من مبادرة ريغان للسلام عام 1982 الى صفقة القرن في عهد ترامب
القلعه نيوز
للسنة الثالثة على التوالي، يستضيف منتدى الفكر العربي، الكاتب الصحافي والباحث السياسي حمادة فراعنة، في محاضرة له حملت عنوان " الدور الاميركي في معالجة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي" يوم الاحد 22/9، جرى في اعقابها حوار مفتوح مع الجمهور، على ارضية ما تتضمنه المحاضرة من افكار ووقائع تاريخية مدققة .
وكما يشي عنوان المحاضرة، فقد تناول المحاضر دور الولايات المتحدة في القضية الفلسطينية، وتتبع تطورات هذا الدور عبر مبادرات الرؤساء الأميركيين المتعاقبين ومبادراتهم، منذ دونالد ريغان وحتى يومنا هذا ، من خلال عرض تاريخي مكثف لمرحلة زمنية تمتد نحو اربعة عقود حافلة بالأحداث والتطورات المتلاحقة، وقعت بين نهاية قرن وبداية آخر، أي تلك التي بدأت في عهد دونالد ريغان عام 1982، ولم تضع اوزارها بعد في زمن دونالد ترامب 2017 ، أي على مدى نحو خمسة وثلاثين عاماً، تطور خلالها الموقف الأميركي ولم يتبدل في العمق كثيراً، سواء خلال ولاية جورج بوش الأب 1989 – 1993، وولايتي بيل كلينتون 1993 -2001، وولايتي جورج بوش الابن 2001 - 2009، حتى ولايتي باراك أوباما 2009 - 2016، إلى ارتداد اميركي نحو الخلف في عهد ترامب الحالي منذ بداية العام 2017.
بعين ثاقبة التقط حمادة فراعنة رأس الخيط في هذه الحكاية الطويلة من عند الخطاب الذي القاه الرئيس الاميركي في اليوم الأول من أيلول سبتمبر 1982، وكان ذلك في اعقاب الغزو الاسرائيلي لبيروت، طرح دونالد ريغان اول " مبادرة سلام أميركية لشعوب الشرق الأوسط " تلك التي سميت بمبادرة ريغان 1982، وهي اول مبادرة تحمل اسم رئيس اميركي، حيث رسم ريغان ملامح خطته على نحو عام ، واستناداً إلى هذه المبادئ وضع الرئيس ريغان سياسته من ثمانية نقاط لبلوغ الحل من وجهة نظره، وأبرز ما فيها: " إقامة حكم ذاتي كامل للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. لا يمكن تحقيق السلام عن طريق إقامة دولة فلسطينية مستقلة في هاتين المنطقتين (أي في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة). كما لا يمكن تحقيقه عن طريق ممارسة إسرائيل – المستعمرة - سيادتها أو سيطرتها الكاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة.
ورأى الباحث انه منذ طرح مبادرة ريغان 1982، بقيت الوساطة والتدخلات الأميركية دون فاعلية يعتد بها، حيث لم تقترب المداولات الدبلوماسية لإدارة ريغان من جوهر المسألة الفلسطينية، واظهرت واشنطن عجزها عن ايجاد أي حل قائم على " التوفيق بين المطالب الأمنية المشروعة لإسرائيل – المستعمرة – والحقوق المشروعة للفلسطينيين ".
في 6 أذار 1991، أي بعد نحو عقد من الزمن، وكان ذلك في اعقاب حرب الكويت، أضاف فراعنة، ألقى جورج بوش الأب الفائز في انتخابات الرئاسة، خطاباً أمام مجلسي النواب والشيوخ قال فيه " آن الأوان لإنهاء النزاع في الشرق الأوسط على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338، ومبدأ الانسحاب مقابل السلام، الذي ينبغي أن يوفر الأمن والاعتراف بإسرائيل – المستعمرة – واحترام الحقوق المشروعة للفلسطينيين ".
وعلى أرضية هذا الخطاب الذي بدا وكأنه ترضية لحلفاء اميركا العرب، ممن شاركوها في الحرب ضد العراق، تحرك وزير الخارجية جيمس بيكر لعقد اول مؤتمر سلام من نوعه بين العرب والاسرائيليين، الى ان نجحت جهود الوزير الاميركي في عقد مؤتمر مدريد يوم 30/10/1991، بحضور عربي ودولي لا سابق له.
وأشار الفراعنة الى ان الشيء المؤكد هو أن مبادرة ريغان 1982، كانت نتيجة اجتياح العدو الإسرائيلي لجنوب ووسط لبنان واحتلال بيروت وخروج قوات منظمة التحرير وتوزيعها على البلدان العربية من اليمن شرقاً حتى الجزائر غرباً وما بينهما، فعمل ريغان على استثمار نتائج الاجتياح الإسرائيلي وتوظيفه لصالح العدو الإسرائيل، والشيء المؤكد أكثر أن مؤتمر مدريد 1991، الذي دعا له الرئيس الاميركي مباشرة بعد حدثين كبيرين: هما ازالة المعسكر الاشتراكي المنافس وتلاشيه، وتدمير العراق وإزاحته.
بخلاف ذلك، وعلى أرضية الانتفاضة الشعبية الفلسطينية التي انفجرت في وجه الاحتلال ومؤسساته عام 1987، اضطر إسحق رابين، ولأول مرة، في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلى قبول التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية والاعتراف العلني بالعناوين الثلاثة:
1 – الشعب الفلسطيني، 2 – منظمة التحرير الفلسطينية، 3 – بالحقوق السياسية المشروعة للفلسطينيين، وعلى أرضية هذا الإقرار تم التوصل إلى اتفاقية أوسلو والتوقيع عليها في ساحة الورود في البيت الأبيض يوم 13/9/1993، والتي تضمنت المبادئ المتفق عليها.
وقال فراعنة: في هذا الاتفاق نافذة لتحقيق غرضين: أولهما فك الحصار المالي والسياسي، وثانيهما الانتقال إلى فلسطين والعمل من هناك، وهذا ما تحقق بالفعل.
وبعد ذلك جاء نتنياهو 1996 – 1999، الذي عطل تنفيذ الخطوات ورفض التجاوب مع الاستحقاقات الفلسطينية المطلوبة، ومن بعده جاء يهود براك في 17/5/1999، الذي رفض استكمال وتنفيذ خطوات المرحلة الانتقالية مشترطاً ربطها بحل قضايا المرحلة النهائية دفعة واحدة وهي: القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود، والدفع باتجاه التوصل إلى الحل الشامل.
نجح يهود براك في إقناع الرئيس الأميركي بيل كلينتون في عقد مؤتمر كامب ديفيد يوم 11 تموز سنة 2000، رغم المطالبة الفلسطينية الملحة بضرورة تنفيذ قضايا المرحلة الانتقالية واستكمال الانسحاب الإسرائيلي من باقي مدن وقرى الضفة الفلسطينية قبل عقد المؤتمر، ولكن إلحاح براك واستجابة كلينتون الذي توهم أنه يستطيع دخول التاريخ كصانع سلام لقضية معقدة لم يستطع أحد حلها من قبله، بدلاً من أن يرحل وهو حامل مفاسد شخصية تورط بها مع سكرتيرته.
