شريط الأخبار
مواجهة سياسية بين الشرفات وزيادين حول التجربة الحزبية الأردنية شهيد بغارة إسرائيلية على مركبة في بلدة برج رحال جنوبي لبنان موازنة 2026.. تخصيص 95 مليونا للناقل الوطني والتنقيب عن غاز الريشة الحكومة تتوقع تراجع العجز الكلي في موازنة 2026 إلى 2.1 مليار دينار بني مصطفى تلقي كلمة الأردن في القمة العالمية للتنمية الاجتماعية في الدوحة موازنة 2026: ارتفاع النفقات الجارية إلى مليار 145 مليون دينار برنامج الأغذية العالمي يدعو لفتح جميع المعابر إلى غزة الأردن يعزز حضوره السياحي بمشاركته في معرض سوق السفر العالمي وزير النقل: تطوير بيئة استثمارية جاذبة في قطاع النقل الجوي مجلس الوزراء يقر مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2026 بوتين: روسيا قد تستأنف التجارب النووية بعد تصريحات ترامب مصادر أمنية: تركيا وحماس تناقشان المراحل التالية من خطة غزة "برلمان المتوسط" يختتم أعمال دورته التدريبية حول مكافحة الإرهاب بالذكاء الاصطناعي منتدى البلقاء الثقافي يقدّم نموذجًا تطبيقيًا رائدًا في إعداد الأخصائيين الاجتماعيين لمواجهة العنف الأسري الأشغال تُنهي مشروع مهارب النجاة على طريق العدسية – البحر الميت الحكومة توافق على مذكرة تعاون مع فلسطين في مجال الطاقة الكهربائية الحكومة تقر مشروع نظام لتنظيم عمل موظفي المحكمة الدستورية الحكومة توافق على تسوية 272 قضية بين مكلفين وضريبة الدخل إقرار تعليمات إعداد دراسات تقييم الأثر للتشريعات والسياسات مشروع قانون يلزم شركات التأمين بالرد على الطلبات خلال 10 أيام

هْبَةُ أَحْمَدَ الْحَجَّاجِ

هْبَةُ أَحْمَدَ الْحَجَّاجِ
القلعة نيوز :مُحَمَّدٌ ﷺ سَيِّدُ الْكَوْنِيْنِ
هْبَةُ أَحْمَدَ الْحَجَّاجِ
يُعَدّ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مِنْ أَحَبّ الْأَيَّامِ إِلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ؛ حَيْثُ يُعَظّمُونَ هَذَا الْيَوْمَ بِالصَّلَاةِ، وَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالدُّعَاءِ، وَ الْإِكْثَارِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَ التَّقَرُّبُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ؛ لِيَنَالُوا الْأَجْرَ وَ الثَّوَابَ الْكَبِيرَ. هَلْ تَأَمَّلْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَقَّ التَّأَمُّلِ؟ يَسْتَيْقِظُ الْمُسْلِمُونَ صَبَاحًاً، يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِمْ غُسْلَهُ؛ فَالْغُسْلُ فِيهِ سُنّةٌ، ثُمَّ يَنْطَلِقُونَ إِلَى الْمَسْجِدِ يَقْرَؤُونَ سُورَةَ الْكَهْفِ، وَ يَنْتَظِرُونَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ، يَخْطُبُ فِيهِمْ الشَّيْخُ ، يَعِظُهُمْ وَ يُذَكِّرُهُمْ بِاَللَّهِ وَ يُزَوِّدُهُمْ بِزَادٍ إِيمَانِيّ لِلْأُسْبُوعِ الْقَادِمِ بَلْ وَيَزِيدُ، يُوَضّحُ لَهُمْ الْحُدُودَ، وَ يُذَكِّرُهُمْ بِالْجَنَّةِ وَ الْآمَالِ إِلَيْهَا، وَ يُحَرِّضُهُمْ عَلَى عَمَلِ الْخَيْرِ وَ الْمُعَامَلَةِ الصَّالِحَةِ. وَ هَذِهِ الْجُمُعَةَ تَحْدِيدًا أَلْقَى الْخَطِيبُ عَلَى مَسْمَعِنَا حَدِيثٌ نَبَوِيٌّ ، جَعَلَ دُمُوعَنَا تَذْرِفُ شَوْقًا وَ حُبًّا لِرَسُولِ اللَّهِ حَيْثُ قَالَ : قَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلِّمَ: "وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي"، إِحْسَاسٌ يَتَوَلَّدُ بَعْدَ قِرَاءَتِهَا يُغْمِرُنَا بِفَيْضِ حُبِّكَ حِينَ سَأَلَكَ أَصْحَابَكَ "أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانُكَ؟" قُلْتَ يَا حَبِيبَنَا لَهُمْ: "أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَ لَكِنَّ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي"، مَا أَجْمَلَهَا مِنْ كَلِمَاتٍ تَسْتَوْطِنُ الْقَلْبَ فَتَحَولُ صَحْرَاءَهُ جَنَّةٌ مِنْ عَظِيمِ صِدْقِهَا !
