للواء المتقاعد د.مروان السميعات
أصبحنا نعيش في عصرنا الحاضر حالة من الترقب والانتظار لما سيحدث مستقبلاً ومدى تأثيره على حياتنا وأعمالنا, فالمخاطر وعدم التيقن من الأحداث المستقبلية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من بيئة العمل اليومية التي تعمل فيها مؤسساتنا على اختلافها, وان هذه المخاطر قد تكون كافية لخلق أزمة للمؤسسات, وإن تُركت دون معالجة من الممكن أن تتحول إلى كارثة, لذا على الحكومات ألا تكتفي بالنظر إلى الكوارث والأزمات كجزء من التخطيط لحالات الطوارئ فقط وإنما كجزء من التخطيط الإستراتيجي على المدى الطويل.
ان إدارة الأزمات والكوارث هي أداة علمية رشيدة تُبنى على العلم والمعرفة، وتعمل على حماية ووقاية الكيان الإداري والارتقاء بأدائه والمحافظة على سلامة تشغيل القوى المكونة له، تكمن ضرورتها في قدرتها على تعظيم المكاسب وتقليل الخسائر وتحسين طرق التعامل مع المواقف الطارئة وصنع السياسات الملائمة، كما تعتبر نظاما وقائيا لحماية المؤسسات من الأزمات المستقبلية ومنهجا يحمل في طياته ملامح رؤية التفاعل والتكامل مع متطلبات الحياة المعاصرة.
وللحفاظ على الأمن الوطني، حيث الأردن كغيره من دول العالم يتعرض للأزمات الداخلية والخارجية يجب الحرص على دراسة واقع منظومة إدارة الأزمات والكوارث فيه، بهدف الوصول إلى منهجية متكاملة تنبثق عنها إستراتيجية معنية تكون جزءاً من الإستراتيجية الوطنية .
وفي هذا الاطار فانه يمكن اعتبار منظومة إدارة الكوارث والازمات في الأردن تعمل على عدة مستويات وعلى النحو التالي :
المستوى الوطني :
1. مجلس رسم السياسات: هوأعلى هيئة سياسية لإدارة شؤون الدولة، يتشكل من جلالة القائد الأعلى، ورئيس الوزراء، ووزير الداخلية، ووزير الخارجية, ووزير الإعلام, ورئيس الديوان الملكي, ورئيس هيئة الأركان المشتركة, ومدير المخابرات العامة. و يقوم هذا المجلس بالتخطيط لإدارة الأزمات الوطنية الكبرى التي تهدد أمن وسلامة الدولة ونظامها السياسي.
2. المجلس الأعلى للدفاع المدني : يُعد المجلس الأعلى للدفاع المدني الأردني الجهة الحكومية الرئيسية المسؤولة عن إدارة الكوارث والحالات الطارئة وما ينجم عنها بموجب المادة (3- أ) من قانون الدفاع المدني رقم (18) لعام (1999) ، ويترأسه وزير الداخلية ومديرعام الدفاع المدني نائباً للرئيس وينضوي تحت مظلة المجلس باقي أجهزة ووزارات الدولة, وبحكم الصلاحيات المخولة له يُعنى المجلس بمعالجة الحوادث الناجمة عن الظروف الطارئة كالكوارث الطبيعية والإصطناعية من خلال الأعضاء الممثلة فيه كل حسب اختصاصه وطبيعة الواجبات الموكلة له كذلك وضع الخطط الكفيلة بمواجهة الكوارث والإستعداد لها بما في ذلك توفير الجاهزية المناسبة لمعالجة آثارها.
3. مجلس الدفاع: تم تشكيله بموجب (قانون القوات المسلحة الأردنية رقم 64, 2001) ليقوم بدراسة المتطلبات الدفاعية والأمنية والحالات الطارئة وتقديم التوصيات بشأنها إلى القائد الأعلى.