في كامب ديفيد أكد أبو عمار طوال ايام انعقاد المؤتمر أن مسألة القدس ليست مسألة فلسطينية بحتة، وانما مسألة عربية إسلامية مسيحية ايضاً، مما دفع كلينتون للاتصال مع عدد من الرؤساء العرب لحث أبو عمار على التجاوب مع المقترحات الأميركية الإسرائيلية، ولكن الزعماء العرب والمسلمين دعموا موقف أبو عمار حيال قضية القدس، ان لم نقل انهم تواروا وراء الموقف الفلسطيني.
يؤكد حمادة فراعنة انه لم يسبق للولايات المتحدة أن كانت سياسة إدارتها واضحة وجلية وإيجابية لصالح الشعب الفلسطيني، كما كانت عليه في مؤتمر أنابوليس الذي التأم برعاية الرئيس جورج بوش الابن، وفق ما عبرت عنه الجهود الحثيثة، التي بذلتها الوزيرة كونداليزا رايس، حيث تم افتتاح المؤتمر بحضور رسمي عربي ودولي واسع، وانعقد مؤتمر انابوليس يوم 27/11/2007،
في خطابه أمام المؤتمر الذي عُقد في القاعدة البحرية أنابوليس في ولاية ميرلاند الأميركية أعلن الرئيس بوش ان " هدفنا في أنابوليس ليس إبرام اتفاق بل مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأن حصيلة المفاوضات التي يتم إطلاقها، تعتمد على الإسرائيليين والفلسطينيين أنفسهم، ويجب على الإسرائيليين أن يقوموا بدورهم، يجب أن يُبينوا للعالم أنهم مستعدون للبدء بوضع حد للاحتلال الذي بدأ عام 1967، من خلال تسوية سيتم التوصل إليها بالمفاوضات، هذه التسوية ستؤدي إلى قيام فلسطين كوطن للفلسطينيين مثلما أن إسرائيل هي وطن للشعب اليهودي ".
وهكذا سارت المفاوضات وقطعت أشواطاً محسوبة بين طرفي التفاوض، ولكن وقع ما لم يكن متوقعاً، فقد تمت إزاحة رئيس حكومة المستعمرة أولمرت من رئاسة الحكومة بعد أن قدم استقالته يوم 21/9/2008، ثم جرت محاكمته وسجنه على خلفية رشاوي كان قد تورط بها خلال رئاسته لبلدية القدس 1993 - 2003 قبل أن يتسلم رئاسة الحكومة في 2006، وهكذا سقطت حكومته وأغلق ملف التفاوض وجرى إلغاء كل ما تم التوصل على نحو صامت، وبعد ذلك تولى نتنياهو رئاسة الحكومة مرة اخرى في 20/2/2009، ورفض بدء المفاوضات في عهد الرئيس الأميركي أوباما خلال ولايتيه 2009 – 2016، من حيث انتهت بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الحكومة السابق يهود أولمرت.
وذكر حمادة فراعنة حينما تولى الرئيس الأميركي باراك أوباما ولايته الأولى يوم 20/1/2009، جاء متحمساً مثل أسلافه المتعاقبين على البيت الأبيض، آملاً ان يحظى بشرف إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فقرر يوم 25/1/2009، تعيين السيناتور جورج ميتشيل، مبعوثاً خاصاً له لرعاية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
في كانون ثاني 2010، طرحت الولايات المتحدة ورقة تفاهمات، تراجعت فيها عن هدف إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود معترف بها، بل إلى دولة ذات حدود مؤقتة لسنوات، مع رفض الإدارة الأميركية لأي شروط فلسطينية لاستئناف المفاوضات مع التلويح بعقوبات مالية ضد السلطة الفلسطينية.
انتهت تلك المفاوضات، التي عرفت باسم المفاوضات التقريبية، مع نهاية شهر نيسان 2014، دون نجاح يذكر، تماماً مثلما انتهت ولاية باراك أوباما مع نهاية العام 2016، بعد أن قدم للإسرائيليين مساعدات مالية بقيمة 38 مليار دولار لعشر سنوات تنتهي في العام 2028، الى جانب تقديم طائرات f35 الأكثر تطوراً في العالم ، ولكن إدارة أوباما وجهت قبل رحيلها لطمة سياسية لإدارة نتنياهو من خلال عدم استعمال حق النقض على قرار مجلس الأمن رقم 2334 الصادر يوم 23/12/2016 ، والذي يؤكد عدم شرعية الاستيطان في الضفة الفلسطينية والقدس .
وبذلك انتهت آخر المساعي الدبلوماسية الأميركية عند هذا الحد لإيجاد حل لأم القضايا في العالم العربي، واسدل الستار على جهود اميركا الخاصة بملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مخلفة خيبة امل شديدة في نفوس كل الذين عولوا على قدرة الدولة العظمى في احداث خرق طال انتظاره في هذه المنطقة التي شهدت خلال الحقبة الطويلة المشار اليها سابقاً سلسلة أخرى من المشكلات العويصة، والقضايا المتفجرة، وفي مقدمتها مشكلة الإرهاب والحرب على الإرهاب، ومعالجة قضية اللاجئين وتدفقاتهم إلى أوروبا وأميركا وتداعياتها ، الامر الذي حرف الأنظار وشتت الانتباه عن القضية المركزية الاولى في هذه المنطقة المضطربة تاريخياً.
وأنهى حمادة فراعنة عرضه التاريخي الموثق، بإطلالة سريعة على جهود ترامب التي خربت كل شيء، خاصة عندما بدأ بحصار مالي للفلسطينيين، بما في ذلك السلطة الوطنية والأونروا والمستشفيات، ناهيك عن اغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وبعد ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة للمستعمرة الاستيطانية، ونقل سفارة بلاده اليها، وفوق ذلك كله، طرح ترامب لما يسمى صفقة القرن، التي بدأت تطبيقاتها على الارض قبل ان يتم الإعلان عن بنود الصفقة المشؤومة ذاتها. نص المحاضره-----------------
حققت الصهيونية، مشروعها الاستعماري التوسعي الإسرائيلي على أرض فلسطين بفعل ثلاثة عوامل اساسية هي:
أولاً: مبادراتها النشطة منذ المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، ووضعها البرامج العملية والخطط الملائمة لتنفيذ برنامجها، واختيار الأدوات الملائمة، وتحديد الأطراف الداعمة المناسبة لتحقيق مشروعها ذاك.