ثُمَّ تَابَعَ الْخَطِيبُ قَائِلًا : سِيرَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ وَحَيَاهُ أَعْظَمُ نَبْعٍ لِمَنْ يُرِيدُ تَرْبِيَةَ الْمُجْتَمَعِ عَلَى قِيَمِ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي حِرْصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَلَى النَّاسِ عَامَّةً، أُمَّتُهُ خَاصَّةً، وَ كَانَ هَذَا الْحِرْصُ دَلِيلًاً عَلَى حُسْنِ خَلْقِهِ وَ صِدْقِ نُبُوَّتِهِ، وَ لِذَلِكَ وَصَفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (التَّوْبَةِ: 128) .
ضَرَبَ النَّبِيُّ أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ فِي الْأَخْلَاقِ جَمِيعِهَا، فَكَانَ الْمِثَالُ الْأَسْمَى لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ تِلْكَ الْأَخْلَاقِ.
- تَأْيِيدِ الرَّسُولِ لِلْحَقِّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ: ‏قَبْلَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ الْإِعْجَازِيَّةِ عِنْدَمَا تَمَّ اخْتِيَارُ الرَّسُولِ الْكَرِيمِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) خِتَامًا لِلرَّسُولِ، سَمَّتْهُ مَدِينَةَ مَكَّةَ بِأَسْرِهَا بِأَسْمَاءِ الصَّادِقِ،وَالْأَمِينِ، أَيْ صَادِقٌ وَ جَدِيرٌ بِالثِّقَةِ، لَمْ يُؤَدِ هَذَا إِلَى إِيمَانِ النَّاسِ الرَّاسِخِ بِهِ وَ ثِقَتِهِمْ بِهِ فَحَسْبُ، بَلْ عِنْدَمَا بَدَأَ أَخِيرًا فِي التَّبْشِيرِ بِدِينِ اللَّهِ ، الْتَزَمَ النَّاسَ بِشَهَادَاتِهِ. ‏ - مَنْهَجُهُ الْمَرْكّزُ لِلرَّسُولِ وَتَفَانِيهُ تُجَاهَ رِسَالَتِهِ الْمُقَدَّسَةِ: ‏كَانَ الرَّسُولُ الْكَرِيمُ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُرَكِّزُ عَلَى رِسَالَتِهِ لِنَشْرِ كَلِمَةِ اللَّهِ حَتَّى أَنَّهُ كَانَ عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِتَحَمُّلِ كُلٍّ مَشَقَّةٌ تَعْتَرِضُ طَرِيقَهُ،عِنْدَمَا أَدْرَكَ الْأَثْرِيَاءُ فِي مَكَّةَ أَنَّهُ أَصْبَحَ يَتَمَتَّعُ بِشَعْبِيَّةٍ بَيْنَ الْجَمَاهِيرِ، اخْتَارُوا تَقْدِيمَ الثَّرَوَاتِ لَهُ حَتَّى يَتَخَلَّى عَنْ الدَّعْوَةِ لِرِسَالَةِ الْإِسْلَامِ، حَيْثُ عَرَضَ عَلَيْهِ مُمْتَلَكَاتِ الدُّنْيَا، كَالثَّرْوَةِ وَ مَكَانَةِ أَمِيرِ مَكَّةَ وَ الزَّوَاجِ بِأَجْمَلِ إِمْرَأَةٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَمَعَ ذَلِكَ ظَلَّ ثَابِتًا عَلَى هَدَفِهِ وَ قَالَ : حَتَّى لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَدَيْ الْيُمْنَى وَ الْقَمَرَ عَلَى يَسَارِي، فَلَنْ أَتَخَلَّى عَنْ مُهِمَّتِي الَّتِي كَلَّفَنِي اللَّهُ بِهَا حَتَّى أَمُوتَ .
