شريط الأخبار
الرياحي يكتب : مراكز الإصلاح والتأهيل في الأردن نموذج يحتذى وإدارة حصيفة تؤكد على التطور والتحديث المستمر الرواشدة يُعبّر عن فخره بكوادر وزارة الثقافة : جهود مخلصة لإضاءة مساحات الجمال في وطننا السفير الأمريكي: أتطلع لتعزيز الشراكة بين الأردن والولايات المتحدة حزب المحافظين في بيان عاجل يدعو للإسراع في تقديم مشروع قانون الإدارة المحليّة الملك للسفير الأمريكي لدى بالأمم المتحدة: ضرورة استعادة استقرار المنطقة القلعة نيوز تهنئ الدكتور رياض الشيَّاب بمناسبة تعيينه أميناً عامَّاً لوزارة الصحَّة للرِّعاية الأوليَّة والأوبئة وزير البيئة يؤكد سلامة نوعية الهواء في منطقة العراق بمحافظة الكرك قرارات مجلس الوزراء - تفاصيل الملك يحضر في غرفة صناعة عمان فعالية استعرضت إنجازات القطاع الصناعي لعام 2025 عُطلة رسميَّة بمناسبة عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلاديَّة الحنيطي يستقبل رئيس أركان قوة دفاع باربادوس رئيس هيئة الأركان المشتركة يستقبل وفداً من أعضاء الكونغرس الأمريكي الملك يتقبل أوراق اعتماد عدد من السفراء الملك يلتقي نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية فاعليات: افتتاح مركز جرش الثقافي خطوة نوعية لدعم الإبداع والمواهب الحباشنة عبّر "القلعة نيوز " يُطالب بطرح مشروع الناقل الوطني للمياه من العقبة "للاكتتاب العام" الأمن العام يطلق حملة "السلامة المرورية رئيس الوزراء يتفقد أربعة مواقع في جرش وإربد الأحمد : مركز جرش صرح ثقافي سيحتضن المبدعين والمبتكرين والهيئات الثقافية وزير الثقافة ينعى المخرج السينمائي جلال طعمة

الشوابكة يكتب : حين يتحوّل الطيران إلى قصة إنسانية… قراءة في حكاية طيّار

الشوابكة يكتب : حين يتحوّل الطيران إلى قصة إنسانية… قراءة في حكاية طيّار
جمعة الشوابكة
يشكّل كتاب حكاية طيّار إضافة لافتة في المكتبة العربية، ليس فقط لكونه يتناول مهنة الطيران من زاوية تقنية وإنسانية نادرة، بل لأنه يفتح أمام القارئ أبواب عالم شديد التعقيد، عالم تتقاطع فيه العلوم الدقيقة مع القيادة والمسؤولية واتخاذ القرار تحت الضغط. فالكتاب يأخذ القارئ منذ صفحاته الأولى في رحلة غير مألوفة، رحلة تبدأ من مقاعد التدريب الأولى وتمتد إلى قمرة القيادة، حيث تتداخل المهارات الفنية مع الصفات القيادية، ويتحوّل الطيار من متدرّب يسعى إلى إتقان المعرفة إلى قائد يتحمل وحده مسؤولية الأرواح التي ترافقه في السماء. ويقدّم الكتاب مقاربة ثرية لعلم الطيران، موضحًا كيف أنّ إدارة الحركة الجوية في مرحلة الصعود والهبوط ليست مجرد أوامر تُتّبع، بل هي عملية دقيقة قائمة على وعي عميق بالظروف الجوية، وحسّ متقد بالتوقيت، وقدرة على التحكّم في أدق تفاصيل الآلية الطائرة. بهذا الأسلوب، يفتح المؤلف نافذة للقارئ تسمح له بأن يعيش التجربة لحظة بلحظة، فيرى بعين الطيار كيف تتحوّل الثواني إلى قرارات مصيرية، وكيف يمكن لخبرة مكتسبة عبر سنوات طويلة أن تُنقذ حياة ركاب بأكملهم في موقف واحد.
ويمتاز الكتاب بأنه لا يغرق في الجانب العلمي وحده، بل يقدّم لوحة شديدة الثراء عن التجربة الإنسانية التي يعيشها الطيار في رحلاته حول العالم. فمن خلال محطّات الطيران العديدة، يتعرّف القارئ على ثقافات الشعوب وعاداتهم وتقاليدهم، وعلى تلك التفاصيل الصغيرة التي لا يراها المسافر العادي لكنها تظل محفورة في ذاكرة الطيار. وهكذا يتحوّل الكتاب إلى سجلّ ثقافي، يربط بين سماء الطيران وأرض الحضارات، ويُظهر كيف أنّ الرحلة الجوية تحمل في داخلها قصصًا لا تقل إثارة عن الرحلة نفسها.
