
*كلمة الدكتور محمد العدوان في دارة آل المصري: قراءة معمّقة في تاريخ الأردن واستقلاله*
القلعة نيوز:
في إطار الاحتفالات الوطنية بعيد استقلال المملكة الأردنية الهاشمية، ألقى الدكتور محمد العدوان كلمة مميزة في دارة آل المصري، حملت بين طياتها رؤية تحليلية معمّقة للتاريخ الأردني، وعلاقة الأردن بفلسطين، وتحديات المشروع الصهيوني، إضافة إلى استشراف للمستقبل على ضوء المعطيات التاريخية والوثائقية. وجاءت هذه الكلمة ضمن فعالية خاصة نظمت تكريمًا لهذا اليوم الوطني، واستعرض خلالها الدكتور العدوان بأسلوب علمي ووطني متين المحاور الرئيسة التي تُبرز عراقة الأردن، وتدحض الروايات المشككة بهويته وشرعيته.
*في البدء كانت الرواية: الأردن ليس كيانًا طارئًا*
استهل الدكتور العدوان كلمته بتفنيد الفكرة السائدة لدى البعض بأن الأردن كيان وظيفي أو دولة مصطنعة، مؤكدًا أن مثل هذه الرؤية لا تستند إلى فهم علمي أو وثائقي، بل إلى روايات مشوشة. واستعرض في هذا السياق المعايير القانونية لتعريف "الكيان المصطنع”، والذي يُقصد به تشكيل كيان سياسي بقرار خارجي ولغرض جيوسياسي مؤقت، وهو ما لا ينطبق على الأردن إطلاقًا، فالأردنيون ليسوا غرباء عن هذه الأرض، بل هم امتداد حضاري لشعب عاش على هذه الأرض منذ أكثر من 12 ألف سنة.
وأشار إلى الأهمية الكبرى لفصل الحقيقة عن الوهم التاريخي، والتمييز بين السرد التاريخي العاطفي والتوثيق العلمي القائم على الأدلة، معتبرًا أن بلاد الشام -ومنها الأردن- لم تكن أبدًا مجرد ممر بل كانت مقرًا دائمًا للحضارات، بدليل وجود الآثار الرومانية والبيزنطية والإسلامية في كل أنحاء الأردن.
*سردية وطنية وثائقية: الأردن في قلب التاريخ العربي*
انتقل الدكتور العدوان بعد ذلك إلى عرض سلسلة من الشواهد التاريخية التي تعزز من مكانة الأردن كمكون أصيل في الأمة العربية، مستعرضًا أحداثًا مثل:
•مشاركة أبناء الأردن في مجلس المبعوثان العثماني في بدايات القرن العشرين.
•انعقاد التحكيم بين الإمام علي ومعاوية في منطقة "جبل التحكيم” جنوب الأردن.
•نشأة الدولة العباسية من "أذرح” في معان.
•الدور الجغرافي والسياسي الذي لعبه الأردن خلال وبعد الثورة العربية الكبرى.
كل هذه الشواهد، كما أكد العدوان، تدل على أن الأردن لم يُولد من رحم فراغ، بل هو وريث تاريخي لحضارة موغلة في القدم، وله دور فاعل في صياغة الأحداث الإقليمية منذ العصور الإسلامية وحتى العصر الحديث.
*فلسطين في قلب الأردن: وحدة الأرض والمصير*
خصص الدكتور محمد العدوان محورًا أساسيًا في كلمته للحديث عن العلاقة المصيرية بين الأردن وفلسطين، موضحًا أن موقف الأردن من القضية الفلسطينية ليس نتاج تقارب جغرافي أو عاطفي، بل جزء من عقيدة وطنية وأمن قومي واستراتيجية ثابتة. وسرد بالتفصيل كيف أن الملك عبدالله الأول كان يؤمن بالوحدة العربية، وعرض التخلي عن الحكم لصالح اتحاد عربي يضم سوريا ولبنان وفلسطين والأردن.