ثانياً: تبني أغلبية المجتمع الدولي لمشروعها ودعم برنامجها، وخاصة من قبل أوروبا، عبر بريطانيا بقراراتها الانتدابية، وفرنسا بأسلحتها التقليدية والنووية، والمانيا عبر دفع اللاجئين اليهود وهروبهم نحو فلسطين، إضافة إلى تعويضاتها المالية لضحايا المذابح التي ارتكبتها النازية بحق اليهود، قبل أن تتبنى الولايات المتحدة المشروع الإسرائيلي بالكامل، وتقديم الدعم والحماية له.
ثالثاً: الاستثمار المكثف في حالة الضعف العربي، وتعظيم المنافع من عدم قدرة العرب على مواجهة بريطانيا والصهيونية، والقرار الدولي الداعم للمشروع الصهيوني.
وما أنا بصدده هنا ، هو التركيز على العامل الثاني ، وأهميته ، ودور الولايات المتحدة عبر مبادرات الرؤساء الأميركيين المتعاقبين ومبادراتهم منذ رونالد ريغان وحتى يومنا هذا ، عبر عرض تاريخ مكثف لمرحلة زمنية تمتد نحو اربعة عقود حافلة بالأحداث والوقائع والتطورات المتلاحقة، على صعيد القضية الفلسطينية، التي دخلت في غضون هذه الحقبة المديدة منعطفاً احسب انه الاكثر أهمية في تاريخ الكفاح الوطني لشعب اجرى تحولاً كبيراً في مساره النضالي، عندما عادت القيادة الفلسطينية من منفاها الاجباري الى حضن شعبها، ووضعت اول قدم لها على اول ارض متاحة من ترابها الوطني، ومباشرتها بناء اول سلطة وطنية منتخبة، حيث اسست شرعيتها الديمقراطية بديلاً عن شرعية ثورية كانت ملائمة تماماً لزمان مضى ، بعد كل التغيرات والتحولات التي شهدها الاقليم ومر بها العالم اثر انتهاء عصر الحرب الباردة مطلع تسعينات القرن العشرين.
وكي نقف على المجرى الرئيس لكل هذه التطورات العاصفة، بين نهاية قرن وبداية آخر، لا بد من الامساك برأس الخيط الاول، ان لم نقل الفاتحة الاولى لهذا الفيض العارم من المحطات والاحداث ذات المغزى، تلك التي بدأت في عهد رونالد ريغان 1981 - 1989، كما قلنا من قبل، ولم تضع اوزارها بعد في زمن دونالد ترامب 2017 ، أي على مدى نحو خمسة وثلاثين عاماً، تطور خلالها الموقف الأميركي ولم يتبدل في العمق كثيراً، سواء خلال ولاية جورج بوش الأب 1989 – 1993 ، وولايتي بيل كلينتون 1993 -2001، وولايتي جورج بوش الابن 2001 - 2009، حتى ولايتي باراك أوباما 2009 - 2016، إلى ارتداد اميركي الى الخلف في عهد ترامب الحالي، هذا العهد الذي تراجع عن الخط الرئيس الناظم للسياسات الاميركية طوال عهود الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين، حيث تخلى عن خيار حل الدولتين، وبات اشد تنكراً لحقوق الشعب الفلسطيني كما أقرتها قرارات الأمم المتحدة، وانحاز كلياً لوجهة نظر سدنة مشروع الاستعمار التوسعي الإسرائيلي بنهجه اليميني المتطرف وغلوائه الديني المتشدد.
مبادرة ريغان
منذ خطاب رونالد ريغان يوم الأول من أيلول سبتمبر 1982، وكان ذلك في اعقاب الغزو الاسرائيلي لبيروت، وحتى إعلان دونالد ترامب يوم 6/12/2017، اعترافه بالقدس الموحدة عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها، كأول خطوة عملية من خطوات صفقة القرن، كان الخط البياني لسياسة اميركا في العالم العربي يُظهر ميلاً متنامياً لصالح موقف المستعمرة الاسرائيلية، كما راح يتبنى مواقفها بصورة تلقائية، ويقدم لها التغطية الدبلوماسية الكاملة داخل مجلس الامن وخارجه، الى ان بلغ الامر حد التطابق الكامل بين سياسات الاحتلال العنصري، تحت قيادة عصابة من الساسة المتطرفين وجماعات مهووسة من المستوطنين، وبين سياسة الدولة العظمى في عهد ترامب، الذي يوصف في اوساط اليمين المتطرف كهدية الرب لإسرائيل – المستعمرة .
منذ خطاب ريغان ، حين طرح اول " مبادرة سلام أميركية لشعوب الشرق الأوسط " تلك التي سميت بمبادرة ريغان، إلى مبادرة " صفقة العصر" التي بدأ ترامب تنفيذها بسلسلة إجراءات تستهدف القدس واللاجئين، وشطب قضايا الحل النهائي المؤجلة عن جدول أعمال أي مفاوضات محتملة، إلى تطويق منظمة التحرير وتجفيف مواردها، وإضعاف سلطتها الوطنية، بدءاً من مؤتمر الرياض لقمة البلدان الإسلامية مع الرئيس ترامب يوم 22/5/2017، إلى مؤتمر وارسو في بولندا يوم 13/2/2019، وعقد ورشة المنامة الاقتصادية يوم 25/6/2019، ترويجاً للشق الاقتصادي لمضمون مبادرته ، منذ ذلك الوقت ظلت السياسة الأميركية تواصل نهجها المنحاز في دعم وإسناد احتلال فلسطين، ومنع أهلها من النضال، ووضع العراقيل أمام استعادة حقوقهم .
في مبادرة عام 1982، وهي اول مبادرة تحمل اسم رئيس اميركي، رسم رونالد ريغان ملامح خطته على نحو عام، واقام قاعدتها على سبعة مبادئ بنى عليها الحل الذي يقترحه، وهذه المبادئ هي:
1 – " الأمن الذي تتطلع إليه إسرائيل – المستعمرة - لا يمكن تحقيقه إلا من خلال سلام حقيقي ، 2– أن التطلعات السياسية للشعب الفلسطيني مرتبطة ارتباطا لا ينفصم بحق إسرائيل – المستعمرة - في مستقبل أمن ، 3– إسرائيل – المستعمرة، حقيقة واقعة وراسخة وشرعية داخل المجتمع الدولي، 4– إن السلام والعدل لا يمكن تحقيقهما إلا عن طريق المفاوضات المباشرة والمنصفة والشاقة، 5– لإسرائيل – المستعمرة حق الوجود وراء حدود آمنة يمكن الدفاع عنها، 6- لا عودة إلى حدود ما قبل عام 1967، 7– إن قضية الفلسطينيين أكثر من مسألة لاجئين " .
