القلعة نيوز:
حكايات من صميم الواقع،
ووقائع التاريخ، لم تخطر على خيال شهرزاد، ولا غلّفتها رموز كليلة ودمنة. والحكيُ
قد ينصح أو يشير أو يسلّي أو يعظ أو يذكّر أو يحضّ أو يوحّد أو يستنهض.... وما
أحوجنا إلى كل ذلك !!
ساميّون نحن من نسل سام
بن نوح عليه السلام، هذه بلادنا، جزيرتنا العربية وما جاورها من مهاجرنا، نشأنا
فيها منذ رسم فجر التاريخ خيوط أشعته الأولى، وخطّ مياسم سطوره البدائية.
كرّمنا الله فجعل بلادنا
مهبط الديانات، واصطفى منا آخر الأنبياء لآخر الرسالات، فملأنا الدنيا بها عدلا
ونورا وعلما.... لكننا انقلبنا فرحين إلى دنيانا، وتخاذلنا، وتخلّينا عن معظم
مواطئ أجدادنا، وتقوقعنا في موطننا، وما سلِمْنا، بل وصلنا إلى حال من الهوان تكاد
فيه هويتنا وتاريخنا وكينونتنا تنطوي وتذوب وتغرق في بحر النسيان. وها هو الواقع
المشهود يدل على ذلك:
ــ شعب من مليونين، في
شُعَيْب محشور بين رمل البحر ورمل الصحراء يبطش به عدو محتل ظالم، يملك قوة عاتية
جبارة، وجيوشا لجبة جرّارة، يؤازره بل يشاركه الغرب الظالم بكل جبروته وأساطيله
وذخائره واستخباراته وأقماره وطائراته.... ويفتكون به قتلا وتدميرا وتهجيرا وجوعا
وعطشا وبردا ومرضا وتشريدا.... والشعب المؤمن المضحّي الصامد الصابر ينادي
ويستغيث، ونحن ننظر وننتظر ونخطب ونحلّل!! ولا تلوح أية بارقة أمل في هذا الليل
الحالك إلا في سواعد فتية هناك، فهمتْ الإسلام حق الفهم، ووعتْ أمجاد العروبة
وقيمها وشرفها، وشحنتْ صدورها بالكرامة والعزة فدافعت ببسالة وما زالت عن حياض
الأمة ومقدساتها، وسحقت كرامة العدو، وحطمت صولجانه، وداست عنفوانه، وكشفت سوأته
وهيلمانه، وبدّدت ومزقت صورته المزيَّفة وهو يكتسح الجيوش المؤلّلة، ويجوب مناطق
شاسعة من بلاد العرب في بضعة أيام، فإذا به شهرا تلو شهر، محاصر في الحواري
والأزقّة، يتقدم شبرا ويعود أمتارا، ويتذوق مرارة طعم البأس الإسلامي العربي
الفلسطيني، الذي رمّم الصورة الشائهة السابقة، ورسم لوحة الشرف اللائقة بالدفاع عن
الأوطان، وإعادة العزة للأمة، فهل يستحق مثلُ هذا الشعب مثلَ هذا الخذلان؟؟!! ألا
يستحق أن ننصره بواجب الشرع الإسلامي أو مروءة الخلق العربي؟؟!!
لقد تناصر العرب في
جاهليتهم، ورعَوا الذمام، وحمَوا الجوار، وأغاثوا الصريخ، وأعانوا الكَلَّ
والضعيف، وصانوا العِرض العربي.... والأمثلة تستعصي على الحصر :
ــ أوغر الوشاة صدر كسرى
على النعمان بن المنذر، وأوقعوا بينهما، فاختبر كسرى وفاء النعمان، فطلب منه جوادا
عربيا أصيلا، فأبى النعمان. ثم كانت الطامّة حين طلب أن يزوّجه إحدى بناته، فرفض
النعمان ذلك بإباء، فاستدعاه كسرى. علم النعمان أنه مقتول لا محالة، فاستودع أهله
وسلاحه هانئَ بنَ مسعود الشيباني، ومضى إلى حتفه المحتوم. طلب كسرى من هانئ وديعة
النعمان، فرفض، وفرض عليه الشرف العربي أن يدافع حتى الموت عن أمانته، فكانت معركة
ذي قار نجما ساطعا يهدي الباحثين عن المروءة وكريم الخلق. فأين نحن منها الآن؟؟
ــ قُتل ملك كندة والد
الشاعرِ امرئِ القيس، فلاحَق قتلةَ أبيه، ونال منهم، لكنه لم يشفِ غليله، وحمله
القهرُ وثقلُ الثأرِ على طلب النصرة من قيصر الروم، فاستودع أهله وسلاحه السموألَ
بنَ عادياء، وهو يهودي، لكنه عربي تسربل بالمروءة العربية، وله الحصن الأبلق في
تيماء.
مضى امرؤُ القيس في
طريقه نحو هدفه ليلقى حتفه قرب أنقرة ويدفن هناك.
