شريط الأخبار
الأردن و"الفاو" يبحثان تعزيز الأمن الغذائي والتكيف مع التغير المناخي الاردن يعزي فيتنام بضحايا الإعصار لجنة للتحقيق بعد إصابة طلبة مدرسة إثر تسرب غاز من المختبر وزير العدل يبحث والسفيرة الهولندية تعزيز التعاون القانوني بين البلدين مختصون: إدراج قصر الملك المؤسس على "الألكسو" يبرز مكانة الأردن القاضي والمطران الطوال: الوصاية الهاشمية حافظت على هوية القدس العيسوي يلتقي وفدًا من كلية دي لاسال الفرير صور تظهر "ترامب نائماً" تلهب المواقع والبيت الأبيض يرد ( شاهد ) بعد الغزل.. أوربان يعلق على رفض متحدثة البيت الأبيض عرضه القلعة نيوز تنشر مشروع قانون الموازنة لعام 2026 ( تفاصيل ) مذكرة نيابية تطالب الحكومة بتثبيت عمال المياومة وفاة الداعية المصري زغلول النجار في الأردن مجلس النواب يستمع الثلاثاء لخطاب الموازنة العامة لسنة 2026 السفير الصيني في عمّان: أتطلع للعمل بما يخدم مصالح البلدين الرواشدة يلتقي نظيره القطري في الدوحة الأردن يسيّر قافلة مساعدات جديدة تضم 16 شاحنة إلى سوريا إصابة طلبة مدرسة بضيق تنفس بعد تسرب غاز من المختبر وزير النقل: الجسر العربي نموذج ريادي لتعزيز التكامل البحري العربي الخرابشة يترأس اجتماع مجلس الشراكة بالطاقة للاستفادة من الفرص الاستثمارية بالعراق شهيد في غارة اسرائيلية جنوب لبنان

الرواشدة تكتب : العلاقات الدولية في زمن الذكاء الاصطناعي: من المفاوضات إلى الخوارزميات

الرواشدة تكتب : العلاقات الدولية في زمن الذكاء الاصطناعي: من المفاوضات إلى الخوارزميات
عميد زيد الرواشدة
لم يعد العالم كما كان، ولم تعد الطاولة الدبلوماسية محاطة بوجوه بشرية تتجادل تحت أضواء القاعات، بل بدأت تختبئ خلف الشاشات خوارزميات تحسب الاحتمالات، وتقرأ النوايا قبل أن تُقال. لقد دخل الذكاء الاصطناعي إلى ميدان السياسة الدولية، ليس كأداة تقنية فحسب، بل كلاعب جديد يُعيد تعريف معنى القوة، ومفهوم المفاوضة، وحدود القرار.
في زمنٍ كانت فيه الدبلوماسية تعتمد على الحدس، والقراءة النفسية للطرف الآخر، والمحادثات الطويلة في الكواليس، صار الآن في مقدور البرامج الذكية أن تحلل ملايين البيانات في لحظة، لتقترح مواقف تفاوضية قد تفوق في دقتها ذكاء البشر ولم تعد العلاقات الدولية محكومة ببطء الإنسان وتردده، بل بسرعة الخوارزمية التي لا تعرف العاطفة ولا تتأثر بالضغط. وهنا يكمن السؤال الأخلاقي والسياسي العميق: من الذي يقود العالم اليوم؟ السياسي الذي يتحدث باسمه؟ أم النظام الذكي الذي يزوّده بالمعلومة ويقترح عليه القرار؟
لقد كانت الدبلوماسية دائماً فنّاً إنسانيّاً، قائماً على الإقناع واللغة والإيماءة ونبرة الصوت. لكن حين دخل الذكاء الاصطناعي إلى هذا الفنّ، اصبح الصمت ذاته لغة جديدة، إذ لم تعد الأسرار تُسرّ في غرف الاجتماعات المغلقة، بل تُقرأ من تحليلات البيانات المفتوحة، كما لم تعد المعلومات تُستقى من الجواسيس، بل من خوارزميات تراقب العالم في صمت، ترصد أنفاس الأسواق، واهتزازات الرأي العام، وتحرّكات الجيوش عبر صور الأقمار الصناعية. فباتت السياسة التي كانت تُدار في دهاليز العواصم، تُبرمج في مراكز البيانات.
