يبدو أن أزمة جائحة كورونا، التي حطت بثقلها على الوسط العلمي وأبطأت خطواته خلال ثمانية أشهر مضت، كانت ذات فائدة كبيرة لعلماء معهد لايبنتس للفيزياء الشمسية (Leibniz Institute for Solar physics (KIS التابع لجامعة فرايبورغ (University of Freiburg) بألمانيا، حيث التقطوا مجموعة من أدق الصور في التاريخ.
استغل هذا الفريق البحثي كل ذلك الوقت لضبط كاميرات ومرايا وعدسات تلسكوبهم، والذي يسمى تلسكوب غريغور الشمسي (GREGOR Solar Telescope)، وهو جزء من مرصد تايديه (Teide Observatory) الواقع في جزر الكناري الإسبانية.
وقد ساعدهم ذلك في التقاط تلك الصور، والتي نشرت بياناتها الرصدية في دورية "أسترونومي أند أستروفيزيكس" (Astronomy & Astrophyics) وأعلن عنها المعهد في بيان رسمي بالأول من سبتمبر/أيلول الجاري.
حبيبات الشمس
بعد هذه الإصلاحات، انطلق التلسكوب في يوليو/تموز الماضي للعمل على تصوير الشمس بأعلى قدراته، وجاءت الصورة الأولى لتوضح شكل الحبيبات الشمسية بدقة غير مسبوقة، مع أن عرْض كل واحدة من هذه الحبيبات هو حوالي 1500 كيلومتر!
والحبيبات الشمسية هي أثر غليان البلازما على سطح الشمس، ولفهم الفكرة يمكن أن نتأمل ما يحدث للماء حينما يغلي، حيث تكون الطبقات الداخلية من الماء أقرب للحرارة فتصبح أسخن، أما الطبقات العليا المواجهة للهواء فتكون أبرد، ولأن الطبقات الأسخن أكثر كثافة فإنها تصعد للأعلى وتحل بدلا من الطبقات العليا، وبعد قليل يحدث الشيء نفسه ويستمر الماء في التقلب أثناء الغليان.
الشيء نفسه تقريبا يحدث على سطح الشمس، فطبقات البلازما العليا تكون أبرد من الطبقات السفلى، ولذلك تتبادلان المواقع بشكل مستمر، وهذه الحبيبات الشمسية التي تبدو وكأنها حبوب ذرة صفراء هي تلك التقلبات على سطح الشمس.
بقع داكنة
أما الصورة الثانية التي أصدرها التلسكوب فكانت لإحدى البقع الشمسية (Sunspot)، وفيها تظهر منطقة من سطح الشمس وكأنها سوداء تماما، لكنها في واقع الأمر ليست كذلك.
والبقع الشمسية هي مناطق من سطح الشمس ذات درجات حرارة أقل من محيطها، لكنها لاتزال مرتفعة، إلا أن فارق الإشعاع بينها وبين محيطها يتسبب في أن تظهر تلك البقع داكنة بالنسبة لأعيننا أو للكاميرات التي تلتقط صورها.
وتعد البقع الشمسية ذات أهمية خاصة بالنسبة لباحثي علوم الشمس، حيث يعطي عددها انطباعا دقيقا عن حالة النشاط الشمسي.
فإذا كانت كثيرة منتشرة على الأطراف فإننا نمر بذروة النشاط الشمسي، وإذا كانت قليلة وتقترب من خط الاستواء فإن نشاط الشمس يكون في حضيضه، وهو ما يحدث في هذا العام 2020 بالفعل.
يعد التلسكوب "غريغور"، بقُطر مرآته الذي يساوي 1.5 متر، ثالث أكبر تلسكوب شمسي في العالم، بعد تلسكوبي "بيغ بير" (Big Bear Solar Observatory) و"مكماث – بيرس" (McMath-Pierce Solar Telescope) الأميركيين، بقُطر مرآة 1.6 متر.
ويأمل الباحثون من معهد لايبنتس لأبحاث الشمس في أن يساعد التلسكوب "غريغور" مستقبلا في تحقيق فهم أفضل للكثير من أسرار النشاط الشمسي.
المصدر : الصحافة الأميركية