يـاسـمـيـن شـهـاب
من شرفة الحرف ومن وحي الوجدان، أخطُّ إليكم كلماتٍ لا تشبه الكلمات، كلماتٍ غُسلت بماء الأمل وصُقلت بنار التجربة، لتكون نبراساً يهتدي به السائرون في دروب التحدي. إنني لا أكتب لمجرد الكتابة، بل لأبني بالمداد جسوراً من الثقة، ولأرسم بالعبارات ملامح غدٍ يليق بطموحاتكم العالية.
في قلب كل بيت أردني اليوم، ثمة حكاية تُكتب بصمت، وعيون ترقب عقارب الساعة وهي تلتهم الأيام في رحلة "التوجيهي" التي لم تكن يوماً مجرد محطة دراسية، بل هي مخاض وعي وولادة جديدة للإرادة. إنني أكتب إليكم اليوم كروح تستشعر ثقل القلم وأمانة الكلمة، لأقول لطلابنا الذين يواجهون الكتب كفرسان في ميدان لا يعرف الهزيمة، إن مقياس ذكائكم ليس في عدد الصفحات التي حفظتموها، بل في تلك الصلابة التي تبدونها حين يطرق التعب أبوابكم.
أنتم الآن تصيغون ملاحمكم الخاصة، وتنسجون من سهر الليالي خيوط الفجر الذي سيشرق حتماً، فما "التوجيهي" إلا جسرٌ، والقوة ليست في الوصول إلى ضفته الأخرى فحسب، بل في الثبات الذي تمارسونه وأنتم في منتصف الطريق، مؤمنين أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وأن عقولكم التي اتسعت لكل هذا العلم قادرة على أن تتسع لأحلام تفوق حدود التوقعات.
أما أنتم يا حراس الأحلام، يا آباءنا وأمهاتنا في أردننا الحبيب، فإليكم تنحني الحروف إجلالاً، فأنتم الجند المجهولون في معارك الصبر، والقلوب التي تنبض بالدعاء خلف كل باب مغلق للدراسة. إننا نعلم أن القلق الذي يسكن أعينكم هو في الحقيقة فيض من الحب، وأن كل كوب قهوة تقدمونه، وكل لمسة حانية على كتف أبنائكم، هي وقود لا ينطفئ في محركات عزيمتهم.
لا تحزنوا إن رأيتم في أعينهم بعض الإرهاق، فهي ضريبة العبور نحو القمة، وكونوا لهم الملاذ الآمن والسكينة التي يهرعون إليها حين تضيق بهم المجلدات. إن نجاحهم الحقيقي قد بدأ بالفعل منذ اللحظة التي رأوا فيها فخركم بهم كأفراد، لا كمجرد أرقام في كشوفات النتائج. إن القيمة الإنسانية التي زرعتموها فيهم هي التي ستبقى، فليكن بيتكم واحة طمأنينة لا ساحة حرب، لأن الحصاد لا يحلو إلا إذا سُقي بالحب والرضا.
إنني في مقالي هذا، أضع بين أيديكم قطعة من روحي، مؤمنةً أن الكلمة حين تخرج من عمق الوجدان، تملك القدرة على ترميم ما تهدم من معنويات وتجديد الدماء في عروق الأمل. نحن أمة لا تنكسر، وطلابنا هم ثروتنا السيادية التي نفخر بها أمام العالم أجمع.
فامضوا يا فرسان التوجيهي وعيون الله ترعاكم، ويا أيها الأهل، استمروا في كونكم السند والمدد، فما هي إلا غيمة عابرة ويأتي الغيث محملاً بأفراح تليق بصبركم، وتذكروا دائماً أن الرحلة بحد ذاتها هي الانتصار، وأن كل حرف كتبته هنا، هو دعوة صادقة لأن تشرق شمس نجاحكم في كل زاوية من زوايا هذا الوطن العظيم.
لأن الحرف أمانة، والكلمة طمأنينة.. كتبتُ لكم بمداد الروح، ليبقى الأملُ أخضر كالياسمين في قلوبكم."




