شريط الأخبار
وزير المالية السوري بعد رفع العقوبات الأميركية: سوريا أصبحت اليوم "أرض الفرص" الصفدي: بحث تفعيل آلية تحقيق التعاون الأردني العراقي المصري الرئيس السوري: لا أنسى ترحيب الملك وموقف الأردن من القضايا الساخنة الشرع يوجه كلمة للشعب السوري: تحررت البلاد وفرح العباد وصول طواقم المستشفى الميداني الأردني غزة/82 إلى أرض المهمة القوات المسلحة تنفذ عملية إجلاء طبي جديدة لأطفال مرضى بالسرطان من غزة اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين الأردن والإمارات تدخل حيز التنفيذ الخميس الشديفات: نعمل على خلق بيئة محفزة داخل المراكز الشبابية مباحثات أردنية مصرية عراقية موسّعة في إطار آلية التعاون الثلاثي حجب 12 موقعا أجنبيا تهاجم الأردن ورموزه (أسماء) ابو الفلافل.... الشباب والوطن..... كنا وكنا وفعلوا ودفعنا.... خروج الروسية ميرا أندرييفا من ربع نهائي بطولة روما وزير التجارة الروسي: التسويات مع مصر تتم بعيدا عن الدولار واليورو بوتين: علاقاتنا مع ماليزيا تاريخية ومتعددة الأبعاد رونالدو جونيور يحظى باهتمام 16 فريقا.. وريال مدريد يتجاهل نجل هدافه التاريخي منتدى قازان.. جسر روسي إسلامي يعزز التعاون الاقتصادي والثقافي أمير دولة قطر والرئيس الأمريكي يشهدان التوقيع على عدد من الاتفاقيات بين البلدين بينها دفاعية مدرب منتخب المغرب يعلق على مواجهة مصر في نصف نهائي كأس إفريقيا للشباب

الكتاب العربي الجديد في نسخته الصوتية

الكتاب العربي الجديد في نسخته الصوتية


القلعة نيوز-
لسبيلشهدت السنوات الأخيرة طفرة متسارعة في علاقة القارئ بالكتاب الورقي، وهي تجربة عصرية تواكب عالم التكنولوجيا لتقديم خدمة معرفية متعددة اللغات، حيث صار بإمكان القارئ النهم أن يمارس هوايته بشغف لكن ليس بالطريقة التقليدية.
لقد بدأ عصر القراءة بالاستماع لكتب رقمية «صوتية» تغني القارئ عن التحديق طويلا في السطور وحصر الاستفادة في أوقات الفراغ فقط، وبها انتقل من تقليب الصفحات إلى استخدام حاسة الاستماع والاستمتاع في كل وقت، بل صار بإمكان القارئ الآن أن يختتم كتابا كاملا في ساعات قليلة بدل استغراق أيام من القراءة.
وعلى الرغم من أن محبي القراءة التقليدية يعشقون رائحة الورق إلا أن القراءة بالاستماع وجدت رواجا واسعا لدى القارئ الذي يجيد لغات عالمية مثل الإنكليزية والإسبانية والفرنسية حيث صار الكتاب جزءً من تطبيق رقميّ في هاتفه المحمول يضم مئات المؤلفات دون أن يعاني من حملها، وصار لديه مِزوَد في حلّه وترحاله يمنحه التنوع في الانتقاء. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الكتاب في حلته الجديدة يعمل بنسختين اثنتين وهما إلكترونية ورقمية ويختلفان في منصة عرض الخدمة.
وقبل الحديث عن إنتاج الكتاب المسموع (وهو تخصص لا نعتقد أن القارئ العادي سيهتم كثيرا بتفاصيله) نرى أن نؤكد على أهمية هذا المشروع المعرفي في بُعديه المعنوي والمادي، فمثلا الشركات الغربية التي تحترف إنتاج الكتاب المسموع وتسعى للتفرد بالعناوين المميزة تعرف جيدا أهميته الاقتصادية وأبعاده الحضارية، ولعل من باب نجاحها أيضا أن عززت خدمتها باستقطاب أسماء شخصيات مشهورة لأداء دور راوي الكتاب؛ علاوة على انتقاء عناوين كتّاب بارزين.