واستناداً إلى هذه المبادئ وضع الرئيس ريغان سياسته من ثمانية نقاط لبلوغ الحل من وجهة نظره، وأبرز ما فيها: " إقامة حكم ذاتي كامل للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. لا يمكن تحقيق السلام عن طريق إقامة دولة فلسطينية مستقلة في هاتين المنطقتين (أي في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة). كما لا يمكن تحقيقه عن طريق ممارسة إسرائيل – المستعمرة - سيادتها أو سيطرتها الكاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة. الولايات المتحدة لن تؤيد إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، ولن تؤيد ضمها أو السيطرة الكاملة عليها من جانب إسرائيل – المستعمرة. بقاء مدينة القدس غير مجزأة إلا أن وضعها النهائي يجب أن يتقرر بالتفاوض. "
هذه السياسة التي وضعها رونالد ريغان للولايات المتحدة، شكلت القاعدة السياسية لتعامل واشنطن مع طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
مؤتمر مدريد
منذ طرح مبادرة ريغان 1982، بقيت الوساطة والتدخلات الأميركية دون فاعلية يعتد بها، حيث لم تقترب المداولات الدبلوماسية لإدارة ريغان من جوهر المسألة الفلسطينية، واظهرت واشنطن عجزها عن ايجاد أي حل قائم على " التوفيق بين المطالب الأمنية المشروعة لإسرائيل – المستعمرة – والحقوق المشروعة للفلسطينيين " أي على قاعدة الفهم الأميركي للصراع التاريخي، ورؤيته لحل هذا الصراع وفق ما قاله ريغان في خطابه يوم 1/9/1982 : " لا يمكن تحقيق السلام عن طريق إقامة دولة فلسطينية مستقلة، كما لا يمكن تحقيقه عن طريق ممارسة إسرائيل - المستعمرة - سيادتها أو سيطرتها على الضفة الغربية وقطاع غزة، ولذلك لن تؤيد الولايات المتحدة إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولن تؤيد ضمها أو السيطرة الكاملة عليهما من جانب – المستعمرة – إسرائيل " .
في 6 أذار 1991، أي بعد نحو عقد من الزمن، وكان ذلك في اعقاب حرب الكويت، ألقى جورج بوش الأب الفائز في انتخابات الرئاسة حديثاً، خطاباً أمام مجلسي النواب والشيوخ قال فيه " آن الأوان لإنهاء النزاع في الشرق الأوسط على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338، ومبدأ الانسحاب مقابل السلام، الذي ينبغي أن يوفر الأمن والاعتراف بإسرائيل – المستعمرة – واحترام الحقوق المشروعة للفلسطينيين ".
وعلى أرضية هذا الخطاب الذي بدا وكأنه ترضية لحلفاء اميركا العرب، ممن شاركوها في الحرب ضد العراق، تحرك وزير الخارجية جيمس بيكر لعقد اول مؤتمر سلام من نوعه بين العرب والاسرائيليين، الى ان نجحت جهود الوزير الاميركي في عقد مؤتمر مدريد يوم 30/10/1991، بحضور عربي ودولي لا سابق له، حيث حددت الولايات المتحدة في حينه مضمون المؤتمر وأهدافه سلفاً، وذلك عبر رقاع الدعوة الموجهة لطرفي الصراع العربي الإسرائيلي ولباقي الأطراف الدولية التي حضرت، وكانت كما يلي:
1 – " التسوية يجب أن تكون على أساس قراري مجلس الأمن الدولي رقم 242 و338، ومبدأ الأرض مقابل السلام. 2- الهدف الأساسي من المفاوضات هو ارساء سلام حقيقي وتوقيع اتفاق سلام وإقامة علاقات دبلوماسية بين المستعمرة - إسرائيل - والدول العربية. 3- المفاوضات بين الأطراف سوف تكون مباشرة. 4- أي طرف لن يجبر على التفاوض مع من لا يرغب في التفاوض معه. 5- الولايات المتحدة لا تؤيد إقامة دولة فلسطينية مستقلة. 6- الولايات المتحدة لا تؤيد الربط بين المفاوضات في المسارات المختلفة، تتم المفاوضات بسرعة من أجل التوصل إلى اتفاقيات. 7- تؤيد مشاركة الفلسطينيين في المؤتمر عن طريق وفد أردني – فلسطيني مشترك، بشرط أن يكون الفلسطينيون من الداخل ".
وانقسم المؤتمر إلى مسارين:
أولهما: المفاوضات الثنائية برعاية الولايات المتحدة. وقد عقدت ثماني جولات في واشنطن، كان أخرها يوم 7/12/1992، بين وفد المستعمرة الإسرائيلية وبين الوفود العربية الثلاثة كل على حده : 1 – الوفد المشترك الأردني الفلسطيني، 2 – الوفد السوري، 3 – الوفد اللبناني .
وقد برزت عقبتان في وجه المفاوضات الأولى، حيث إصر وفد المستعمرة الإسرائيلية على اجراء المفاوضات الثنائية بالتناوب ما بين فلسطين المحتلة والدول العربية، بينما طالبت الدول العربية اجرائها في مدريد، أما العقبة الثانية فقد كانت بسبب طلب الجانب السوري أن يحضر مندوبون أمريكيون وسوفيات المحادثات السورية – الإسرائيلية، بينما رفضت المستعمرة ذلك. وتم الاتفاق في النهاية، على أن تعقد جولات التفاوض في العاصمة الأمريكية واشنطن، وفي 10/12/1991، عقدت الجولة الثانية من المفاوضات الثنائية بين وفد المستعمرة ووفد أردني – فلسطيني مشترك، وبين وفد المستعمرة وكل من سوريا ولبنان، وكانت مفاوضات إجرائية أكثر منها سياسية.
وعقدت الجولة الثالثة يوم 13/1/1992، وهيمن عليها قضايا الاستيطان الإسرائيلي في سلوان بالقرب من القدس، وطرد 12 فلسطينياً، والجولة الرابعة يوم 24/2/1992، تم فيها تبادل وثيقتين رسميتين، احداهما فلسطينية بعنوان (خطة موسعة: ترتيبات فترة الحكومة الذاتية الانتقالية، تصورات اجراءات تمهيدية وكيفية الانتخابات)، والوثيقة الثانية إسرائيلية، بعنوان (افكار من أجل التعايش السلمي في الأراضي خلال الفترة الانتقالية)، وعقدت الجولة الخامسة يوم 27/2/1992، قدم فيها الوفد الاسرائيلي اقتراحا للوفد الفلسطيني بإجراء انتخابات بلدية في الأراضي الفلسطينية، وقدم الوفد الفلسطيني اقتراحا بإلغاء الأمر العسكري الاسرائيلي رقم 291، الصادر في عام 1968، الذي علقت بمقتضاه عمليات تسجيل العقارات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الجولة السادسة عقدت في الفترة من 24/8 إلى 24/9/1992، بعد وصول اسحق رابين لرئاسة الحكومة الإسرائيلية خلفا لشامير، وقدم وفد المستعمرة وثيقة جديدة بعنوان (المجلس الإداري لترتيبات الحكومة الذاتية الانتقالية: نظرة عامة) لم تختلف في مضمونها عن مضمون الوثيقة التي قدمتها حكومة شامير في الجولة الخامسة. ولهذا فقد رفضها الوفد الفلسطيني، وأصر على أن يكون قرار مجلس الأمن الدولي 242، هو المرجعية الأساسية لمفاوضات الوضع النهائي والفترة الانتقالية.
