د.علي السردي
الضربة الأميركية الأخيرة، المسماة "هوك آي"، ضد مواقع تنظيم داعش في سوريا، تؤكد أن واشنطن ما زالت تعتمد على القوة الذكية كأداة أساسية لتعزيز نفوذها الإقليمي. العملية لم تقتصر على تحييد عناصر التنظيم، بل هدفت أيضًا إلى تعزيز السيطرة على مناطق استراتيجية وتثبيت ميزان القوى لصالح الحلفاء المحليين، ما يعكس فهمًا أميركيًا دقيقًا لطبيعة الصراع السوري.
من وجهة نظري، نجاح العملية يظهر قدرة الولايات المتحدة على الجمع بين التخطيط الاستراتيجي والاستخبارات الدقيقة، بحيث لا تصبح المواجهة العسكرية مجرد رد فعل، بل أداة لإدارة النفوذ السياسي وتحقيق الاستقرار النسبي على الأرض. استخدام الطائرات المسيرة والأسلحة الدقيقة بالتنسيق مع القوات المحلية يؤكد أن واشنطن تدرك أن مكافحة الإرهاب تتطلب موازنة دقيقة بين القوة والذكاء العملياتي.
ما يجعل "هوك آي" أكثر أهمية، في رأيي، هو الرسائل السياسية الضمنية التي تحملها العملية. فهي لا تعزز فقط التفوق العسكري الأميركي، بل توجه إشارات واضحة للأطراف الإقليمية والدولية بأن أي محاولة لإعادة ترتيب التحالفات أو توسيع نفوذ تنظيم داعش ستواجه بصرامة وحزم. كما تعكس العملية اهتمام واشنطن بمنع أي فراغ أمني قد يهدد الاستقرار المحلي أو يتيح فرصًا للتنظيم لإعادة بناء قدراته.
ختاماً أن الرسالة الأساسية التي اقرئها في المشهد لهذه العملية هي أن الولايات المتحدة لا تتعامل مع الإرهاب كمجرد تهديد مؤقت، بل كعامل أساسي في أعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة. "هوك آي" تثبت أن السياسة الأميركية في سوريا تقوم على دمج القوة العسكرية بالتحليل الاستراتيجي لإعادة ترتيب ميزان القوى، وضبط خطوط الصراع، وحماية مصالحها وحلفائها على المدى الطويل. العملية تؤكد أن القوة ليست هدفًا بحد ذاتها، بل وسيلة لضمان الاستقرار وتحقيق النفوذ المستدام في بيئة إقليمية معقدة، وهذا ما يجعل الولايات المتحدة لاعبًا رئيسيًا لا يمكن تجاهله في سوريا والمنطقة بأسرها.