- مَوَاقِفُ الرَّسُولِ حَوَّلَتْ الْأَعْدَاءَ إِلَى أَصْدِقَاءَ : لَمْ تَلْقَ رِسَالَةُ النَّبِيِّ اسْتِحْسَانَ الْجَمِيعِ، حَيْثُ أَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ انْغَمَسُوا فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ رَفَضُوا الِاسْتِمَاعَ إِلَى صَوْتِهِ الْمَنْطِقِيِّ ، وَبَدَأُوا يُسَبِّبُونَ لَهُ الْأَلَمَ الْجَسَدِيَّ وَالْإِصَابَةَ، حَيْثُ كَانَتْ زَوْجَةُ عَمِّهِ أَبُو لَهَبٍ تَنْثُرُ الْأَشْوَاكُ فِي طَرِيقِهِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُرِدْ وَ غَيْرَ مَسَارِهِ بِبَسَاطَةٍ، كَمَا اعْتَادَتْ امْرَأَةٌ إِلْقَاءَ الْقُمَامَةِ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَمَا كَانَ يَمْشِي بِالْقُرْبِ مِنْ مَنْزِلِهَا وَ لَكِنَّ النَّبِيَّ الْكَرِيمَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لَمْ يُوبِخْهَا أَبَدًا ، وَعِنْدَمَا لَمْ تَحْضُرْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ يَوْمٍ لِتَلَقِّي الْقُمَامَةِ عَلَيْهِ، دَفَعَهُ ذَلِكَ لِزِيَارَةِ مَنْزِلِهَا، فَوَجَدَهَا مَرِيضَةً وَ طَرِيحَةَ الْفِرَاشِ، فَكَانَ لَطِيفًا مَعَهَا وَاسْتَفْسَرَ عَنْهَا وَ عَنْ صِحَّتِهَا، فَخَجِلَتْ الْمَرْأَةُ بِشِدَّةٍ مِنْ أَفْعَالِهَا وَ تَابَتْ فِي الْحَالِ وَ قَامَتْ بِاعْتِنَاقِ الْإِسْلَامِ.
- تَوَاضُعُ الرَّسُولِ كَحَاكِمٍ : ‏عَلَى الرَّغْمِ مِنْ كَوْنِهِ حَاكِمًاً عَلَى مَكَّةَ وَ مَحْبُوبًا مِنْ أَصْحَابِهِ، إِلّا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ لَمْ يُمَيِّزْ نَفْسَهُ عَنْ أَصْحَابِهِ، فَكَانَ يَأْكُلُ مِمَّا يَأْكُلُونَهُ، وَ كَانَ يَرْتَدِي زِيُّهُمْ ، وَ كَانَ يَتَحَدَّثُ مَعَهُمْ بِطَرِيقَةٍ مُهَذَّبَةٍ، بِاخْتِصَارٍ، كَانَتْ جَاذِبِيَّتُهُ مَبْنِيَّةً بِالْكَامِلِ عَلَى مَوْقِفِهِ الْوَدُودِ وَ الْمُحِبِّ الَّذِي سَحَرَ كُلَّ مَنْ حَوْلَهُ بِلَا نِهَايَةٍ.