الجولة السابعة عقدت ما بين 21/10-30/11/ 1992، حيث أصر الجانب الفلسطيني على الحصول على توضيحات اسرائيلية في شأن تنفيذ القرار رقم 242، ولكن الوفد الاسرائيلي طالب ببدء المفاوضات في شأن ترتيبات الحكم الذاتي فقط، من دون البحث في الوضع النهائي للضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين.
وقدم الوفد الإسرائيلي في الجولة الثامنة والأخيرة، التي انعقدت في 7/12/1992، وثيقة جديدة بعنوان (توليف غير رسمي بالأفكار الإسرائيلية في شأن تصور ترتيبات فترة الحكومة الذاتية الانتقالية)، رفضها الوفد الفلسطيني لأنها بحثت في الفترة الانتقالية والحكم الذاتي الانتقالي، ولم تتطرق لمصير الأراضي الفلسطينية في المرحلة النهائية.
ولم تحرز مفاوضات واشنطن التي استمرت عامين، أي تقدم، الا أن الوفد الفلسطيني استطاع أن يستقل في مفاوضاته مع الاسرائيليين عن مظلة الوفد الأردني.
وثانيهما: محادثات متعددة الأطراف عقدت جولتها الأولى في موسكو يوم 28/1/1992، انبثقت عنها خمسة لجان هي: 1- لجنة البيئة ومنسقها اليابان. 2- لجنة الأمن ومراقبة التسلح ومنسقها الولايات المتحدة وروسيا. 3- لجنة اللاجئين ومنسقها كندا. 4- لجنة التنمية الاقتصادية ومنسقها الاتحاد الأوروبي. 5- لجنة المياه ومنسقها الولايات المتحدة. واتفق على أن تدير هذه اللجان الخمس لجنة التوجيه برئاسة الولايات المتحدة، ولكن سوريا ولبنان ومنظمة التحرير قاطعتها بسبب عدم إحراز أي نتائج في المفاوضات الثنائية في واشنطن، باستثناء انفصال المسار الفلسطيني عن المسار الأردني، والتوصل إلى جدول أعمال أردني إسرائيلي، تمهيداً لمعاهدة وادي عربة، وبذلك توقفت المفاوضات المتعددة الأطراف وسجلت جولة موسكو أنها الجولة اليتيمة التي لم تتكرر.
اتفاق أوسلو
الشيء المؤكد أن مبادرة ريغان 1982، كانت نتيجة اجتياح العدو الإسرائيلي لجنوب ووسط لبنان واحتلال بيروت وخروج قوات منظمة التحرير وتوزيعها على البلدان العربية من اليمن شرقاً حتى الجزائر غرباً وما بينهما، فعمل ريغان على استثمار نتائج الاجتياح الإسرائيلي وتوظيفه لصالح العدو الإسرائيلي.
والشيء المؤكد أكثر أن مؤتمر مدريد 1991، الذي دعا له الرئيس جورج بوش مباشرة تم بعد حدثين كبيرين : أولهما على المستوى الإقليمي، وثانيهما على المستوى الدولي، فقد تم اولاً بعد وقف إطلاق النار في العراق واحتلاله وحصاره، وثانياً بعد انتهاء الحرب الباردة وهزيمة الشيوعية والاشتراكية وسقوط الاتحاد السوفيتي لصالح المعسكر الأميركي، فالنتائج التي حققها الأميركيون دولياً بإزالة المعسكر المنافس وتلاشيه، وتدمير العراق وإزاحته، دفعت جورج بوش الأب للعمل على ترسيم هذه النتائج واستغلالها وتوظيفها، لصالح تعزيز نفوذ وقوة وشرعنه المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي على أرض فلسطين .
بخلاف ذلك، وعلى أرضية الانتفاضة الشعبية الفلسطينية التي انفجرت في وجه الاحتلال ومؤسساته عام 1987، اضطر إسحق رابين، ولأول مرة، في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلى قبول التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية والاعتراف العلني بالعناوين الثلاثة:
1 – الشعب الفلسطيني، 2 – منظمة التحرير الفلسطينية، 3 – بالحقوق السياسية المشروعة للفلسطينيين، وعلى أرضية هذا الإقرار تم التوصل إلى اتفاقية أوسلو والتوقيع عليها في ساحة الورود في البيت الأبيض يوم 13/9/1993، والتي تضمنت المبادئ المتفق عليها التالية:
هدف المفاوضات: " تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية ذاتية، للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة لمرحلة انتقالية لا تتعدى خمس سنوات، وتؤدي إلى تسوية نهائية مبنية على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338 "
وعن أهمية الانتخابات المزمعة تحدث اتفاق اوسلو: " حتى يتمكن الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة من حكم أنفسهم وفق المبادئ الديموقراطية، سيتم إجراء انتخابات سياسية عامة مباشرة وحرة لانتخاب المجلس – السلطة الفلسطينية ". " تشكل هذه الانتخابات خطوة أولية انتقالية مهمة باتجاه الاعتراف بالحقوق الشرعية، والمطالب العادلة للشعب الفلسطيني ".
وعن ولاية المجلس تحدث الاتفاق: " تشمل ولاية المجلس – السلطة الفلسطينية - منطقة الضفة الغربية وقطاع غزة، باستثناء قضايا سيتم التفاوض عليها في مفاوضات الوضع النهائي " والقضايا المؤجلة تشمل " القدس، اللاجئين، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران أخرين وقضايا أخرى ذات أهمية مشتركة ".
وعلى أساس هذا الاتفاق تم الانسحاب الإسرائيلي التدريجي متعدد المراحل من المدن الفلسطينية، بدءاً من غزة وأريحا أولاً، باستثناء: القدس والمستوطنات والحدود، وتم تشكيل مجلس السلطة الفلسطينية كخطوة أولى إلى أن جرت انتخابات رئيس السلطة والمجلس التشريعي يوم 20/1/1996، والسماح بعودة حوالي 350 ألف فلسطيني خلال السنوات الخمس الانتقالية ما بين 1994 – 1999.
لم يرق لكل من اليمين الإسرائيلي المتطرف، والاتجاه الديني المتشدد، هذا الاتفاق، ولذلك وصفوا إسحق رابين على أنه خائن تنازل عن " أرض إسرائيل " للأعداء الفلسطينيين، وادى ذلك الى اغتيال اول رئيس وزراء اسرائيلي بيد اسرائيلية يوم 4/11/1995، كما فشل نائبه شمعون بيرس في انتخابات الكنيست يوم 17/5/1996، ليقود المستعمرة الإسرائيلية منافسه اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو، وينجح فيما بعد في تقويض اتفاق أوسلو وعرقلة خطواته وتجميدها، وأكمل شارون من بعده المهمة، وهو الذي أعاد احتلال المدن الفلسطينية عام 2002، تلك المدن التي سبق ان انحسر عنها الاحتلال في وقت سابق، ومن ثمة محاصرة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات واغتياله، ورحيل هذا القائد الشجاع يوم 11/11/2004.
