القلعة نيوز
بقلم السفير الدكتور علي ابو علي كريشان
غالبًا ما يحصر التصور التقليدي دور السفير في البروتوكولات الرسمية والاجتماعات المغلقة مع كبار المسؤولين. بينما تشكل هذه أساس العمل الدبلوماسي، إلا أنها لا تكفي وحدها. فالدبلوماسية الفعالة هي فن الفهم، وهذا الفهم يُستقى من الواقع الميداني المتنوع للمجتمع المضيف: من شوارعه وأريافه، ونخبه الثقافية والفكرية، وجامعاته، ومجتمع مدنه وأحزابه السياسية.
من واقع خبرتي الميدانية كدبلوماسي و كسفير سابق ، فإن حصر و تقييد تواصل السفراء مع القنوات الرسمية والحكومية يمثل قراءة سطحية لمفهوم "الدبلوماسية العامة " فهناك قوى سياسية مختلفة و متنوعة ، و هناك نخب ثقافية مؤثرة، وهناك قادة رأي في المجتمع المدني، وهناك إعلاميين وأصحاب مشاريع اقتصادية ناشئة، وشباب طموح يمتلك رؤى مختلفة. لذلك فإن فهم هذه الديناميكيات الفاعلة في اي دولة لا يمنح السفير رؤية أعمق فحسب، بل يجعله قادرًا على استباق التغيرات، وفهم التيارات المؤثرة و المختلفة التي قد تشكل مستقبل البلاد.
اللقاءات المباشرة التي يجريها اي سفير مع مختلف شرائح المجتمع - من المزارعين والشباب إلى سيدات الأعمال والنخب - تمنح السفير فهماً حياً للواقع، وتكشف عن التحديات والطموحات التي قد لا تظهر في التقارير الرسمية. هذا الفهم العميق يمكن السفارة من تصميم برامج التعاون والمساعدة بدقة، لتناسب الاحتياجات الفعلية وليس النظرية فقط.
كما أن بناء شبكة علاقات واسعة مع مختلف أطياف المجتمع يخلق رصيداً ثميناً من الثقة. فالحكومات تتغير، لكن المجتمعات تبقى. وفي فترات التوتر أو الأزمات، تشكل هذه الجسور قنوات اتصال حيوية تساعد في الحفاظ على التفاهم المتبادل.
كيف يمكن للسفير الدفاع عن مصالح بلاده الاقتصادية دون فهم بيئة الأعمال المحلية من الداخل؟ أو كيف يمكن للسفير الترويج للثقافة والتعليم وهو معزول عن المشهد الثقافي؟ التواصل المباشر مع مختلف المكونات يفتح أبواب و فرص التعاون ويبني الدفاع عن المصالح بناء على معرفة كاملة ورصينة.
قد يُنتقد البعض هذا النهج بحجة انه يمثل "تجاوز للأعراف و البروتوكولات "، لكنه في الحقيقة جوهر "الدبلوماسية العامة" التي تشجعها الأطر الدولية عندما تتم بشفافية واحترام.
السفير الذكي هو من يوضح لمسؤولي البلد المضيف طبيعة وفوائد هذه الاتصالات للعلاقة الثنائية.
اختم بالقول انه في عالم معقد ومترابط، لم يعد دور السفير مجرد موظف بروتوكول تقليدي . بل إنه محلل وباني جسور. لذلك فإن التواصل مع كافة مكونات المجتمع المضيف ليس رفاهية، بل ضرورة مهنية تفرضها طبيعة العمل الدبلوماسي في القرن الحادي والعشرين، وهو الوسيلة الأقوى لفهم العالم والقدرة على التأثير فيه بشكل إيجابي يخدم المصالح الوطنية ويعزز التعاون الدولي.