‏ثُمَّ خَتَمَ فَضِيلَةَ الشَّيْخِ قَائِلًا : حَقًّا هُوَ رَحْمَةُ اللَّهِ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ، عَرَبَهُمْ وَعَجَمُهُمْ، مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، بَلْ شَمِلَتْ رَحْمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ الْعَجْمَاوَاتِ مِنْ الطَّيْرِ وَالْحَيَوَانِ، فَكَانَ رَحْمَةً لِمَنْ عَلَى الْأَرْضِ جَمِيعًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (الْأَنْبِيَاءُ:107). صَلُّوا عَلَى رَسُولِنَا الْكَرِيمِ ، وَأَقِمْ الصَّلَاةَ أَخِي الْمُسْلِمِ . وَ مَا أَنِ انْتَهَيْنَا مِنَ الصَّلَاةِ حَتَّى صَافَحَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضُهُمُ الْبَعْضَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ جَمِيعًاً بَعْدَ أَنْ أَشْغَلَتْهُمْ الْحَيَاةُ بِأَعْمَالِهِمْ، انْصَرَفْنَا إِلَى بُيُوتِنَا ، وَ بَيْنَمَا أَنَا ذَاهِبٌ إِلَى بَيْتِي مَعَ طِفْلِي الصَّغِيرِ ، إِذْ أَسْمَعُ صَوْتَهُ يَقُولُ لِي : أَبِي ، مَنْ هُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ . ابْتَسَمْتُ لَهُ وَقُلْتُ : الرَّسُولُ مُحَمّدٌ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلِّمَ هُوَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدَلِلَهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وُلِدَ فِي عَامٍ الْفِيلُ يَوْمَ 12 مِنْ رَبِيعٍ الْأَوّلِ لِعَامِ 53 قَبْلَ الْهِجْرَةِ. بَعَثَ الرَّسُولُ إِلَى النَّاسِ لِيُخْرِجَهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَ لِيَكُونَ إِمَامٌ وَ قُدْوَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَ شَفِيعُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ اللَّهُ لِلْبَشَرِيّةِ عَلَى الْأَرْضِ. نَظَرَ إِلَيَّ بَنِي و قَالَ : حَسَنًا ، احْكِي لِي عَنْ صِفَاتِهِ . قُلْتُ لَهُ : مِنْ الصِّفَاتِ وَ الْأَخْلَاقِ الَّتِي تَمَيّزَ بِهَا الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ أَنّهُ كَانَ أُمِّيّاً لَا يَكْتُبُ وَ لَا يَقْرَأُ رَغْمَ فَصَاحَتِهِ وَ بَلَاغَتِهِ فِي لُغَتِهِ الْعَرَبِيّةِ، وَ تَمَيَّزَ بِحُسْنِ صِفَاتِهِ الْخَلْقِيّةِ وَالْخُلْقِيّةِ، وَ حُسْنِ عِشْرَتِهِ، وَ حُسْنِ الضِّيَافَةِ، وَالصِّدْقِ، وَالْعَدْلِ، وَالذَّكَاءِ، وَالْهُدُوءِ، وَالصَّبْرِ، وَالرَّحْمَةِ،وَالْإِخْلَاصِ، وَالْأَمَانَةِ ، وَالْعِزَّةِ، وَالشَّجَاعَةِ، وَالْأَدَبِ، وَالْكَرَمِ، وَالزُّهْدِ، وَالتَّوْحِيدِ، وَالتَّوَاضُعِ، وَاللَّبَاقَةِ، وَالْوَفَاءِ، وَالْوَدُّ، وَرَقّةُ شُعُورِهِ بِالْآخَرِينَ، وَالْمُطِيعِ لِأَوَامِرِ اللَّهِ. وَمَا أَنْ وَصَلْنَا الْبَيْتَ ، رَكَضَ بُنِيَ إِلَى الْعَائِلَةِ ، كَانَ وَجْهُهُ مَمْزُوجًا