نتائج الاتفاق
لم يكن اتفاق أوسلو بمضمونه ونتائجه نموذجياً يمكن المباهاة به وبما حققه لصالح الشعب الفلسطيني على طريق استعادة حقوقه، ففعل الانتفاضة كان مؤذياً للاحتلال، ولكنه لم يكن حاسماً في تغيير المعادلة القائمة، ولذلك حققت الانتفاضة ما حققت استنادا إلى موازين القوى المائل لصالح العدو الإسرائيلي، إضافة إلى الحصار المالي والسياسي المتعمد المفروض على منظمة التحرير أنداك، وعليه، وبناء على المعطيات الحسية وجد ياسر عرفات في هذا الاتفاق نافذة لتحقيق غرضين : أولهما فك الحصار المالي والسياسي، وثانيهما الانتقال إلى فلسطين والعمل من هناك، وهذا ما تحقق بالفعل .
في شهر أيلول 1993، بعد توقيع وثيقة الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير والمستعمرة الإسرائيلية يوم 9/9/1993، والتي تنقل بها وزير الخارجية النرويجي ما بين تونس وتل أبيب، وقبل الذهاب إلى واشنطن لتوقيع اتفاق أوسلو، عقد المجلس المركزي الفلسطيني اجتماعاً في تونس لمناقشة الاتفاق وإقراره تمهيداً للتوقيع عليه رسمياً، حيث افتتح الاجتماع أبو عمار وتناوبت القيادات الفلسطينية في الحديث عن مساوئ أوسلو، وبعد أكثر من ثلاث ساعات، بعد أن أنهى القادة الفلسطينيون نقدهم لأوسلو، علّق أبو عمار على خطاباتهم بقوله : " ده بس مساوئ أوسلو، أوسلو أسوأ من كده بكثير"، وسأل عن المسافة ما بين تونس والقدس، ومن ثم سأل من هي المدن الأقرب إلى القدس : " هل هي تونس أو الجزائر أو القاهرة أو دمشق وبغداد وعمان، أم هي غزة وأريحا ؟؟ ثم أجاب أنا ذاهب إلى غزة وأريحا وهي أقرب إلى القدس، ومن يرغب بالذهاب معي فأهلاً وسهلاً، ومن لا يرغب فله الحرية التي يستحقها ".
في اجتماع المجلس المركزي ثم تم عرض الاتفاق الذي حظي بـ 87 صوتاً من أصل 113 من عدد الحضور، وهكذا أقر المجلس المركزي اتفاق أوسلو، الذي يعتبر أخر إنجاز كبير حققه الرئيس الراحل ياسر عرفات المتمثل بنقل الموضوع الفلسطيني وعنوانه من المنفى إلى الوطن، وفي ذلك الاجتماع نبه محمود عباس إلى أهمية اتفاق أوسلو ومخاطره في نفس الوقت، بقوله: سنكون أمام مفترق طُرق، إما أن نسير باتجاه الحرية والاستقلال أو نسير باتجاه تكريس الاحتلال، وهذا يعتمد على طريقة عملنا ومجمل أدائنا، كما قال.
اتفاق أوسلو لم يكن مكسباً فلسطينياً خالصاً وحسب بل تحول إلى أداة ضاغطة على الفلسطينيين، ومكسباً للعدو الإسرائيلي، لخصته تسيفي ليفني أمام مؤتمر معهد الدراسات الأمنية التابع لجامعة تل أبيب يوم 8/10/2018، بقولها: " يجب أن نكون ممتنين كل يوم لأوسلو، مليوني فلسطيني ليسوا مسؤوليتنا، وينطبق الشيء نفسه على مليوني فلسطيني في قطاع غزة بسبب فك الارتباط ".
واليوم، بعد ربع قرن تحولت السلطة في رام الله، والسلطة في غزة إلى أدوات موظفة لتوفير الأمن للعدو الإسرائيلي، عبر التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب، والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب، وحولت السلطة فصيلي فتح وحماس إلى وعاء للتوظيف الإداري وباتت السلطة أسيرة لخيارات الإسرائيليين ومصالحهم الأمنية، رغم التناقض البائن في المصالح بين المشروعين الوطني الديمقراطي الفلسطيني وبين المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي.
قمة كامب ديفيد
بمقتل إسحق رابين يوم 4/11/1995، وفشل شمعون بيرس في الانتخابات يوم 17/5/1996، يكون قد غاب الشريك الإسرائيلي عن مواصلة تنفيذ خطوات أوسلو التدريجية، وقد جاء من بعدهما نتنياهو 1996 – 1999، الذي عطل تنفيذ الخطوات ورفض التجاوب مع الاستحقاقات الفلسطينية المطلوبة، ومن بعده جاء يهود براك في 17/5/1999، الذي رفض أيضاً استكمال خطوات المرحلة الانتقالية مشترطاً ربطها بحل قضايا المرحلة النهائية دفعة واحدة وهي: القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود، والدفع باتجاه التوصل إلى الحل الشامل.
نجح يهود براك في إقناع الرئيس الأميركي بيل كلينتون في عقد مؤتمر كامب ديفيد يوم 11 تموز سنة 2000، رغم المطالبة الفلسطينية الملحة بضرورة تنفيذ قضايا المرحلة الانتقالية واستكمال الانسحاب الإسرائيلي من باقي مدن وقرى الضفة الفلسطينية قبل عقد المؤتمر، ولكن إلحاح براك واستجابة كلينتون الذي توهم أنه يستطيع دخول التاريخ كصانع سلام لقضية معقدة لم يستطع أحد حلها من قبله، بدلاً من أن يرحل وهو حامل مفاسد شخصية تورط بها مع سكرتيرته، وكان يتوهم مع براك أن الضعف الفلسطيني سيدفع الرئيس الراحل ياسر عرفات للتجاوب مع الضغوط والتوصل إلى حل ينسجم والأطماع التوسعية الاستعمارية الإسرائيلية، ولا يتفق مع حقوق الشعب الفلسطيني .
حاول أبو عمار قبل سفره إلى واشنطن الاستعانة بالعرب والتسلح بموقف عربي موحد تجاه قضايا القدس واللاجئين والحدود، عبر قمة عربية موسعة أو مصغرة ولكن لم يتجاوب معه أحد، وغادر إلى العاصمة الأميركية مدركاً حجم المخاطر والمسؤوليات التاريخية المترتبة عليه كقائد للشعب الفلسطيني والأمين على حقوقه الوطنية.