لكن أين هو الكتاب العربي؟

إن للكتاب العربي تاريخا طويلا في مسيرته المعرفية، ولا يمكننا أن نهمل قيمة ما قدمه عبر الأزمان حتى صنع مكتبة ثرية قيّمة، لكن رغم اعتماد الكتاب العربي على واحدة من أقوى اللغات فصاحةً إلا أنه اليوم مازال يقف حائرا حيرة أهله وينتظر مبادرة جدية تنفض غبار الزمن عنه وتنقله إلى المكانة التي يستحقها. وإذا تأملنا في دور المكتبات العامة المكدّسة بالكتب والمخطوطات في الدول العربية فإننا نجد فعاليتها مقتصرة على من يقصدها من الزوّار فقط لأنها ببساطة تحولت عبر الزمن إلى مخازن تزينها الرفوف وربما يكسوها الغبار.
هناك أشياء لم تكن موجودة قبل عقدين من الزمن وهذه أهمها: ويكيبيديا 2001، سكايپ 2003، فايسبوك 2004، يوتيوب 2005، تويتر 2006، آي فون 2007، إنستغرام 2010، واتسآپ 2010، سناپشات 2011.. إن هذه كلها «بشكل أو بآخر» أثرت سلبا على القارئ والكتاب المطبوع عموما، ولعل أوضح مثال على ذلك هو القواميس التي يكاد القارئ يستغني عن نسخها الورقية بسبب توفر نسخ إلكترونية ورقمية عبر الإنترنت وهي عملية جدا من حيث الاستخدام والتحديث، لكن ماذا يعيق الكتاب العربي تحديدا عن دخول عالم التكنولوجيا الرقمية؟ وهل يمكننا حقا أن نقدمه في حلة عصرية فاعلة؟
لا نعتقد أن القارئ لهذه السطور يختلف معنا إن قلنا إن الدولة القوية هي التي تنجح في عولمة ثقافتها والتعريف بتاريخها وهوية شعبها والوصول إلى الأمم الأخرى، وهذا في نظرنا قد يتجاوز دور وسائل الإعلام التقليدية لأن الرؤية الطموحة للدولة المتحضرة تكمن في إخراج ما في بطون المكتبات الضخمة لمخاطبة الإنسانية جمعاء، إضافة إلى أن نشر المعرفة اليوم لم يعد يكتفي بالطرق التقليدية مثل انتظار روّاد المكتبات بل صار من الحكمة إيجاد البدائل للوصول بالمعرفة إلى الآخرين، ولا نعتقد أن هناك أسهل وأقرب وأذكى من اقتحام هواتف المتجولين لوضع بصمة معرفية مؤثرة، ويكفي دلالة على نجاعة هذه التجربة أن سبقتنا إليها شعوب أخرى فأبدعت.
ولمن يقرأ كلامنا هذا أن يعلم أننا لا نكتب من فراغ، فقد خضنا بفريق كامل تجربة إنتاج الكتب المسموعة خلال السنتين الأخيرتين، ونعي جيدا تحديات المشروع مما خبرناه في الميدان ولم تدونه عنه الكتب أو تتناوله الصحافة بعد، لكن تبقى التجربة العربية حديثة والمنافسة فيها ضعيفة مترددة.
لنركز الآن على تجربة الإنتاج التي تعنى بتحويل الكتاب العربي من مطبوع إلى مسموع. حسب بحث يخصنا في هذا المجال فقد سجلنا وجود مشاريع طموحة كانت سبّاقة في خوض التجربية عربيًا لكنها مازالت محدودة العدد والعُدّة.