بِالتَّبَاهِي وَ الْمَحَبَّةِ وَ أَخَذَ يَقُولُ : حَدَّثَنَا الْخَطِيبُ الْيَوْمَ عَنْ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أَنَّهُ كَانَ رَؤُوفًا شَفِيقًا، يَعُودُ الْمَرِيضُ، وَ يَزُورُ الْفَقِيرَ، وَ يُجِيبُ دَعَوَاتِ الْعَبِيدِ الْأَرِقَّاءِ، وَقَدْ كَانَ يُصْلِحُ ثِيَابَهُ بِيَدِهِ، فَهُوَ إِذَا لَا شَكَّ نَبِيٌّ مُقَدَّسٌ، نَشَأَ يَتِيمًا مُعَوِزًا، حَتَّى صَارَ فَاتِحًا. كَانَ حَدِيثُهُ -صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ- رَصِينًا بَلِيغًا مُؤَثِّرًا، وَ كَانَ أَكْلُهُ قَلِيلًا وَ يَكْثُرُ مِنْ الصِّيَامِ، كَمَا كَانَ زَاهِدًا لَا يَمِيلُ إِلَى التَّرَفِ، بَلْ كَانَ يُحِبّ الْبَسَاطَةَ فِي مَعَاشِهِ وَمَلَابِسِهِ، وَ يُحَافِظُ عَلَى جَمَالِ مَظْهَرِهِ. فَالْتَفَتِ الْعَائِلَةُ حَوْلِي وَ قَالَتْ لِي : حَدَّثَنَا أَنْتَ أَيْضًاً . "عَنْ أَشْرَفِ الرُّسُلِ طَهَ، لَيْسَ نَحْنُ مَنْ نُحْيِي ذِكْرَاكَ، بَلْ ذِكْرَاكَ هِيَ الَّتِي تُحْيِينَا، وَ تَفِيضُ نُفُوسَنَا؛ شَوْقًا إِلَيْكَ، وَ نَهْفُو حَنِينًا لِرُؤْيَتِكَ". نَظَرْتُ لَهُمْ وَقُلْتُ : فَإِنْ نَظَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ نَبِيًّاً وَرَسُولًا، وَجَدْتُهُ أَفْضَلُهُمْ وَخَاتَمَهُمْ، وَ إِنْ نَظَرْتُ إِلَيْهِ مُعَلِّمًاً وَجَدْتُهُ أَحْسَنُ النَّاسِ تَعْلِيمًاً وَ أَفْصَحُهُمْ بَيَانًا.
- كَانَتْ قِيَادَةُ الرَّسُولِ بِالْقُدْوَةِ: ‏لَقَدْ كَانَ دَائِمًا قُدْوَةً وَ مِثَالًا يُحْتَذَى بِهِ لِأَتْبَاعِهِ، فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ الشَّهِيرَةِ، الَّتِي كَانَ بِهَا نَقْصًا شَدِيدًا فِي الْإِمْدَادَاتِ، وَ كَانَ الْجُوعُ وَالْمُعَانَاةُ شَائِعَيْنِ خِلَالَ تِلْكَ الْغَزْوَةِ، حَيْثُ جَاءَ أَحَدُ الصَّحَابَةِ مَرَّةً إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ وَ اشْتَكَى مِنْ جُوعِهِ وَ أَشَارَ إِلَى حَجَرٍ مُثْبِتٍ حَوْلَ بَطْنِهِ لِمَنْعِ الْجُوعِ، حِينَهَا رَفْعُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ رِدَائُهُ وَ أَشَارَ لَيْسَ إِلَى حَجَرٍ وَاحِدٍ؛ بَلْ إِلَى حَجَرَيْنِ مُثْبِتَيْنِ فِي بَطْنِهِ. وَ إِذَا نَظَرَتْ إِلَيْهِ زَوْجًاً وَجَدَّتُهُ خُيِّرَ الْأَزْوَاجِ لِأَهْلِهِ، وَ أَحْسَنُهُمْ مُعَاشَرَةً وَ مُعَامَلَةً . ‏الْمَرْأَةُ فِي حَيَاةٍ وَهَدْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ لَهَا مَكَانَةً عَظِيمَةً، فَهِيَ عِرْضٌ يُصَانُ، وَ مَخْلُوقٌ لَهُ قَدْرُهُ وَكَرَامَتُهُ، وَقَدْ أَحَاطَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلِمَ بِسِيَاجٍ مِنْ الرِّعَايَةِ وَالْعِنَايَةِ، وَ خَصَّهَا بِالتَّكْرِيمِ وَ حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ.