في كامب ديفيد انقسم الوفدان الإسرائيلي والفلسطيني إلى ثلاثة لجان تولى محمود عباس رئاسة لجنة اللاجئين، وياسر عبد ربه رئاسة لجنة القدس ومحمد دحلان رئاسة اللجنة الأمنية عن الجانب الفلسطيني، وقد أخفقت كل هذه اللجان في التوصل إلى تفاهمات أو إلى عقد أي اتفاق، ومورست الضغوط على الرئيس عرفات ولكنه صمد متمسكاً بقرارات الشرعية الدولية: 1 - بالسيادة الفلسطينية الكاملة على القدس، و2 - حق اللاجئين بالعودة، و3 - إزالة المستوطنات، و4 - بالانسحاب إلى حدود عام 1967.
أكد أبو عمار طوال ايام انعقاد مؤتمر كامب ديفيد أن مسألة القدس ليست مسألة فلسطينية بحتة، وانما مسألة عربية إسلامية مسيحية ايضاً، مما دفع كلينتون للاتصال مع عدد من الرؤساء العرب لحث أبو عمار على التجاوب مع المقترحات الأميركية الإسرائيلية، ولكن الزعماء العرب والمسلمين دعموا موقف أبو عمار حيال قضية القدس، ان لم نقل انهم تواروا وراء الموقف الفلسطيني.
وهكذا فشلت قمة كامب ديفيد فشلاً مدوياً، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة من الصراع، حيث عاد أبو عمار محمولاً على اكتاف مستقبليه، حاملاً في رأسه خلاصة مفادها ضرورة استمرار النضال بهدف تحسين موازين القوى، فقرر العمل مع حركة حماس يداً بيد، واطلق يد الأجهزة الأمنية لتنفيذ عمليات موجعة ضد الإسرائيليين، والبدء بانتفاضة ثانية ضد الاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعد تولي شارون رئاسة الحكومة الذي هزم براك في الانتخابات يوم 7/3/2001 ، وخلفه في تولي إدارة المستعمرة ، وقد دفع أبو عمار حياته 11/11/2004، وأحمد ياسين من قبله في 22/3/2004، وأبو علي مصطفى من قبلهما في27/8/2001 والعديد من قيادات الشعب الفلسطيني ثمنها، وكانت حصيلتها رحيل شارون عام 2005 عن قطاع غزة بعد فكفكة المستوطنات وإزالة قواعد جيش الاحتلال عن أرض غزة .
مؤتمر أنابوليس
لم يسبق للولايات المتحدة أن كانت سياسة إدارتها واضحة وجلية وإيجابية لصالح الشعب الفلسطيني، كما كانت عليه في مؤتمر أنابوليس الذي التأم برعاية الرئيس جورج بوش الابن، وفق ما عبرت عنه الجهود الحثيثة، التي بذلتها الوزيرة كونداليزا رايس، حيث تم افتتاح المؤتمر بحضور رسمي عربي ودولي واسع، ذلك المؤتمر الذي جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع رئيس حكومة المستعمرة الإسرائيلية يهود أولمرت الذي تولى رئاسة حكومة المستعمرة يوم 4/5/2006، بعد إصابة سلفه شارون بجلطة دماغية.
لقد انعقد مؤتمر انابوليس يوم 27/11/2007، وقد تمت الدعوة للمؤتمر على اساس قاعدة تفاهمات سياسية متفق عليها، وهي خارطة الطريق التي سبق وأن توصلت إليه وصاغته اللجنة الرباعية الدولية المكونة من: الأمم المتحدة وروسيا وأوروبا والولايات المتحدة، يوم 30/4/2003.
في خطابه أمام المؤتمر الذي عُقد في القاعدة البحرية أنابوليس في ولاية ميرلاند الأميركية أعلن الرئيس بوش : « نجتمع اليوم لوضع حجر الأساس لإقامة دولة جديدة – دولة فلسطينية ديمقراطية ستعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل بسلام وأمان " وأن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي قرراً " البدء فوراً بمفاوضات ثنائية من أجل إبرام اتفاقية سلام لحل القضايا العالقة، والتي ستتضمن كل القضايا الجوهرية بلا استثناء بناء على ما تم التوصل إليه في اتفاقيات سابقة " وستجتمع لجنة توجيهية يوم 12/12/2007، سيتبعها مفاوضات ستجري مرة كل أسبوعين بين الرئيس عباس ورئيس الوزراء أولمرت، واتفق الطرفان على الوفاء بالالتزامات المنوطة بهم فوراً والواردة في خارطة الطريق والاستمرار في تحقيقها حتى الوصول إلى اتفاقية سلام يتم تنفيذها قبل نهاية عام 2008 ".
وهذا يعني كما قال الرئيس بوش : " هدفنا في أنابوليس ليس إبرام اتفاق بل مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأن حصيلة المفاوضات التي يتم إطلاقها، تعتمد على الإسرائيليين والفلسطينيين أنفسهم، ويجب على الإسرائيليين أن يقوموا بدورهم، يجب أن يُبينوا للعالم أنهم مستعدون للبدء بوضع حد للاحتلال الذي بدأ عام 1967، من خلال تسوية سيتم التوصل إليها بالمفاوضات، هذه التسوية ستؤدي إلى قيام فلسطين كوطن للفلسطينيين مثلما أن إسرائيل هي وطن للشعب اليهودي، يجب على إسرائيل أن تظهر دعمها لإقامة دولة فلسطينية مزدهرة وناجحة، وذلك من خلال إزالة جميع النقاط الاستيطانية غير المشروعة، ووضع حد لتوسيع المستوطنات، وإيجاد السبل للسلطة الفلسطينية لكي تمارس مسؤولياتها دون المساس بأمن إسرائيل ".
وخاطب بوش طرفي الصراع، وطرفي التفاوض بقوله:
" أتعهد بتكريس جهدي فيما تبقى لي من الوقت في ولايتي كرئيس، وان أقوم بكل ما هو مستطاع من أجل مساعدتكما على بلوغ الهدف المنشود، وأقدم لكما التزامي الشخصي بدعم عملكما من خلال موارد وقرارات الإدارة الأميركية " وختم خطابه قائلاً:
« سيأتي اليوم الذي سيتمتع به الفلسطينيون ببركات الحرية – كما سينعم جميع الإسرائيليين بالأمن الذي يستحقونه «.
وهكذا سارت المفاوضات وقطعت أشواطاً محسوبة بين طرفي التفاوض، ولكن وقع ما لم يكن متوقعاً، فقد تمت إزاحة رئيس حكومة المستعمرة أولمرت من رئاسة الحكومة بعد أن قدم استقالته يوم 21/9/2008، ثم جرت محاكمته وسجنه على خلفية رشاوي كان قد تورط بها خلال رئاسته لبلدية القدس 1993 - 2003 قبل أن يتسلم رئاسة الحكومة في 2006، وهكذا سقطت حكومته وأغلق ملف التفاوض وجرى إلغاء كل ما تم التوصل على نحو صامت، وبعد ذلك تولى نتنياهو رئاسة الحكومة مرة اخرى في 20/2/2009، ورفض بدء المفاوضات في عهد الرئيس الأميركي أوباما خلال ولايتيه 2009 – 2016، من حيث انتهت بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الحكومة السابق يهود أولمرت.
