
القلعة نيوز :
قبل نحو 5 قرون، كان أول ما يقع تحت أنظار زوار القاهرة التاريخية وسط العاصمة، قُبةَ مسجدٍ "كأنها صُنعت في السماء"، حسب وصف الرحالة العثماني الشهير أوليا جلبي (1611- 1684).
هذه القبة المبنية من الحجر يبلغ قطرها قرابة 15 مترًا، وتعلو مسجد "سنان باشا" في شارع "السنانية" الواقع بحي "بولاق" وسط القاهرة.
وحي بولاق كان به ميناء نهري ترسو فيه المراكب النيلية القادمة من محافظة الإسكندرية (شمال/تطل على البحر المتوسط)؛ حيث كانت الوسيلة الأكثر أمانا آنذاك، حسب تقرير سابق للتلفزيون المصري.
** الوالي سنان
ينسب شارع "السنانية" إلى سنان باشا بن علي بن عبد الرحمن، المولود عام 1506، أحد أعظم القادة العثمانيين الفاتحين، وهو ألباني الأصل، ناهز عمره الثمانين عامًا.
وعاصر الرجل 4 سلاطين بارزين هم: سليمان القانوني (ابن السلطان سليم الأول فاتح مصر)، وابنه سليم الثاني، ثم مراد الثالث، ثم ابنه محمد خان.
وتولى سنان باشا ولاية مصر مرتين، الأولى عام 1567 والثانية عام 1571، بخلاف توليه منصب الصدر الأعظم مرتين (منصب يعادل حاليًا رئيس وزراء، وكان يعد الرجل الثاني في الدولة العثمانية)، وفق معلومات تاريخية متطابقة.
ولم تقتصر حياة سنان باشا على الحياة السياسية وحسب، بل كان قائدًا عسكريًا مغرمًا بالأعمال الخيرية والمعمارية في أكثر من بلد مسلم.
ومن أبرز فتوحاته، تحرير تونس من الاحتلال الإسباني عام 1574، وقبلها قيادته حملة فتح اليمن عام 1569.
** السنانية.. إرث عثماني
كان شارع "السنانية"، يضم مسجدا وحماما يحملان اسمه، وثلاث خانات (أسواق)، وسبيل مياه وكُتابا وبيتا للسكن وآخر للقهوة.
لم يتبق من هذه المعالم سوى المسجد والحمام، والمسجد يعد الثاني من حيث النشأة في مصر بالعصر العثماني، بعد جامع سليمان باشا الخادم بقلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة والمعروف بسارية الجبل.
والمسجد بني عام 1571، بطول 35 مترا وعرض 27 مترا، وله قبة وصفها الرحالة أوليا جلبي، خلال رحلته إلى مصر بأنها "قبة كأنها صُنعت في السماء"، حسب ما هو مدوّن على أحد جدرانه.
وقبته يبلغ قطرها قرابة 15 مترا، وهي محلاة بـ16 نافذة مفرغة بالزجاج الملون.
ويعتبر تخطيط المسجد فريدا من نوعه مقارنة ببقية المساجد العثمانية في القاهرة؛ حيث لا يحتوي على حرم (فناء واسع).
ووفق مشاهدات، تتكون عمارته الخارجية من 4 واجهات حجرية، تطل إحداها على حديقة أشجار صغيرة.
وللمسجد مئذنة مشيدة من الحجر، بقاعدة مربعة وجسم إسطواني مضلع، وهي تشبه المآذن العثمانية في مدينة إسطنبول التركية، قريبة الشبة من قلم الرصاص.
ويقوم جسم المسجد من الداخل على قواعد وعمدان حجرية ضخمة، وبه دور علوي مخصص للنساء يطل على رواق الصلاة عبر شرفة خشبية مصممة بفن الأرابيسك الإسلامي.
ويعلو الرواق قباب صغير تحيط بالقبة الرئيسية، وفتحات لتصريف مياه المطر ومرور الهواء.
وعلى أطراف حوائط الرواق نقوش إسلامية وآيات قرآنية.
فيما يحتفظ بمحراب الصلاة وشرفة خشبية تسمى "دكة المُبلغ" يتم الوصول إليها عبر سلم داخل الحائط، برونق خشبي.
وعلى مقربة من المسجد، يقع حمام سنان باشا، الذي خضع مؤخرًا لأعمال تطوير من قبل الحكومة المصرية، ولا يزال مغلقًا أمام الجمهور ومن المنتظر افتتاحه قريبًا، وفق مسؤولين.
ولسنان باشا، تكية عثمانية شهيرة، تقع في "درب قرمز" بحي "الجمالية" وسط القاهرة، وهي عبارة عن حُجرة مستطيلة مقسمة قسمين تعلوها قباب.
ومنقوش على جدران التكية، أنها "من خيرات مولانا سنان باشا".
والوالي سنان، عاصر رائد العمارة العثمانية سنان باشا، المعروف بـ"المعمار سنان"؛ حيث عادة ما يربط الناس بينهما بسبب التشابه في الاسم والرتبة والعصر الذي ولدا فيه.
وخلال السنوات الماضية، أعلنت مصر اكتمال ترميم مبانٍ ومساجد أثرية، واستكمال ترميم أخرى تعود إلى العصور الإسلامية المختلفة.