- أَمَّا مِنْ نَاحِيَةِ الْأُمِّ : وَ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدٍ يَكْرِبُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلِّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ ) رَوَاهُ أَحْمَدُ . ‏بَلْ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ أَوْصَى بِالْأُمِّ وَ إِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُسْلِمَةٍ، فَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلِّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، صِلِّي أُمَّكِ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ. رَاغِبَةٌ: رَاغِبَةٌ عَنْ الْإِسْلَامِ كَارِهَةً لَهُ وَهُنَا : وَ يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ وُجُوبُ نَفَقَةِ الْأَبِ الْكَافِرِ، وَ الْأُمِّ الْكَافِرَةِ، وَ إِنْ كَانَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا". ‏ - أَمَّا مَعَ الِابْنَةِ : أَجْمَعَ الْمُؤَرِّخُونَ وَكُتَّابُ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى أَنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ بَنَاتٍ مِنْ زَوْجَتِهِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَهُنَّ:زَيْنَبُ وَرُقَيَّةُ وَأُمُّ كُلْثُومٍ وَفَاطِمَةُ. وَ كَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُسَّرُّ وَ يَفْرَحُ لِمَوْلِدِ بَنَاتِهِ، فَقَدْ سُرَّ وَ اسْتَبْشَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ لِمَوْلِدِ ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَ تُوَسَمُ فِيهَا الْبَرَكَةَ وَالْيُمَنَ، فَسَمَّاهَا فَاطِمَةَ، وَ لَقَبَهَا بِ (الزَّهْرَاءِ)، وَ كَانَتْ تُكَنَّى أُمَّ أَبِيهَا رَغْمَ أَنَّهَا كَانَتْ الْبِنْتُ الرَّابِعَةَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي هَذَا دَرَسٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ بِأَنَّ مَنْ رُزِقَ الْبَنَاتِ وَ إِنْ كَثُرَ عَدَدُهُنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَظْهَرَ الْفَرَحُ وَالسُّرُورَ وَيَشْكُرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا وَهَبَهُ مِنْ الذُّرِّيَّةِ، وَأَنْ يُحْسِنَ تَرْبِيَتَهُنَّ، وَ يَحْرِصَ عَلَى تَزْوِيجِهِنَّ بِالْكُفْءِ "التَّقِيِّ" صَاحِبُ الدِّيْنِ. وَقَدْ زَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ جَمِيعَ بَنَاتِهِ مِنْ خِيرَةِ الرِّجَالِ.
- الزَّوْجَةُ : لَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلِمَ مِنْ مَعَايِيرِ خَيْرِيَّةِ الرِّجَالِ ؛ حُسْنُ مُعَامَلَةِ الزَّوْجَاتِ، فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلِّمَ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَ أَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَدْ سُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَ يَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ)، وَفِي رِوَايَةٍ : قَالَتْ: (مَا يَصْنَعُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ: يَخْصِفُ النَّعْلَ، وَ يَرْقَعُ الثَّوْبَ، وَيَخِيطُ) ، فَمَعَ كَثْرَةِ أَعْبَائِهِ وَ مَسْئُولِيَّاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ زَوْجًا مُحِبًّا، جَمِيلَ الْعَشَرَةِ، دَائِمُ الْبَشَرِ، يُدَاعِبُ أَهْلَهُ ، وَيَتَلَطَّفُ بِهِمْ، وَ يُوسِّعُهُمْ نَفَقَةً، وَ يُضَاحَكَ نِسَاءَهُ، وَ يَصْبِرُ عَلَيْهِنَّ، وَ يُعَيِّنُهُمْ فِي أُمُورِ الْبَيْتِ . هَكَذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ أُمَّاً وَ ابْنَةً وَ زَوْجَةٌ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ وَهَدْيِهِ،لَهَا مِنَ الْمَكَانَةِ وَ الْمَنْزِلَةِ وَ الِاهْتِمَامِ الْقَدْرُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ فِي أَيِّ مُجْتَمَعٍ آخَرَ مَهْمَا ادَّعَى الْحِفَاظَ عَلَى حُقُوقِهَا وَكَرَامَتِهَا، وَقَدْ بَلَغَ مِنْ شِدَّةِ اهْتِمَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ بِالْمَرْأَةِ أَنْ أَوْصَى بِهَا فِي خُطْبَتِهِ الشَّهِيرَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَبْلَ مَوْتِهِ قَائِلًا:(اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. ‏وَإِنْ نَظَرَتَ إِلَيْهِ مُقَاتِلًا، وَجَدْتُهُ الْمُقَاتِلُ الشُّجَاعُ ، الَّذِي لَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ، وَيَتَّقِي بِهِ أَصْحَابُهُ فِي الْحُرُوبِ . قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "كُنَّا إِذَا حَمِيَ الْبَأْسُ (الْقِتَالَ)، وَاحْمَرَّتْ الْحَدَقُ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَكُونُ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ" رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَإِنْ نَظَرَتْ إِلَيْهِ فِي مَوَاقِفِهِ مَعَ الْأَطْفَالِ، وَجَدْتُهُ أَحْسَنُ النَّاسِ تَرْبِيَةً، وَأَكْثَرُهُمْ عَطْفًاً وَحَنَانًاً .
- تَقْدِيمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلطِّفْلِ فِي حَقِّهِ: ‏عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( .. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ، فَقَالَ لِلْغُلَامِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ؟، فَقَالَ الْغُلَامُ: لَا، وَاَللَّهِ لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا، قَالَ: فَتَلَّهُ (وَضَعَهُ فِي يَدِهِ) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) الْبُخَارِيُّ. وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاهْتِمَامِ بِالطِّفْلِ، وَالتَّأْكِيدِ عَلَى إِعْطَائِهِ حَقَّهُ، وَإِشْعَارِهِ بِقِيمَتِهِ، وَتَعْوِيدِهِ الشَّجَاعَةَ وَإِبْدَاءِ رَأْيِهِ فِي أَدَبٍ، وَتَأْهِيلِهِ لِمَعْرِفَةِ حَقِّهِ وَالْمُطَالَبَةِ بِهِ . هُوَ رَحْمَةُ اللَّهِ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ، عَرَبَهُمْ وَعَجَمُهُمْ، مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، بَلْ شَمِلَتْ رَحْمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَجْمَاوَاتِ مِنْ الطَّيْرِ وَالْحَيَوَانِ ، فَكَانَ رَحْمَةً لِمَنْ عَلَى الْأَرْضِ جَمِيعًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (الْأَنْبِيَاءُ:107) . وَمِنْ رَحْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَحُولَ أَحَدٌ بَيْنَ حَيَوَانٍ أَوْ طَيْرٍ وَبَيْنَ وَلَدِهِ . فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمْرَةَ (طَائِرٌ صَغِيرٌ) مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرَخِيَهَا، فَجَاءَتْ الْحُمْرَةُ فَجَعَلَتْ تُعَرِّشُ(تَرَفْرِفُ بِجَنَاحَيْهَا)، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( مَنْ فَجَّعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟، رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا )( أَبُو دَاوُدَ ).
وَبَيْنَمَا أَنَا أَتَكَلَّمُ وَإِذْ أَسْمَعُ صَوْتًا يَقُولُ : لَقَدْ تَحَدَّثَ فِي خَلْقِ وَعَظَمَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُلَمَاءُ غَرْبِيُّونَ كَثِيرُونَ فِي مُخْتَلِفِ الْعُصُورِ وَالْأَمَاكِنِ، وَعَرَفُوا حَقَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ وَمِنْهُمْ مَنْ ظَلَّ عَلَى دِينِهِ إِلّا أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ إِعْجَابِهِ بِدِينِ مُحَمَّدٍ الَّذِي تَمَثَّلَتْ فِيهِ الرَّحْمَةُ فِي أَعْظَمِ صُوَرِهَا، وَكَانَتْ هَذِهِ أَعْظَمَ رُدُودٍ عَلَى مَنْ يُحَاوِلُ مِنْ ضُعَفَاءَ أَوْ سُفَهَاءِ الْقَوْمِ النِّيلَ مِنْ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى لِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
- لِيفْ تُولِسْتُويْ : ‏(الْأَدِيبُ الْعَالَمِيُّ الَّذِي يُعَدُّ أَدَبَهُ مِنْ أَمْتَعِ مَا كُتِبَ فِي التُّرَاثِ الْإِنْسَانِيِّ قَاطِبَةً عَنْ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ. ) قَالَ: - ‏يَكْفِي مُحَمَّدًاً فَخْرًاً أَنّهُ خَلّصَ أُمَّةً ذَلِيلَةً دَمَوِيَّةً مِنْ مَخَالِبِ شَيَاطِينِ الْعَادَاتِ الذَّمِيمَةِ، وَفَتَحَ عَلَى وُجُوهِهِمْ طَرِيقَ الرُّقِيِّ وَالتَّقَدُّمِ، وَأَنّ شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ، سَتَسُودُ الْعَالَمَ لِانْسِجَامِهَا مَعَ الْعَقْلِ وَالْحِكْمَةِ.