المستوى الإستراتيجي التخصصي:
1. المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات : عهد جلالة الملك بتاريخ 23/1/2008 إلى سمو الأمير علي بن الحسين بتأسيس المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات ليعمل ضمن إطار وطني على تنسيق وتوحيد الجهود والقدرات لمواجهة الكوارث والأزمات وإدارة هذه الأزمات والتخطيط لمواجهتها , ضمن الاهداف التالية:
• تحقيق المقدرة على التكيف الاستراتيجي لمواجهة مختلف أنواع الأزمات.
• بناء قاعدة بيانات وطنية شاملة تتطلبها طبيعة عمل ومهام المركز لخدمة أصحاب القرار على مختلف المستويات وبالتنسيق مع القطاعين العام والخاص.
• تحقيق التكامل والتنسيق بين مختلف الجهات المعنية في مواجهة الأزمات على المستوى الوطني.
• المساعدة على اتخاذ القرار الفعال لمواجهة مختلف أنواع الأزمات التي تتعرض لها المملكة.
2. الوزارات والدوائر الممثلة بالمجلس الأعلى للدفاع المدني: تقوم الوزارات والدوائر الممثلة بالمجلس الأعلى للدفاع المدني وعددها 37 جهة بتنفيذ الواجبات المطلوبة منها لمواجهة الكوارث وبمراحلها المختلفة (الإستعداد, الإستجابة, التعافي(إعادة البناء)).
3. المنظمات الدولية غير الحكومية: المنظمات الدولية غير الحكومية تساهم في إدارة الكوارث والأزمات بتقديم المساعدات والاستشارات وبرامج التوعية والتدريب في جميع مراحل الكارثة.
المستوى العملياتي /الفني :
على المستوى العملياتي في الميدان تُّشَكل في مركز كل محافظة لجنة تسمى ( لجنة الدفاع المدني المحلية) برئاسة المحافظ وعضوية كل من المدراء العامين أو مديري الدوائر الرسمية ,ومدير الدفاع المدني, ومدير الشرطة, ورؤساء البلديات,وغرف الصناعة والتجارة فيها, ومندوب عن القوات المسلحة يسميه رئيس هيئة الأركان المشتركة أو من يُنيبه, ورئيس فرع الهلال الأحمر إن وجد, ويخول الوزير (رئيس المجلس الأعلى للدفاع المدني) جميع صلاحياته للحكام الإداريين كل ضمن منطقته الإدارية للقيام بالإجراءات المطلوبة لمواجهة الكارثة.
ان تقييم الواقع الحالي لمنظومة إدارة الازمات والكوارث في الاردن يعتبر على غاية من الأهمية وذلك للوقوف على مواطن القوة لتعزيزها ومواطن الضعف لتلافيها، وهذا بلا شك سيساهم في تطوير مقدرتها وفعاليتها في مواجهة الكوارث بمختلف أنواعها. ومن خلال دراسة منظومة إدارة الكوارث والأزمات في الأردن نبين الآتي:
1. المجلس الأعلى للدفاع المدني يعمل بازدواجية المستوى فهو مسؤول عن وضع السياسات والاستراتيجيات وكذلك وضع الخطط وتشكيل الفرق.
2. يأخذ المجلس الأعلى للدفاع المدني اسمه من المديرية العامة للدفاع المدني وهذا يشكل تداخلا" في الواجبات بينهما.
3. عدم وجود صورة متكاملة في البيئة التشريعية الأردنية تشمل جميع أنواع الأزمات والكوارث، ضمن مظلة تنسيقية متكاملة، بالإضافة إلى تشعب الجهات المسؤولة دون تحديد للمهام والمسؤوليات المناطة بكل جهة، مما يحدث تضاربا فيما بينها وعدم تفعيل الكثير من بنود التشريعات.
4. لا تتوفر موازنات مالية تمكن المنظومات المعنية بإدارة الأزمات والكوارث بمراحلها المختلفة من القيام بواجباتها وبخاصة لجان الدفاع المدني في المحافظات والتي تعتبر الذراع الرئيس للمجلس الاعلى للدفاع المدني على المستوى العملياتي/الميداني.