فشل جهود أوباما
تولى الرئيس الأميركي ولايته الأولى يوم 20/1/2009، فجاء متحمساً مثل أسلافه المتعاقبين على البيت الأبيض، آملاً ان يحظى بشرف إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فقرر يوم 25/1/2009، تعيين السيناتور جورج ميتشيل، مبعوثاً خاصاً له لرعاية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
أعلن ميتشيل الذي سبق له وأن سجل نجاحاً في تسوية القضية الأيرلندية، أن جهوده تهدف تنشيط المسارات الثلاثة: الفلسطيني الإسرائيلي، السوري الإسرائيلي واللبناني الإسرائيلي، وأنه سيعمل على تهيئة الأجواء لاستئناف المفاوضات بين أطراف الصراع العربي الإسرائيلي، وإن كان هناك خطوات صعبة يجب اتخاذها من قبل الأطراف بما في ذلك وقف النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية.
وأعلن ميتشل أن جهوده وفق رؤية إدارة الرئيس باراك أوباما لتحقيق السلام، تركز على مبدأ حل الدولتين، وأن أي اتفاق لا بد أن يمر عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وخلال زيارته الأولى لفلسطين في شهر نيسان 2009، وقبل أن يستقبله رئيس حكومة المستعمرة، أعلن نتنياهو عدم التزامه بمسألة حل الدولتين، وعدم قبوله للتفاهمات التي تم التوصل إليها في مؤتمر أنابوليس برعاية جورج بوش الابن بين الرئيس الفلسطيني ورئيس حكومة المستعمرة يهود أولمرت.
في أيلول 2009، جمع الرئيس أوباما في نيويورك الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع رئيس حكومة المستعمرة نتنياهو. لم تسفر عن نتائج إيجابية، كما التقت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون مع وزراء خارجية الأردن ومصر والعراق ووزراء خارجية المجموعة الخليجية الستة، مجتمعين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وحثتهم على إقناع الفلسطينيين باستئناف المفاوضات بدو اشتراط وقف الاستيطان، بعد أن اعترف الوسيط ميتشيل استمرار الصعوبات التي تواجه استئناف المفاوضات.
في كانون ثاني 2010، طرحت الولايات المتحدة ورقة تفاهمات، تراجعت فيها عن هدف إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود معترف بها، إلى دولة ذات حدود مؤقتة لسنوات، مع رفض الإدارة الأميركية لأي شروط فلسطينية لاستئناف المفاوضات مع التلويح بعقوبات مالية ضد السلطة الفلسطينية.
في شهر أيلول 2010، جمع الرئيس أوباما في لقاء قمة ضم نتنياهو من طرف وقادة البلدان العربية الثلاثة: الأردن ومصر وفلسطين أسفرت عن استئناف المفاوضات المباشرة في كل من القدس وشرم الشيخ، شملت القضايا الجوهرية: القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والأمن، وخيمت الشكوك على مواصلتها بسبب رفض وفد المستعمرة تجميد الاستيطان، والإصرار الفلسطيني على الانسحاب من المفاوضات إذا لم يمدد تجميد الاستيطان.
في شباط 2012، أحبطت الولايات المتحدة مشروع قرار قدمته المجموعة العربية لمجلس الأمن يُدين الاستيطان في فلسطين، على أثر استخدام واشنطن حق النقض ضد القرار، وكشف أبو مازن لمجلة نيوزويك الأميركية أن الرئيس أوباما هدده بفرض عقوبات إذا واصل التمسك بقراره في إصدار إدانة دولية للاستيطان الاستعماري الإسرائيلي، وفي شهر أيار أعلن أوباما استقالة مبعوثه الخاص جورج ميتشيل وفشله في مسعاه وفي برنامج وساطته.
في حزيران 2012، طلبت الإدارة الأميركية من الرئيس الفلسطيني عدم التوجه إلى الأمم المتحدة للحصول على عضوية دولة فلسطين إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، ولكن القيادة الفلسطينية واصلت مساعيها ونالت بفضل دبلوماسيتها النشطة قرار الجمعية العامة لعضوية فلسطين كدولة مراقب يوم 29/11/2012، بأغلبية 139 صوتاً ضد عشر دول فقط، ولكنها أحبطت قبول فلسطين كدولة عضو عبر مجلس الأمن إلى الآن.
في 29 تموز 2013، استأنف المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون المفاوضات برعاية أميركية في واشنطن بعد جهد جهيد بذله وزير الخارجية جون كيري، حيث كانت تلك المفاوضات قد توقفت منذ عام 2010، وقد تم التفاهم على أساس ان تستمر اللقاءات مدة تسعة أشهر، وبالفعل فقد عقد المفاوضون 13 اجتماعاً متتالياً دون أن يتقدموا خطوة واحدة إلى الأمام، سواء نحو وقف الاستيطان، أو في الإفراج عن الوجبة الرابعة من الأسرى القدامى المعتقلين منذ ما قبل اتفاق أوسلو.
وهكذا انتهت تلك المفاوضات، التي عرفت باسم المفاوضات التقريبية، مع نهاية شهر نيسان 2014، دون نجاح يذكر كما سبق قوله آنفاً، تماماً مثلما انتهت ولاية باراك أوباما مع نهاية العام 2016، بعد أن قدم للإسرائيليين مساعدات مالية بقيمة 38 مليار دولار لعشر سنوات تنتهي في العام 2028، الى جانب تقديم طائرات f35 الأكثر تطوراً في العالم ، ولكن إدارة أوباما وجهت قبل رحيلها لطمة سياسية لإدارة نتنياهو من خلال عدم استعمال حق النقض على قرار مجلس الأمن رقم 2234 الصادر يوم 23/12/2016 ، والذي يؤكد عدم شرعية الاستيطان في الضفة الفلسطينية والقدس .
وبذلك انتهت آخر المساعي الدبلوماسية الأميركية عند هذا الحد لإيجاد حل لأم القضايا في العالم العربي، واسدل الستار على جهود اميركا الخاصة بملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مخلفة خيبة امل شديدة في نفوس كل الذين عولوا على قدرة الدولة العظمى في احداث خرق طال انتظاره في هذه المنطقة التي شهدت خلال الحقبة الطويلة المشار اليها سابقاً سلسلة أخرى من المشكلات العويصة، والقضايا المتفجرة، وفي مقدمتها مشكلة الإرهاب والحرب على الإرهاب، ومعالجة قضية اللاجئين وتدفقاتهم إلى أوروبا وأميركا وتداعياتها ، الامر الذي حرف الأنظار وشتت الانتباه عن القضية المركزية الاولى في هذه المنطقة المضطربة تاريخياً.