبرز دور الإعلام ، الرسمي والخاص ، كخط دفاع أول في معركة الوعي .
مقترحات وخطط للإعلام الأردني
1. توحيد الخطاب الإعلامي :
صياغة رواية وطنية موحدة تُبث عبر جميع المنابر الرسمية والخاصة لتفويت الفرصة على أي إختراق أو تضليل .
إعتماد لغة قريبة من الناس ، واضحة وبسيطة ، بعيدة عن التعقيد .
2. التعامل مع الإشاعة بسرعة
إنشاء وحدة رصد إلكترونية متخصصة تعمل على مدار الساعة لمتابعة الأخبار الكاذبة والرد عليها فورًا .
إعتماد أسلوب السبق بالمعلومة بدل ترك فراغ تملؤه الإشاعة .
3. تعزيز الإعلام الميداني
إرسال فرق إعلامية لمناطق الأحداث والحدود لنقل الصورة الحقيقية من أرض الواقع .
إبراز القصص الإنسانية التي تكشف أطماع الإحتلال وتُظهر الرواية الأردنية .
4. برامج حوارية إستراتيجية
إستضافة الخبراء العسكريين والسياسيين لتبسيط التحديات أمام المواطن .
إبراز دور الجيش والأمن في حماية الوطن .
5. التعاون مع الإعلام العربي والدولي :
شراكات مع وسائل الإعلام الكبرى لنشر الرواية الأردنية باللغات المختلفة .
6. إنتاج محتوى رقمي شبابي
توظيف المنصات الرقمية للتأثير على الشباب عبر الفيديوهات القصيرة والبودكاست والإنفوغراف .
إشراك المؤثرين في نشر الرسائل الوطنية .
7. إستراتيجية وطنية مشتركة
وضع خطة موحدة تحدد أدوار الإعلام الرسمي والخاص لمواجهة الحملات الموجهة ضد الأردن .
إعداد برامج تدريبية للإعلاميين في كيفية تغطية القضايا الأمنية والسياسية بوعي واحتراف.
قد يتقاعد الإنسان من وظيفته ، لكنه لا يتقاعد من واجبه الوطني . وسنظلّ ما حيينا نرفع الصوت ونكتب الكلمة ونقدّم المقترح ، إيمانًا بأن الدفاع عن الوطن ليس خيارًا بل قدرًا وشرفًا . وبأن الأردن سيبقى عصيًّا على كل المؤامرات ، بفضل الله ، وبفضل قيادته الهاشمية ، وبفضل وعي شعبه الصامد ، وإعلامه الذي نريد له أن يكون الدرع الواقي والسلاح الفاعل في معركة الوعي والسيادة .