
القلعة نيوز - وسط واقع إقليمي غير مستقر، وتقلبات تشهدها المفاصل الاقتصادية العالمية، يبرز الاقتصاد الوطني كاستثناء لافت، مؤكدا قدرته المتواصلة على التكيف وتحقيق النمو والمحافظة على تماسكه رغم محدودية الموارد.
وقال مختصون بالشأن الاقتصادي لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إن الحديث عن مؤشرات اقتصادية إيجابية للمملكة، لم يعد مجرد أرقام تصدر ضمن تقارير رسمية، بل بات يعكس واقعا ملموسا في قطاعات اقتصادية عديدة من الزراعة للصناعة والخدمات المالية والسياحة وهي ركائز أساسية في رؤية التحديث الاقتصادي.
وأكدوا أن التطورات الإيجابية التي حققتها مؤشرات الاقتصاد الوطني منذ بداية العام الحالي تعكس صورة الأردن كدولة قادرة على تحويل التحديات لفرص وتجاوز الصعوبات والمضي بمسار ثابت لتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، تسندها قرارات وإصلاحات حكومية طالت مفاصل عميقة لمجمل القطاعات الاقتصادية.
وبينوا أن المؤشرات تظهر أن الاقتصاد الوطني "يتنفس بعمق" رغم الضغوط وينمو بأرقام تتجاوز التوقعات ويمضي نحو أهدافه المتوسطة وبعيدة المدى، مؤكدين أن هذا يعزز من ثقة المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف بكل المعطيات والنجاحات التي يحققها.
وقال وزير المالية الأسبق الدكتور محمد أبو حمور، إن بيانات دائرة الإحصاءات العامة الأخيرة، تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سجل نموا بنسبة 2.8 بالمئة خلال الربع الثاني من العام الحالي، مقارنة مع 2.4 بالمئة للفترة نفسها من العام الماضي.
وشدد على أن هذا النمو يعكس متانة الاقتصاد الوطني وقدرته على مواجهة مختلف الظروف، موضحا أن أعلى مساهمة جاءت من قطاع المالية والتأمين والخدمات العقارية بنسبة 18.3 بالمئة وهو ما ينسجم مع رؤية التحديث الاقتصادي التي وضعت الاقتصاد الرقمي والقطاع المالي في قلب أولوياتها باعتبارهما محركين أساسيين للنمو.
وأضاف، إن ما يميز المرحلة الحالية هو أن التكنولوجيا المالية لم تعد هامشا بل صارت ركيزة أساسية للقطاع المصرفي، مشيرا إلى أن جهود البنك المركزي الأردني في هذا المجال واضحة، إذ أطلق منظومة متكاملة للابتكار والريادة في الخدمات المالية.
ولفت إلى تنظيم مهرجان الأردن للتكنولوجيا المالية 2025 بالتعاون مع مؤسسات محلية وإقليمية ودولية، مؤكدا أن الحدث لم يكن مجرد معرض بل منصة استراتيجية لتبادل الخبرات وعرض أحدث التقنيات وتعزيز الشراكات، بما يجعل الأردن لاعبا إقليميا مهما في صياغة مستقبل القطاع المالي الرقمي.
وأشار الدكتور أبو حمور إلى أن معدل التضخم المنخفض نسبيا الذي بلغ 1.89 بالمئة يعد إنجازا مهما اسهم بالتخفيف من آثار ارتفاع الأسعار، مبينا أن الاعتماد الكبير على قطاعات معرضة للتقلبات مثل السياحة والصادرات يجعل من الضروري الاستمرار في تنويع الاقتصاد وتعزيز الابتكار والقدرة التنافسية.
من جهته، رأى أستاذ المالية في جامعة آل البيت الدكتور عمر الغرايبة، أن الاقتصاد الوطني حقق أداء أفضل من المتوقع في الربع الثاني من العام الحالي، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.8 بالمئة، وهو ما يمثل ارتفاعا قدره 17 بالمئة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.
وأكد أن هذا الأداء يعكس قدرة كبيرة على التكيف مع الضغوط الإقليمية والعالمية، بدءا من تقلبات أسعار الطاقة، وصولا إلى آثار الأزمات السياسية، موضحا أن التنوع القطاعي كان عاملا حاسما في تحقيقه.