أبرز المشاريع عربيّا

إن أبرز الشركات التي تحاول تقديم شيء على الساحة العربية اليوم مازالت في مهدها لأنها شركات ربحية سخرت معظم جهودها في التنافس على تحصيل عقود الملكية الفكرية للكتب، وعندما أرادت خوض تجربة الإنتاج وجدت صعوبة في تقديم ما يرقى لمستوى نخبتها المستهدفة، ويعود هذا إلى اعتماد معظمها على كفاءات بمواصفات خطأ، ولم تأخذ في الاعتبار أن هذا الإنتاج عمل إعلامي بحت وليس عملا طباعيا كما يبدو في ظاهره، وأنه إنتاج نصنعه كي يبقى وليس مجرد مقال صحفي عابر أو تقرير إعلامي منتهي الصلاحية، لذا غابت العناية الكافية والضرورية التي من شأنها إنتاج كتاب صوتي جيد.
لقد خاضت تلك الشركات الصغيرة تجربتها وحاولت تقديم منتج جاء تحت المتوسط في تقديرنا؛ لسبب مهني وجيه هو أنها لم تهتم بسلامة اللغة العربية في النطق والأداء والصحة، ربما لأنها تأثرت بالذوق العام الذي يستسهل ذلك. هناك مثلا من خاض التجربة في بلده فاهتم بالكمية التي ينتجها وأهمل الأداء إهمالا مطلقا، كما غلب على منتوجه لهجة تطغى على فصاحة اللغة، وبهذا جعل كل إنتاجه ذا بعد محلي. وهناك أيضا من اهتم بالأداء التمثيلي وسخّر له فنانين يحترفون التقمص والتلوين لكن غلب التصنع في قراءة النص على رواية المحتوى، وهناك من قدم نتيجة أضعف من هاتين بكثير.
ورغم عجزها عن تقديم نموذج مثالي بقيت تلك المشاريع تحاول الصمود أملا في الحصول على تمويل يدعمها أو جهة تتبناها، في حين اكتفى معظم المنتجين لها بتقديم نموذج يوحي بأنه كتاب كامل لكنه في الحقيقة بضع دقائق فقط قرئت من كل كتاب، ثم اكتفت بنشر نماذج كثيرة عبر تطبيقاتها الرقمية كي تكون واجهة عرض لا أكثر. وفِي نظرنا إن هذه الطريقة قد أبعدت الكتاب عن دوره المعرفي التثقيفي وأدخلته إلى بازار تجاري يسيء للفكرة النبيلة، وفِي موازاة تلك الجهود يواجه الإنتاج العربي عقبة كبيرة سببُها وجود خلل في عقود الملكية الفكرية (المملوكة لدى دور الطباعة والنشر) التي تنص على تنازل مؤلف الكتاب عن ملكية المطبوع فقط، وعندما دخل الكتاب المسموع الساحة العربية دفع مالكي الحقوق للمسارعة إلى إعادة صياغة العقود الجديدة والقديمة بإضافة بنود تخص الكتاب الرقمي.
من بين العثرات التي وقع فيها منتجو الكتاب العربي هو فتح مجال الابتكار في غير محله، فمثلا هناك من يضفي على صوت القارئ للكتاب إيقاعات موسيقية في الخلفية، وهناك من يعزز القراءة بأصوات أخرى لتوزيع الأدوار بين شخصيات متحاورة، وهي إضافات تخرج العمل الإبداعي من مواصفات الكتاب المسموع وتدخل به إلى عالم الإذاعة. ولنجاح هذه الطريقة يجب إخضاع كل منتج على حدة لمعايير تلتزم بمواصفات الكتاب المسموع المعمول بها عالميا.
هذا على صعيد الشركات الصغيرة، أما على صعيد المؤسسات الرسمية فلا توجد تجربة ناجحة حتى اليوم، نحن فقط أمام محاولات لم تصل حد خوض التجربة بجدية وهذا يعود لأسباب كثيرة.
قبل أن نسترسل في موضوعنا يجدر التأكيد أننا الآن نقدم قراءة تحليلية للتعريف بما هو موجود على الساحة الافتراضية ولسنا في صدد تقييمه أو انتقاده، لذا فإننا غير مضطرين لذكر اسم دولة بعينها مثلما تجنبنا ذكر أسماء المشاريع الصغيرة.. ومن هنا نقول:
هناك مؤسسة ذات بعد عالمي تابعةٌ لدولة عربية تهتم كثيرا بمجالات التعليم والمعرفة العصرية، وكان طبيعيا أن تتحمس لمشروع الكتاب المسموع فقررت أن تصنع مكتبة رقمية ضخمة تجعلها إنجازا عظيما يضاف إلى قائمة إنجازاتها الناجحة في مجالات الثقافة والمعرفة. أطلقت تلك المؤسسة العالمية قبل سنوات مبادرة لجمع المشاريع الشبابية الصغيرة وضمها تحت مشروع واحد لم يكتب له الظهور حتى اليوم. لقد كانت الفكرة طموحة جدا لكن طريقة تنفيذها كانت خطأ لأن هذه المؤسسة العالمية وقعت في تضليل تلك المشاريع الصغيرة، وهي محاولات شبابية من دول عربية عديدة كانت تعمل على زخرفة واجهة العرض لديها على الإنترنت فأوهمت من يتطلع إليها بأن لديها تجربة طويلة وخبرة ناجحة، لكنها في الحقيقة كانت مجرد تسجيلات بسيطة بلغة ركيكة هزيلة، والأهم أنها كانت تعمل دون الحصول على حقوق الملكية من أصحابها، وهذا مخالف للقوانين ويحكم على المشروع بالفشل الذريع.