جاء أحد أعدائه إلى
السموأل يطلب الوديعة، فرفض، فحوصر في حصنه، وطال الحصار، إلى أن عاد أحد أبنائه
من رحلة صيد، فخُيِّر السموأل بين قتل ابنه أو تسليم أمانته، فاختار الأولى دون
تردد، خسر ابنَه، لكنه كسب ذكرا حميدا أبد الدهر في الذود عن الأمانة وشرف
العروبة. فأين نحن منه الآن ؟
لقد وُجد بين ظهرانينا
من يدعو إلى دولة فلسطينية هزيلة منزوعة السلاح، فعرض بذلك هدية للعدو مجانية قبل
أي تفاوض، وكأنّ عدونا المدجّج يعرف الرحمة، أو يراعي إلًّاً أو ذمة بوجود السلاح،
فكيف الحال بدونه؟؟!!! وكأنّ أرض فلسطين ومقدساتها ومقدراتها وحرائرها وشعبها
المظلوم المستغيث ليست كلها أمانة في ذمة العرب والمروءة العربية والشريعة
الإسلامية!!!
وما بالنا نذهب بعيدا،
وما زال بيننا إلى الآن من كريم خلق العشائر العربية شواهد تلي شواهد، أنّ حربا
ضروسا يمكن أن تشبّ من أجل مستغيث أو دخيل أو جار أو قصير، أو صارخة تدبّ الصوت
طلبا للفزعة والنجدة.
ألا تستحق فلسطين
ومقدساتها مُغيثا ونصيرا؟؟!! وليس مطلوبا ــ حتى في الأماني ــ أن يكون الغوث
بإعلان الحرب، وإن كان ذلك واجبا شرعيا وأخلاقيا، لكنّ الوسائل ما دون الحرب كثيرة
وفي المتناول : فهذه المنطقة العربية تمدّ ذراعيها شرقا وغربا لتمسك بتلابيب
التجارة العالمية جوا وبرا وبحرا..... فالبحر الأحمر عربي، وباب المندب عربي،
والخليج عربي إسلامي ( وإن اختلفنا حتى على تسميته)، والبحر الأبيض منذ معركة ذات
الصواري عربي، وما زال عربيا إسلاميا من إسطنبول وقبر أبي أيوب الأنصاري إلى طنجة
ومضيق جبل طارق وموطئ حوافر حصان عقبة بن نافع في المحيط الأطلسي. فلماذا يحاصرنا
هذا العالم الظالم بدل أن نحاصره نحن، ونغيث إخواننا برفع الحصار الجائر عنهم؟؟!!
موقعنا يحارب معنا،
ونفطنا، واقتصادنا، وتجارتنا، وخيرات بلادنا، وتاريخنا، وحاجة العالم كله لنا،
فلماذا لا نفعّل شيئا من ذلك في سبيل الحصول على أساسيات حقوقنا للوصول إلى
أبجديات واجبات أخلاقنا في الدفاع عن إخواننا المحاصرين المظلومين المستغيثين، وكل
ما يطلبونه هو مأوى آمن، ورغيف خبز، وجرعة ماء، وحبة دواء؟؟!!
أنخذلهم ونُسْلمهم إلى
أقدارهم وهم رأس الحربة في الدفاع عنا جميعا؟؟!! ألم نتّعظ من الحكاية الأبدية
الدامية لملوك الطوائف في الأندلس؟؟!! ألم نعتبر من نبوءات النبهاء والحكماء
والشعراء؟؟!!
في سنة 1929م ( يعني قبل
نكبة فلسطين الأولى بعشرين سنة ) صرخ الجواهريّ وهو القرم الحكيم الألمعيّ قائلا :
فاضت جروح فلسطين
مذكرةً جرحاً بأندلـــسٍ للآن ما التأما
يا أمةً غرّهــا الإِقبــــال
ناسيةً أنّ الزمانَ طوى
من قبلها أُمما
سيُلحقون فلســطيــنا
بأنـــدلسٍ ويَعطفون
عليها البيتَ والحرما
ويســلبونــكِ بغـــداداً
وجِلــّقةً ويتركونكِ لا
لحماً ولا عظما(جلّقة:يعني دمشق)
يا أمةً لخصــومها احتكـــمتْ كيف
ارتضيتِ خصيماً ظالماً حَكَما؟؟!!
حوالي مائة عام مرّت على
هذه القصيدة، فهل وجدنا ما قاله الجواهريّ حقا وصدقا ؟؟!! وهل بقي لدينا شكٌ أن
باقي نبوءته سيتحقق؟؟!!
لقد أدرك الثور الأحمر
في مشهد الموت، بعد تخلّيه عن رفيقَيه أنه أُكل يوم أُكل الثور الأبيض. وعسى أن
نكون نحن أشدّ إدراكا منه قبل فوات الأوان، فنندم، ولات ساعة مَندم!!!