وأكد أن ما أصاب فلسطين هو جرح في قلب الأردن، وأن معركة الوجود الصهيوني ليست مع فلسطين وحدها، بل مع كل المنطقة العربية، وأن اعتبار فلسطين شأنًا فلسطينيًا فقط هو اختزال خطر لحقيقة المعركة.
*تفكيك رواية بيع الأرض وخيانة الفلسطينيين*
في مواجهة الطرح الدعائي الذي يتهم الفلسطينيين ببيع أراضيهم، تحدث الدكتور العدوان عن مشروع وطني وثائقي قاده بتكليف من جلالة الملك عبدالله الثاني، لتوثيق ملكيات الأراضي الفلسطينية منذ عام 1840 وحتى 1967. وأوضح أن ما اشتراه اليهود من الأراضي الفلسطينية لا يتجاوز 1%، وأن معظم هذه الأراضي تم الحصول عليها من عائلات لبنانية وسورية كانت ممنوعة من دخول فلسطين بسبب الانتداب الفرنسي.
وبيّن أن بعض عمليات البيع تمت بختمات مختارين متواطئين، بينما واجه الفلسطينيون من ثبت بيعه للأرض بالعزل الاجتماعي وحتى بنبش القبور، مما يؤكد أن الخيانة لم تكن ظاهرة شعبية بل استثناءات معزولة.
*العقل الغربي وخطة الهيمنة: إسرائيل رأس حربة استعمارية*
استعرض الدكتور العدوان خريطة العقل الاستعماري الغربي الذي دعم قيام "إسرائيل” لا حبًا في اليهود، بل لأنها تمثل أداة الهيمنة لضمان عدم قيام نهضة عربية موحدة، ومنع التنمية المستدامة في المنطقة. وأشار إلى أن الغرب منع الجيوش العربية من دخول فلسطين قبل انسحاب آخر جندي بريطاني، وسمح لاحقًا بدخولها فقط بعد أن ضمن التفوق الإسرائيلي العددي والتسليحي.
وحذّر من مشروع قائم في العقل اللاهوتي الغربي لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم بحلول عام 2026، مؤكدًا أن هذا ليس ضربًا من الخيال بل استراتيجية موثقة تاريخيًا.
*ثلاثية النهضة الأردنية: مواطنة، حوار، وحرية مسؤولة*
في ختام كلمته، حدد الدكتور العدوان ثلاث ركائز ضرورية للنهوض الوطني الأردني:
1.المواطنة المتوازنة: تقوم على الحقوق والواجبات المتساوية، لا على تغليب طرف على آخر.
2.الحوار المعرفي: الذي يتجاوز الأدلجة والانغلاق، ويؤدي إلى وعي مشترك.
3.الحرية الأخلاقية: التي تحترم الآخر ولا تتحول إلى منابر للفتنة أو التشهير دون علم أو توثيق.
*ختامًا: توثيق المستقبل كما نوثق الماضي*
أعلن الدكتور العدوان في ختام حديثه عن مشروعين بحثيين مهمين:
•لعبة الأمم: التلفيق والتوثيق: كتاب يجمع 200 وثيقة حول ما جرى في فلسطين منذ وعد بلفور حتى النكبة، بما فيها مذابح موثقة في الأرشيف الإسرائيلي.
•إرادة شعب وطموح ملك: يسلط الضوء على إصرار الأردن بقيادته وشعبه على تشكيل نواة للوحدة العربية الحقيقية بين الأردن وفلسطين.
وفي نهاية كلمته، أكد أن المعركة مع المشروع الصهيوني لم تنته، بل ما زالت في أوجها، وأن النصر الحقيقي يبدأ حين نعيد بناء وعينا ونفكك الروايات الاستعمارية، ونعيد الاعتبار للحقيقة الموثقة بدلًا من الرواية السمعية والانطباعية.
مع خالص التحية،
المهندس رائد الصعوب.
الأمين العام السابق للإتحاد العربي للأسمدة.
https://youtu.be/rCV8pXc-QGk?si=WZM9NhRLEUTrY6bS