الكتاب المسموع بطريقة مختلفة

وهناك مؤسسة عالمية أخرى تابعة لدولة عربية ذات اهتمام وشغف بمجالات التعليم والثقافة، وأبدت تميزا في كثير من الإنجازات المعرفية، هي بدورها تسعى لخوض تجربة الكتاب المسموع لكن بطريقة مختلفة: وهي تلخيص الكتاب أولا ثم تسجيل الموجز فقط. وفِي الحقيقة إن هذه الفكرة مميزة جدا وغير مسبوقة لأنها تشجع على القراءة وتسهل الاطلاع على مضمون الكتاب الأصلي بإيجاز، وأيضا تعطي الفرصة للقارئ كي يقرر لاحقا الاطلاع على الكتاب كاملا من عدمه، لكن الأهم هو أن فكرة تلك الملخصات تتيح فرصة الاطلاع على عدد كبير من الكتب في فترة وجيزة، وهذا يزيد من رصيد القارئ المعرفي، لكنها عمليا ستواجه عقبة كبيرة في مسألة الملخصات إذ هي طريقة يستحيل تطبيقها على جميع المؤلفات لا سيما الروايات والكتب التي تعتمد على بيانات أو صور، وتوجد تفاصيل كثيرة هنا لا تدرك إلا بخوض تجربة الإنتاج وبذل الكثير من الوقت والمال والجهد.
وبالرغم من أن هذه تعتبر أقوى فكرة بين كل ما طرح حتى الآن (لأنها تراعي تحديات العصر من ضيق الوقت لدى الناس وعدم صبرهم على كثرة القراءة) إلا أن المشروع لم ينطلق بعد لأنه بحاجة لمد جسر متين بين من يمتهن الطباعة والنشر ومن يحترف مهنة الإعلام الإذاعي، لكن تجب الإشارة هنا إلى ميزة إيجابية تخص المؤسسات الرسمية تحديدا وهي امتلاكها الحقوق الفكرية للأعمال المطبوعة، وهذا يغيّر الكثير.
وبعيدا عن المؤسسات الرسمية والمشاريع الصغيرة تعمل الآن أكبر شركة غربية في هذا المجال على دراسة جدية لدخول السوق العربية بقوة لكن خطتها حسب علمنا تشمل العناوين المترجمة حصرًا من اللغة الإنجليزية إلى العربية، ولن تخوض تجربة إنتاج كتب لمؤلفين عرب. وهكذا يبقي الكتاب العربي بعيدا عن أي اهتمام بتحديث حلته رغم وجود ملايين المطبوعات فوق رفوف المكتبات العامة في العواصم العربية.
إن الكتاب العربي يحتاج اليوم إلى نقلة نوعية من المطبوع إلى المسموع، نقلةٍ من كتاب نقلّب صفحاته إلى آخر نستمتع بنبراته، لكن الوصول بالكتاب إلى نسخته الصوتية يتطلب مهمة شاقة تحتاج لأن تُخدم بعناية وأمانة، وبحرَفية ومعرفة، ولا يكون التميّز في هذا المشروع المعرفي بالسبق بل بالصبر على ما يستغرقه الإنتاج من وقت وجهد حتى يكتمل في أبهى حلّة. وفي نظرنا فإن الكتاب العربي المسموع مقبلٌ على مستقبل واعد حيث تقام له المعارض وتُخصص له الجوائز مثل توأمه المطبوع، وحينها فقط سيبلغ مكانته الحضارية التي يستحقها بين أهله وبين الأمم الأخرى.

القدس العربي