القلعة نيوز -
مع نهاية العام 2019، يطيب للمركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام أن يهنىء الأصدقاء والوكالات الإعلامية والصحفية بحلول العام الجديد، وأن يستعرض، كما جرت العادة، أبرز الأحداث المتعلقة بالأديان التي شهدتها الساحات المحلية والإقليمية والعالمية.
ابتدأ العام 2019 بإعلان دولة الإمارات العربية المتحدة لهذا العام المنقضي عامًا خاصًا للتسامح. التسامح بشقيه الإثني والديني. وقد جاءت زيارة البابا فرنسيس إلى أول دولة خليجية مؤثرة وحائزة على اهتمام إعلامي عالمي، وبالأخص في احتفاله بالقداس الحبري الحاشد الذي شارك به أكثر من 135 ألف شخص ينتمون إلى جنسيات متعدّدة، وكذلك في توقيع وثيقة الأخوّة الإنسانية، جنبًا إلى جنب مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب. وقد شكّلت الوثيقة مدار بحث ودراسة على المستويات العالمية، في كيفية إدخال مفاهيم ومبادىء وقيم الوثيقة الورقية إلى مبادرات عملية. وما زال الدرب طويلاً.
وفي ذات السياق، شكّلت زيارة البابا ذاته إلى المغرب، بعد شهرين من الإمارات، أهمية خاصة، استذكارًا لزيارة البابا يوحنا بولس الثاني قبل 34 عامًا، وتعميقًا للعلاقات بين الحبر الأعظم و"أمير المؤمنين" العاهل المغربي، وبالأخص في بناء الجسور لا الجدران، وفي النظر إلى القدس الشريف كمدينة مقدسة ومفتوحة للجميع. كاثوليكيًا أيضًا، دعا البابا فرنسيس إلى سينودس (مجمع شامل) للكنيسة الكاثوليكية حول منطقة الأمازون، وما يجتاحها من تحديات بيئية ورعوية واجتماعية.
محليًا، كان لنيل جلالة الملك عبدالله الثاني جائزة مصباح أسيزي للسلام أهمية خاصة، وذلك بعد أشهر قليلة من نيله جائزة تمبلتون لحوار الأديان في واشنطن. وتتميز جائزة أسيزي بكون حاصدها رجل سلام مشهود له عالميًا. ولا شكّ بأنّ الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس الشريف هي من المميزات الرئيسية للدور الأردني الفاعل في مجال حوار الأديان والتقارب بين أتباعها.
محليًا كذلك، استمرّ المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الاحتفال بعيد البشارة، بالتشارك بين المسيحيين والمسلمين، وللسنة الثانية، مثلما هي السنة العاشرة في لبنان. كما نظّم المركز مؤتمرًا دوليًا بعنوان: "الإعلام ودوره في الدفاع عن الحقيقة"، شارك به عدد كبير من أهل الصحافة والإعلام، وتمّ فيه التوقيع على المدوّنة الأخلاقية للإعلام.
أما إقليميًا، فقد رحل البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، وجرت له جنازة دولية في أحضان بطريركية بكركي. واستمرت هنغاريا في مؤتمراتها الدولية حول الاضطهاد تجاه المسيحيين، وقدّمت مساعدتها للكنيسة الكاثوليكية في الأردن لاستكمال بناء كنيسة المغطس.
وكم تألم العالم للمجزرة الإرهابية في سيرلانكا التي حصلت في يوم عيد الفصح المجيد، مثلما تألم لضحايا الإرهاب في مسجد نيوزيلاندا، فجرت مسيرات مندّدة بالإرهاب في العالم أجمع. ودوليًا كذلك، جرت الجمعية العمومية لمنظمة "الأديان من أجل السلام" التابعة للأمم المتحدة، في ألمانيا، بمشاركة 900 شخص من القيادات الدينية من مختلف الأديان والبلدان، وانتخبت المصرية عزة كرم كأول امرأة وأول عربية لمنصب الأمين العام للمنظمة الدولية، وجرى اجتماع آخر في نيويورك رسم الإستراتيجية "الدينية" لخمس سنوات قادمة (2020 – 2025).
وبعد، فلا يمكن لبانوراما هذه السنة ألا أن تكون لبانوراما لعشرين سنة من الألفية الثالثة، ولعشر سنوات منذ عام 2010، حيث عقد سينودس الكنيسة في الشرق الأوسط في الفاتيكان، عقبه مجزرة كنيسة سيدة النجاة في بغداد، وانطلاق الربيع العربي، واستقالة البابا بندكتس السادس عشر، وانتخاب البابا فرنسيس الذي زار الأردن في مستهل زيارته إلى الأرض المقدسة لمدة ثلاثة أيام، والنهج الجديد الذي سارت عليه الكنيسة، فيما دعا جلالة الملك عبدالله الثاني إلى مؤتمر دولي في أيلول 2013 لمناقشة التحديات التي تواجه العرب المسيحيين، وقال فيه جلالته: "إنّ الدفاع عن الهويّة العربية المسيحية ليس ترفًا، وإنما هو واجب".
وسرعان ما توجهت الأنظار إلى الموصل، في صيف 2014، حيث نشأ تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية –داعش- فانتهكت التعددية الدينية الراقية، وهجّرت مسيحيي الموصل وبلدات سهل نينوى في العالم أجمع، بالإضافة إلى الأقلية الأيزيدية. واحتضن الأردن ولبنان عددًا كبيرًا من مهجري الموصل، بدعم من كاريتاس الأردن ولبنان، وذهب بعضهم إلى دول العالم البعيدة، واستقرّ عدد كبير منهم في كوردستان العراق. وشهدت كنائس مصر العديد من الهجمات الإرهابية على الكنائس. وقطع الأزهر علاقاته مع الفاتيكان بحجّة التدخّل في شؤون الغير، إلا أن الأمور قد عادت إلى مجراها عام 2014، حيث ترأس الكاردينال الراحل جان لويس توران وفد الفاتيكان في أولى جولات الحوار، عقبها زيارة تاريخية للبابا فرنسيس إلى مصر، وزيارته إلى الأزهر وإلى بطريركية الأقباط الأرثوذكس.
وبعد، وعلى أبواب العشرية الثالثة من الألفية الثالثة، وبعد انهيار العديد من التنظيمات الإرهابية والحمد لله، تبقى المسؤولية التربوية هي الأساس، ذلك أنّ شبابنا العربي قد تعاطف، مع كل أسف، مع العديد من تلك التنظيمات، فتشوّه العقل لديه، وأصبح عاجزاً عن النظر الى الآخر كأخ وشريك له في الحضارة الإنسانية. وتبقى الخطوات القادمة هي في علاج من أصيب بداء التعصب والانغلاق، وفي وقاية الأجيال الطالعة من خطر السموم التي تبثها الأفكار المتطرّفة، ويحتم ذلك على الدول العربية وعلى دول العالم رسم خطط قابلة للتطبيق، واستراتيجيات واضحة وصريحة لكيفية التصدي لرياح التعصب التي قد تعصف، لا سمح الله، من جديد.