القلعة نيوز: كتب : د محمد العزة
قد نكون خلال الأشهر القادمة على أعتاب استحقاقات دستورية ديمقراطية وطنية، والتي ستكون نتائجها ومخرجاتها مؤشرا أوليا في تقييم مشروع التحديث السياسي ومدى نجاحه بالالتزام بالخط الذي رسم له لغايات الوصول إلى الغاية التي أطلق لأجله وسخرت له كل الإمكانيات والمتطلبات من تشكيل لجان مختصة وتعديلات في وعلى القوانين والأنظمة ، الأمر الذي سهل الطريق وإزالة كل المعوقات أمام ممارسة الحياة السياسية الديمقراطية وخاصة الحزبية منها سواء من حيث تأسيس الاحزاب ومشاركتها في العملية الانتخابية والتدرج في حصتها داخل مجلس النواب تمهيدا للذهاب إلى الحكومات البرلمانية ، وهنا يجمع الخبراء والمختصين وجميع أنباء المجتمع الأردني ومختلف طبقاته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية أن الدولة الأردنية ، ممثلة بالحكومة على الجانب الرسمي قد أدت ما عليها لتعلن البدء بمرحلة جديدة من مراحل الحياة السياسية الديمقراطية الأردنية التي لم تغب عنها يوما حالة المراجعة والتدقيق والتعديل والتغير والتبديل لمواكبة المستجدات والمتطلبات الخاصة بالوطن الاردني , التي تقوم به المؤسسات التنفيذية والتشريعية في الدولة عبر قنواتها المنصوص عليها دستوريا ،الأمر الذي يجعلنا أن نلتفت إلى ذلك الصوت المرتفع القائل: ماذا بعد كيف سيكون الدور والقرار الشعبي ، ماهي الأسس التي سيعتمدها في الرد على هذا المشروع الذي يهدف بأن يشكل المواطن شريكا فاعلا في بناء ونهضة وطنه ومحافظا على كرامته ، محققا لآماله وأحلامه وتحصينا لحاضره وتحضيرا لمستقبله ،وعليه فأننا وبمراجعة التجارب السابقة في السنوات الماضية سنجد أن الشارع الأردني وتحديدا على مستوى الأفراد كانوا في حالة تهميش لأنفسهم وإبعاد لذاتهم عن المشاركة الإيجابية في الاستحقاقات الانتخابية ، الأمر الذي انعكس سلبا على مستوى التمثيل داخل السلطة التشريعية ، وانخفاض مستوى الأداء للمسؤول داخل السلطة التنفيذية والحكومات المكلفة ، بل إن حالة العزوف الشعبي والتهميش كرست حالات من الظواهر الاستثنائية المخالفة لطبيعة السلوك السياسي والاجتماعي للمواطن الأردني ، ولعل اسوءها ظاهرة أستخدام المال السياسي وما يسمى شراء الأصوات والذمم تلك الظاهرة التي هي بمثابة القاتل السياسي للوطن والمثبط للهمم ، فمن يراهن بالوصول إلى منبر التشريع باغداق المال فهذا يعلم علم اليقين بأن من حلف بالوتين بانتخابه مقابل دراهم معدودة ،بانه قد رهن حقه وصوته في التعبير عن قضاياه و عن هموم وطنه وتحدياته ، بل هو يعلم أنه لن يحق له ان يمارس دوره في تجسيد مفهوم المواطنة الحقيقة الصادقة السليمة ، لأنه ساوم على الثمن وباع الوطن ، مستغلا حاجة الناس وعوزهم والظروف المعيشية التي فرضتها الأحوال السياسية الإقليمية والعالمية عليه والتي تكافح لأجلها قيادتنا الهاشمية تجنيبنا آثارها ومضارها السلبية رغم الضغوطات والصعوبات والمطالبة برهن القرار الاردني وسيادته ، والذي واجهه الاردن بكل شجاعة و صلابة وصمود واعتباره خط احمر لا يمكن تجاوزه أو المساومة عليه، وأما الظاهرة الأخرى التي يراد لها أن تكتسب الصفة القطعية كعادة تحكم سلوكنا في التعبير عن حرية قرارنا واختيارنا الديمقراطي ، هو الخيارات العشائرية التي لا تستند ولا تعتمد على المعايير والمواصفات التي يتم اعتمادها بنفس المعايير المطلوبة في الأفراد أصحاب الخبرة في الشأن والعرف المجتمعي عندما يراد تمثيلها على الصعيد الاجتماعي والوجاهي، فنجد فوضى التشتيت ونزاعات التفتيت والبحث عن المكتسبات الخاصة ، الأمر الذي يفقد تلك العشيرة وزنها الاجتماعي وثقل تمثيلها السياسي ، وتفقد ابنائها الثقة فيما بينهم ، وعليه وجب دمج المؤسسة العشائرية في العملية السياسية الانتخابية بشكل يتبنى المأسسة وافراز افراد ذوات الكفاءات المهيئة والمدربة والثقة لهذه المهمة .
