"ميرمية"
كان عندي دوام متل اي يوم ، يوم ماطر مثل اليوم ، أشرت أي لوحت لتاكسي .. قصر العدل عمي.... كان الجو دافىء في غرفة التاكسي والعم السائق واضح انه ملتزم دينيا .. كان يستمع للراديو ( إذاعة القرآن الكريم،) بصوت ليس بعال ولا بمنخفض .. سار قليلا وطلب مني الإذن بالتوقف لدقيقة واحدة كي يشتري له من كشك القهوة كاسة شاي .. أكيد قلتله عمي خذ راحتك ولووو .. واكيد سالني .. امانة الله اطلب الك يا بنتي شاي او قهوة. . فاجبته صحة وهنا سبقتك .
وصل طلب الشاي .. اوبااااااه .. ما هذا ..؟! طلب .. وليس بأي طلب .. بل تنهيدة تخالجني .. زمن علق في حنجرتي..
ميرمية .. وفي كل تلك المعطيات .. بيت جدي .. نكهة الزمن في كوب شاي عتيق ..
تلك الميرمية.. واذاعة القرآن الكريم ومطر .. وطفولة تلوح لي فاصغي لذاك المزراب في حوش الدار .. وتلك الياسمينة التي زرعتها أمي الحنون قبل أن تتزوج من ابي ... نعساااانه اوراقها الحلوة .. أثقلها المطر .. منهكة مثلي انا مذ غيابك يا أماه. عصفت انا بل وأكثر من عاصفة ذاك المنخفض القبرصي .. اتفضلي عمي هون منيح ؟!
جفلت ..رمشت .. اااه لقد وصلت إلى تلك البوابة .. المحكمة العظيمة.. والحشود .. سأنزل من التاكسي كالليدي ديانا.. أتمختر
بروب القانون الأسود .. كغراب يعتلي سرو وصنوبر .. ولا ينقصني سوى سبق صحفي .. ومراسلي الفضائيات . (خليها علينا) ...
قال السائق .. حين مددت يدي وانا أحمل الإيجار.. لااا.. يا عمي والله أنك تستحق أكثر وأكثر .. عمووو ..
بدي أحكيلك شي .. (نعم يا بنتي ).. عمو ((( شكرا ..))) عشو يا عمي ؟! سأنهي الجلسات واذهب بسرعه لبيت جدي .. ورح اخلي ستي تدعيلك . شكرا .. ( صفن ) العم .. غادرت ولوحت .. لم يدري العم الطيب شوفير التاكسي انني ممتنة له جدا فانا اريد العودة وبسرعة إلى ذاتي .. مشتاقة لها .. شوق ستي لاذاعة القرآن.. وشوق اللمة التي يفوح منها شاي بالميرمية .. وصوت المزراب على بلاط أبيض في (حوش) الذكريات . أنهيت عملي .. وفعلا طرت كالنورس إلى بيت جدي .. الياسمينة تنتظرني .. والمزراب يغني .. وبخار الحساء يختلس النظر عبر نوافذ نحو الشتاء .. فتحت الباب الأبيض.. باب الأبدية البيضاء .. ستي .. ستي .. انا أجيت يا ستي .. سرعان ما استقبلني عبق الميرمية.. السلام عليكم .. ابتسمت ستي .... فكان السلام في كون السلام .. عانقتها .. بل عانقت ذاتي .. ونفسي التي اشتقت لها . جلسنا سويا نستمع لإذاعة القرآن الكريم من عمان.. حول صوبة الكاز الأنيقة.. دافئة ... بل دفء البيت بحكايات الليل الطويلة .. ..... رحلت ستي .. ولكن ذاك اليوم لم يرحل .. الشغف الحقيقي لا يزول ..