ولعل ما يجعل حكاية طيّار عملاً يستحق أن يُدرَّس في كليات الطيران هو تركيزه على الفارق بين الدراسة النظرية والممارسة العملية. فالكاتب يوضّح أنّ ما يتعلّمه الطيار في القاعات الدراسية يمثل الأساس، لكنه لا يصبح حقيقيًا إلا حين يُختبر في ميدان العمل، حيث تتحدّى الظروف الجوية والانفعالات الإنسانية كل ما حفظه الطالب سابقًا. يقدم المؤلف هذا البعد المهني بكل وضوح، مستندًا إلى خبرات تراكمية طويلة تُقدَّم للقارئ من دون مبالغة أو تجميل، بل من خلال سرد صادق وواعٍ لطبيعة المهنة. وهذا ما يمنح الكتاب قيمته الواقعية ويجعله مرجعًا لا غنى عنه لكل من يسعى لفهم مسؤوليات القيادة الجوية وما تتطلّبه من صبر، وثبات، ورؤية واضحة في أحلك اللحظات.
ويمتدّ التأثير الإنساني داخل الكتاب ليشمل الجذور الأولى التي شكّلت شخصية الكابتن أسامة شقمان؛ إذ يقدّم المؤلف إشارات واضحة إلى الدور العميق الذي لعبته أسرته في بناء منظومته الأخلاقية والمهنية. فقد كان والده، الباشا محمد علي الأمين، نموذجًا يُحتذى في الانضباط والأمانة وحسن الإدارة، وهي قيم ترسّخت في الابن منذ طفولته وأصبحت حجر الأساس الذي اعتمد عليه في مسيرته داخل عالم الطيران. ومن هذه المدرسة العائلية الراسخة استمدّ الطيار روح القيادة الهادئة، والقدرة على تحمّل المسؤولية، وإتقان العمل بوصفه رسالة قبل أن يكون مهنة. وهكذا يظهر الجانب العائلي في الكتاب كخيط خفي لكنه قوي، يربط بين الماضي والحاضر، ويُبرِز كيف أنّ القيم الأولى التي يتلقّاها الإنسان تُسهم في صناعة قائد قادر على مواجهة أعباء السماء بكل ثبات ووعي.
كما يبرز في الكتاب البعد الإنساني لشخصية الكابتن أسامة شقمان، الذي لا يُقدّم نفسه بوصفه قائدًا للطائرة فحسب، بل ابنًا لمدرسة قيمية صقلته منذ طفولته. فمن والده الراحل استمدّ روح المسؤولية والانضباط، وتعلّم أنّ القيادة ليست مجرد منصب، بل هي أخلاق قبل أن تكون معرفة. وينعكس هذا الإرث العائلي بوضوح في كل صفحة من صفحات الكتاب، حيث تظهر شخصية الطيار المتواضع، المحترف، المدرك لأهمية رسالته والواعي بتأثير قراراته على من حوله. وهكذا يضيف الكتاب بعدًا تربويًا يوضح أن نجاح القيادة يبدأ دائمًا من الجذور: من أسرة تقدّر العمل وتؤمن بالقيم وتمنح أبناءها دعمًا لا ينفد.
ويمكن القول إن حكاية طيّار يقدّم مزيجًا فريدًا من المعرفة التقنية والفلسفة المهنية والبعد الإنساني. فهو كتاب يسلّط الضوء على مخاطر قيادة الفضاء وعلى جمالياته في آن واحد، ويُظهر كيف يمكن للطيار أن يكون عالمًا وإداريًا وثقافيًا في الوقت نفسه. ومن خلال لغته السلسة وسرده المتمكّن، ينجح الكاتب في تحويل تجاربه إلى نص حي ينبض بالحركة والدهشة، يحمل القارئ إلى ارتفاعات عالية ثم يعيده إلى الأرض محمّلًا بدروس عميقة عن القيادة، والمسؤولية، وثقافة الشعوب، وجمال المهنة التي تتحرّك بين الأرض والسماء.
وبهذا، فإن الكتاب لا يبدو مجرد سيرة ذاتية لطيار، بل وثيقة معرفية وثقافية تُضاف إلى سجل الأدب المهني العربي، وتشكّل مرجعًا يستحق القراءة والدراسة، سواء من قبل طلاب الطيران أو القرّاء المهتمين بالمعرفة الإنسانية. إنه عمل يجمع بين الاتساع العلمي والعمق الروحي، ويقدّم رؤية صادقة لعالم الطيران بكل ما فيه من تحديات ومخاطر وجماليات، مما يجعله واحدًا من الكتب التي تُكتب لتبقى.