د.طلال طلب الشرفات
لا أدري لماذا قدرنا في هذا الوطن أن لا نرتقي إلى مستوى تطلعات جلالة الملك؟، وأن يخفق الجميع في تمثّل الرؤى الملكية بمسؤولية عاليّة، وشجاعة تعبر عن مضامين تلك الرؤى، وتغادر مساحات الفرديّة والأنانيّة السياسيّة، والولوج في القراءة الواعية لخطة التحديث والأوراق الملكية النقاشيّة، ولماذا تصرّ الحكومات على إغلاق نوافذ الأمل في احترام خيارات الناس بدون بدائل مقنعة وتنفيذ سريع لتلك البدائل؟.
قلنا سابقاً إن الرئيس يمتلك شجاعة القرار ولم يُقارف البتّة الاقتراب من المال العام بنزاهة تُحترم، ولا يمتلك أية أجندة خاصة في إدارة الشأن العام، وله فريق حكومي يغلب عليه الطابع المُحافظ، ويحاول أن يبتكر ويُبادر بمسؤولية ينجح فيها أحياناً ويُخفق أحايين أخرى، وله مزاج سياسي فريد يثير الطمأنينة والقلق في آنٍ معاً، ولعل معضلة التفويض في المسائل الكبرى تحتاج إلى مراجعة وتفحّص.
ولكن الحكومة أخفقت – في رأيي - في محاور رئيسة ثلاثة الأول في مشاورات التشكيل التي خالفت فيها مضامين التحديث السياسي والتي انعكست على جدوى العمل الحزبي المؤسسي ومرجعياته التنظيمية، وأثارت فوضى في مناقشة البيان الوزاري وطريقة التصويت على الثقة بالحجب والمنح، وهو ما أوجد مناخاً مُشبعاً بالفوضى والبعثرة الحزبيّة في السلوك والقرار والنتائج.
والثاني من تلك المحاور يكمن في حلّ المجالس البلديّة والمحافظات دون مُبررات مقنعة وبدائل معقولة تُحاكي قواعد الحلّ لمجلس النواب، وأفهم في هذا السياق أن يتضمن قانون الإدارة المحليّة نصاً يُلزم الوزير المعني بالاستقالة إذا أوصى بالحلّ، وأن تجري الانتخابات البلدية خلال الأشهر الأربعة اللاحقة لتاريخ الحلّ، وعدم اللجوء لخيارات التعيين إلا لأمين عمان حصراً إلى حين نضوج التجربة.
وثالث تلك المحاور يتجسد في احترام قواعد اللعبة السياسية مع القوى السياسيّة والقيادات النقابيّة وقادة الرأي العام، وموازاة الجهد السياسي بالحرص الاقتصادي في معالجة القضايا العالقة، وإضفاء اللون السياسي على الحكومة؛ لأن طبيعة المرحلة تقتضي معالجات سياسيّة بالتشاور مع أحزاب الموالاة الممثلة في البرلمان بعقليّة سياسيّة تُغادر مساحة الاجتهاد الفردي الخاص على أن تلتزم تلك الأحزاب ببرنامج الحكومة.
لا يمكن أن تنجح الحكومة بدون شرعيّة شعبيّة وغطاء سياسي حقيقي من أحزاب الموالاة، وإذا كانت الحكومة تعتقد أن الأحزاب ضعيفة إلى المستوى التي لا تستدعي الانتباه تكون قد قارفت خطيئة سياسية ستودي بها آجلاً أم عاجلاً علاوة على تنكرها لمضامين خطة التحديث السياسي، ولعل النصيحة الأخيرة التي نهديها لرئيس الحكومة النزيه تكمن في ضرورة الانفتاح على الناس، ومعرفة تفاصيل الجغرافيا والديمغرافيا الوطنيّة المؤشر الأوحد لقياس الرأي العام.