5. تعتبرالاستراتيجية الوطنية لإدارة الكوارث منهجاً شاملاً يعزز الإلتزام السياسي المتزايد لإدارة مخاطر الكوارث حيث تشجع الهيئات الحكومية على تولي دور القيادة بدعم من المنظمات غير الحكومية, وكذلك تساهم في رفع الوعي العام ودمج إدارة مخاطر الكوارث في التخطيط.
6. ان من الاهداف الاستراتيجية لادارة الكوارث والازمات بناء قدرات المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات ليوفر التوجيه والتنسيق الشامل لمؤسسات الدولة في جميع مراحل الكارثة او الازمة.
7. هنالك حاجة إلى دراسة منظومة إدارة الكوارث والازمات نحو مزيد من آليات التنسيق فيما بينها وتحديد واجباتها والسياسات والاستراتيجيات والقوانين التي تحكم عملها في مجال الكوارث وإدارتها .
ان إدارة الأزمات والكوارث تتطلب إدارة واعية وقادرة على إتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وقادرة على حشد كافة الإمكانيات لمواجهتها والتخلص من آثارها، كما أن طرق المواجهة ودور المؤسسات ذات العلاقة يختلف من مؤسسة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى، فمنها مـا يعالجها حسب الأنظمة المعمول بها في الدولة، ومنها ما يعالجها في اطار تشريعي خاص إلا أن أغلب الـدول تعتمد الأسلوب الأخير لأنه الأكثر فاعلية حيث تستطيع الدولة من خلالـه التعرف على الأسباب المؤدية لحدوث هذه الأزمات والكوارث والقيام بتحليلها وإيجاد الحلول المناسبة لهـا بالتعاون والتنسيق مع جميع الكفاءات والأجهزة المختصة في الدولة , لذا يمكن التوصية بمايلي:
1. ترسيخ الدور الهام لمجلس رسم السياسات باعتباره أعلى هيئة إستراتيجية في الأردن وفق اطر تشريعية تحدد مهامه وصلاحياته ومسؤولياته والاعضاء المعنيين ليشمل التوجيه الاستراتيجي المبني على الحقائق والخبرات وفق الرؤية الملكية التي انشيء من اجلها.
2. وجود قانون موحد للكوارث والازمات, لا يتعارض مع القوانين الأخرى المعمول بها، ليسهم تنفيذه وبشكل فاعل في تقليل الخسائر البشرية والمادية .
3. تسمية المجلس الأعلى للدفاع المدني بالمجلس الأعلى لإدارة الازمات الكوارث بحيث تتفق هذه التسمية وطبيعة عمله المتعلقة بإدارة ومواجهة الأزمات والكوارث ويرتبط برئاسة الوزراء وان يكون له هيكل تنظيمي واضح.
4. تفعيل دورالمركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات واتباعه للمجلس الأعلى لإدارة الازمات والكوارث بهدف متابعة إجراءات إدارة الكارثة في مراحلها المختلفة.
5. دمج عملية الحد من مخاطر الكوارث في الخطط التنموية .
6. ضرورة وجود إستراتيجية وطنية لإدارة الكوارث والأزمات تتضمن خطة وطنية شاملة للحد من المخاطر وأن ينبثق عنها خطط عمل حول الأمن, السلامة، الإعلام، جمع المعلومات، الاتصالات والمساعدات الخارجية …الخ .
ان توفير الحماية والأمن للمجتمع يعتبر من أهم واجبات أية حكومة، فالكوارث تشكل تهديداً أكيداً في هذا المجال، وإدارتها بكفاءة وفعالية تعتمد على وجود منظومات فاعلة وقادرة وباعلى مستويات الجاهزية للعمل على توفير إجراءات الوقاية والإستعداد ومواجهة الكوارث والتخفيف من آثارها بكفاءة, ولإنجاز ذلك لا بد من وجود منظومة تعنى بإدارة الكوارث والأزمات, تقوم بتحليل المخاطر والأزمات المحتملة وتضمينها بالخطط الاستراتيجية وإعداد برامج تدريبية بناءً على الأخطار المتوقعة والسيناريوهات المحتملة وتعزيز قدرة المؤسسات على التكيف وبما يكفل السير الطبيعي للحياة واستمرارية الأعمال أثناء الكوارث والأزمات .