وأوضح أن قطاع الزراعة سجل نموا بنسبة 8.6 بالمئة، بينما ارتفعت الصناعات التحويلية بنسبة 5 بالمئة، علاوة على نمو قطاع الكهرباء والمياه بنسبة 4.9 بالمئة والخدمات الاجتماعية بنسبة 4 بالمئة
وأشار الغرايبة إلى ارتفاع الصادرات الوطنية بنسبة 8.5 بالمئة وزيادة الدخل السياحي إلى 5.3 مليار دولار مع نمو أعداد السياح بنسبة 14.9 بالمئة، بالإضافة لارتفاع تدفقات الاستثمار بنسبة 14 بالمئة، مؤكدا أن هذه مؤشرات تعكس ثقة المستثمرين بالاقتصاد الوطني واستقراره النسبي في محيط مضطرب.
وقال إن هذا الزخم انعكس أيضا على سوق المال، حيث تجاوز مؤشر بورصة عمان حاجز 3000 نقطة لأول مرة منذ 15 عاما في حين بلغت الاستثمارات الأجنبية في السوق المحلية نحو 6 مليارات دولار منذ بداية العام.
وأضاف، إن السياسات الاقتصادية الحكيمة التي تجسدت في رؤية التحديث الاقتصادي، ركزت على تمكين القطاع الخاص وتبني التحول الرقمي، وتوسيع قاعدة الشراكات الاستثمارية مع تقديم تسهيلات مالية وحوافز ضريبية للقطاعات الإنتاجية، معبرا عن أمله بأن تصل معدلات النمو خلال السنوات المقبلة لنسب تتراوح بين 5 و7 بالمئة.
بدوره، أكد مدير عام جمعية البنوك في الأردن الدكتور ماهر المحروق، أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال الربع الثاني من العام الحالي لا يمكن قراءته بمعزل عن الإصلاحات والسياسات التي تبنتها الحكومة والبنك المركزي سواء على مستوى ضبط السياسة النقدية والمالية أو على صعيد تعزيز بيئة الاستثمار والإنتاج.
وأشار الى أن هذا النمو يعكس كذلك الدور الحيوي للقطاع المصرفي الأردني الذي واصل دعمه لتمويل الاقتصاد، وتوسيع نطاق الشمول المالي والاستثمار في الرقمنة والخدمات المبتكرة.
وأوضح أن قطاع المالية والعقارات وخدمات الأعمال يعد العمود الفقري للاقتصاد الوطني، حيث بلغ وزنه 18.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من العام الحالي وهو الأعلى بين جميع القطاعات، حيث تأتي البنوك في صدارته باعتبارها المكون الأكبر للقطاع.
وقال المحروق، إن أهمية هذا القطاع تكمن في كونه أيضا قاطرة للنمو، فالتمويل المصرفي يحرك عجلة الاستثمار والإنتاج ويدعم التجارة والعقارات والصناعة والخدمات، مؤكدا إن قوة البنوك ومتانتها المالية تتحول إلى قوة دفع للاقتصاد بأكمله ما يجعل القطاع حجر الزاوية في مسار التنمية والنمو المستدام.
وأوضح أن النمو يعد كذلك انعكاسا أوليا لثمار البرنامج التنفيذي الأول لرؤية التحديث الاقتصادي الذي وضع مجموعة من الإجراءات والمشاريع ذات الأولوية بهدف تعزيز تنافسية الاقتصاد وتحفيز القطاعات الإنتاجية.
وأكد، أن بعض مخرجات البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي أسهمت بتهيئة بيئة أكثر جاذبية للأعمال والاستثمار وتفعيل أدوات عملية لرفع كفاءة الاقتصاد الوطني وتحفيز النمو.
وبين أن هذا التطور الإيجابي يعد مؤشرا على أن الأردن يسير في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق أهدافه متوسطة وبعيدة المدى، كما يعزز من ثقة المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف التي أبقت على التصنيف الائتماني عند مستويات مستقرة مع توقعات إيجابية لإمكانية رفعه في ضوء استمرار الإصلاحات والنمو.
وقال المحروق إنه مع المضي قدما في تنفيذ برامج التحديث، فإن الأردن أمام فرصة لترسيخ استقرار اقتصادي طويل الأمد وتعزيز مكانته على الخريطة الإقليمية والدولية.
--(بترا)