هذا التحوّل لا يعني أن الإنسان خرج من المشهد، بل أنه أصبح أضعف من أدواته. فالقرار السياسي الذي كان يُتخذ بعد نقاش وتحليل طويلين، صار اليوم يصدر بضغطة زرّ. ومع هذه السرعة تتقلص مساحة التأمل والمسؤولية، ويصبح الخطر الحقيقي هو أن تتحول السياسة إلى عملية حسابية باردة، تستبعد الإحساس الإنساني، وتغفل عن أن العلاقات بين الدول ليست أرقاماً في معادلة، بل تفاعلات معقّدة بين مشاعر وتاريخ ومصالح وأوهام.
في الماضي، كانت الأخطاء السياسية تُنسب إلى سوء تقدير بشري، أمّا اليوم، فإن الخطأ القادم قد يكون نتيجة خوارزمية أُطعمت ببيانات منحازة، أو حُوسبت على نحوٍ يفتقر إلى الأخلاق. هنا، يبرز سؤال وجودي في العلاقات الدولية: من يحاسب الآلة حين تخطئ؟ ومن يضمن أن البرمجة التي تصنع قراراتنا ليست منحازة لمصالح خفية أو لقوى تملك الكود الأصلي؟
لقد أعاد الذكاء الاصطناعي توزيع موازين القوة بين الدول. فلم يعد التفوق العسكري وحده هو الرهان، بل القدرة على امتلاك المعرفة، والتحكم في البيانات، وتوجيه الرأي العام عبر الخوارزميات. أصبحت الحرب تُشنّ عبر المعلومة لا السلاح، وتُدار المعارك في الفضاء الرقمي قبل أن تُطلق أول رصاصة. حتى النفوذ الدبلوماسي بات يُقاس بعدد الخوادم لا السفارات، وبسرعة التحليل لا بعدد الخبراء.
ومع ذلك، يبقى ما هو أعمق من التقنية: الإنسان. لأن الخوارزمية مهما بلغت من الذكاء، لا تفهم الغضب ولا الكبرياء الوطني، ولا تعرف معنى الخيانة أو الكرامة. هي تفهم النتائج، لكنها لا تفهم العواقب المعنوية، ولا تدرك أن السياسة في جوهرها ليست فقط موازين مصالح، بل أيضاً موازين مشاعر. فالدبلوماسية بلا إنسانية تتحول إلى عملية تجارية باردة، والعلاقات الدولية التي تدار بعقل الآلة فقط، قد تنتهي إلى كوارث يصعب على العقل البشري إصلاحها.
ربما سيأتي زمن لا يجلس فيه المفاوضون حول الطاولة، بل ترسل كل دولة "خوارزميتها" لتفاوض عن مصالحها في فضاء رقمي لا يراه أحد. وربما ستتحدث الأنظمة الذكية بلغات لا يفهمها البشر إلا حين يفوت الأوان. لكن ما يجب أن نتذكره هو أن التقنية ليست بديلاً عن الإنسان، بل مرآة له، تكشف ضعف حكمته حين يسلّم قرارات مصيرية لآلة بلا قلب.
في زمن الذكاء الاصطناعي، لم تعد الدبلوماسية فنّاً للتقارب فحسب، بل أصبحت معركة من أجل البقاء الإنساني داخل منظومةٍ رقمية تحاول نزع الطابع البشري عن السياسة. من المفاوضات إلى الخوارزميات، تتغير الوجوه، لكن يبقى السؤال معلّقاً في أروقة العالم: من يحكم العالم حقّاً ؟ الإنسان… أم ما صنعته يداه؟