وفي السياق لا نستطيع إغفال ظاهرة التيار الدين السياسي الذي يعتمد على الخطاب العاطفي الحماسي في تشكيل رأي وقناعات الشارع في توجيهه نحو اختياراته دون التطرق إلى أي برنامج او حل القضايا الوطنية ،بل على العكس هو يحرص تضخيمها وتعظيمها وان الحلول لن تكون إلا عبر بوابته ، الأمر الذي أفقده مستقبلا مخزون رصيده مع مرور الوقت ، وذلك لازدياد الوعي السياسي للمواطن الأردني وتركيزه على تحديد مشاكله و احتياجاته لمن يتصدر الترشح في تمثيله.
صريح القول والعبارة ، ولوضع الأمور في نصابها ، فأننا نقول إن المرحلة السياسية الحالية يتحمل أبناء شعبنا الاردني العظيم أغلب المسؤولية فيها وفي انجاحها وتفعيلها وانضاجها ورسم أهدافها والتصميم على إنجازها وهذا لن يكون إلا عبر حجم المشاركة في الاستحقاق القادم والإقبال الكبير عليه تجسيدا بما يسمى (ناخب التغيير) ، نعم فكيف نتوقع تغيرا وتحديثا إيجابيا للنتائج ونحن نستخدم نفس الادوات والأسلوب ونمارس نفس الممارسات في كل استحقاق ومن ثم ننتظر السماء أن تمطر حلولا للبطالة وتطوير القطاعات الاقتصادية والتعليمية والصحية وصيانة البنية التحتية وخفض المديونية وغيرها من المطالبات والاحتياجات الأساسية المطالبة بها الدولة وحكوماتها التي لا تقوم بها إلا عبر قوانين وأنظمة وتشريعات لا تطبق الا بعد المصادقة عليها ومنحها الثقة والموافقة من مجلس نواب شعبها .
ناخب التغير سيكون ذلك المواطن الأردني المتسلح بالوعي السياسي ويقوده الفكر والضمير ، سيكون ذلك المواطن الذي يقيم ميزان العدل بين الغني والفقير ، بحيث لا يشتري الغني الفقير ولا يبيع الفقير نفسه للغني .
ناخب التغير الذي يمتلك الشجاعة والكرامة على محاسبة من اختاره على أساس برنامجه ومدى اجتهاده ومصداقيته مع وطنه وشعبه وقيادته .
الاردن يستحق أن نفديه ونحميه ونبنيه ونخلص التلبية في النداء لخطاب قيادته الهاشمية الحكيمة التي لطالما أخلصت العمل له وجعلت انسانه اغلى مافيه، لأنه يستحق ولأننا معا نستطيع بأن نكون المشروع الوطني للتغير ، لذا علينا قادم الأيام أن نحسن الاختيار والقرار والتعبير .