- شِبْرَكُ النِّمْسَاوِيُّ: (الدُّكْتُورُ شِبْرُكُ النِّمْسَاوِيُّ) يَقُولُ: إِنّ الْبَشَرِيَّةَ لَتَفْتَخِرُ بِانْتِسَابِ رَجُلٍ كَمُحَمَّدٍ إِلَيْهَا، إِذْ إِنّهُ رَغْمَ أُمّيَّتِهِ، اسْتَطَاعَ قَبْلَ بِضْعَةَ عَشَرَ قَرْنًا أَنْ يَأْتِيَ بِتَشْرِيعٍ، سَنَكُونُ نَحْنُ الْأُورُوبِّيِّينَ أَسْعَدَ مَا نَكُونُ، إِذَا تَوَصَّلْنَا إِلَى قِمّتِهِ.
- السِّيْرُ مُوِيرٌ : (وِيلْيَامْ مُوِيرْ مُسْتَشْرِقُ اسْكُتْلَنْدِي وَلِيدٌ فِي غِلَاسْكُو، قَامَ بِعَمَلِ دِرَاسَاتٍ حَوْلَ حَيَاةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وَالْخِلَافَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْمُبَكِّرَةِ. وَتَوَلَّى إِدَارَةَ جَامِعَةِ إِدِنْبِرَةَ ) قَالَ: 'إِنَّ مُحَمَّدًا نَبِيُّ الْمُسْلِمِينَ لُقِّبَ بِالْأَمِينِ مُنْذُ الصِّغَرِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ بَلَدِهِ؛ لِشَرَفِ أَخْلَاقِهِ وَحُسْنِ سُلُوكِهِ، وَمَهْمَا يَكُنْ هُنَاكَ مِنْ أَمْرٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا أَسْمَى مِنْ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَيْهِ الْوَاصِفُ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنْ جَهْلِهِ، وَخَبِيرٌ بِهِ مَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي تَارِيخِهِ الْمَجِيدِ، ذَلِكَ التَّارِيخُ الَّذِي تَرَكَ مُحَمَّدًا فِي طَلِيعَةِ الرُّسُلِ وَمُفَكِّرِي الْعَالَمِ'.
‏فَكَانَ ذَلِكَ صَوْتَ ابْنِي الْكَبِيرِ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ :وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الرَّجُلُ الْوَحِيدُ فِي التَّارِيخِ الَّذِي نَجَحَ وَسَمَّا وَبَرَزَ عَلَى الْمُسْتَوَيَيْنِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، وَهَذَا الِاتِّحَادُ الْفَرِيدُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَثِيلٌ ؛ جَعَلَهُ أَعْظَمَ الشَّخْصِيَّاتِ فِي تَارِيخِ الْبَشَرِيّةِ. ثُمَّ الْتَفَتَ الْعَائِلَةُ كَامِلَةً عَلَى مَائِدَةٍ تَجْمَعُهُمْ بِالْخَيْرِ، وَعَلَى الْخَيْرِ، يَتَنَاقَشُونَ فِي أُمُورِهِمْ، إِنّهُ يَوْمٌ بِالْأُسْبُوعِ كُلِّهِ بَرَكَةٌ وَنُورٌ وَسَعَادَةٌ. نَظَرْتُ إِلَيْهِمْ وَأَلْقَيْتُ بَيْتٌ مِنَ الشَّعْرِ: " وَمِمَّا زَادَنِي شَرَفًاً وَتِيهًا وَكِدْتُ بِأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ يَا عِبَادِي وَأَنْ صَيّرْتُ مُحَمَّدٌ لِي نَبِيًّا".
الْجُمْعَةُ مَحَطَّةٌ إِيمَانِيَّةٌ رَائِعَةٌ لَا تَجْعَلُهَا تَفُوتَكَ بِلَا تَغْيِيرٍ فِي ذَاتِكَ.