
حسين الرواشدة
لدي قناعة أن لحظة المواجهة بين بلدنا والكيان المحتل قادمة ، وربما تكون أسرع مما نتصور، كما لدي قناعة أن الدولة الأردنية تدرك ذلك ، وتسخّر إمكانياتها للتعامل مع أي أحداث أو مستجدات بمزيج من الحكمة والقوه والحزم ، لا أقصد بالمواجهة الحرب ، هذه الآن استبعدها، ما أتوقعه : قبل نهاية هذا العام كرة الأزمة السياسية بين البلدين ستتدحرج، ملف الضفة الغربية والأغوار سيكون رأس الحربة، تداعيات الأحزمة الأمنية التي بدأت تل أبيب بتفاصيلها في لبنان ثم سوريا (على حدودنا ) ستشكل صاعقاً قابلاً للاشتعال، معركة الصراع على القدس والمقدسات ربما تكون أخطر بالون اختبار، نحن أمام صراع إرادات واستحقاقات ،ومحاولات لفرض وقائع جديدة.
كتبت قبل نحو عام ونصف( 2/12/2023 ) في هذه الزاوية عن "فاتورة مواقفنا على جبهتي واشنطن وتل أبيب"، تساءلت : هل سيدفع الأردن فاتورة مواقفه وخطابه السياسي اتجاه العدوان الإسرائيلي على غزة؟ الإجابة نعم ، فلكل موقف ثمنه السياسي ، والأردن وضع نفسه في خندق غزة ، وأختار التصعيد لأعلى سقف مقارنة مع غيره من البلدان العربية والإسلامية .
تساءلت آنذاك ، ايضاً، : هل ما فعلنا كان موزونا على مسطرة الأرباح والخسائر ، وهل نحن جاهزون لدفع الكلفة المتوقعة، وكيف ؟ لم يكن لدي حينئذ إجابات واضحة، لكن لا يمكن للدولة ،في تقديري ، أن تسير على سكة تحولات أو مراجعات عميقة على هذا المستوى الاستراتيجي إلا إذا توفر لديها ما يلزم من معلومات وقناعات لبناء مواقف وقرارات ، تصب في مصلحة البلد وتحميه من أي أخطار قادمة.
الآن اتضحت الصورة ، من المفارقات أن رسالة الملك الحسين رحمه الله إلى نتنياهو قبل نحو 28 عاما (آذار 1997 ) والتي عبّر فيها عن خيبة أمله ازاء السياسات التي ينتجها نتنياهو للانقلاب على معاهدات السلام ، تزامنت مع صدور كتاب (مكان بين الأمم :إسرائيل والعالم) الذي قدم فيه نتنياهو رؤيته حول عملية السلام والقدس والدولة الفلسطينية والضفة الغربية وغور الأردن واللاجئين .. الخ، في الرسالة والكتاب تبدو صورة المواجهة بين عمان وتل أبيب (نتنياهو تحديداً) واضحة تماما، ربما تأخرت لأسباب لا مجال لسردها هنا ، لكن ما حدث في 7 أكتوبر وما بعده غيّر الكثير من المعادلات القائمة، المنطقة الآن في مرحلة إعادة تشكيل وترتيب، ترامب ونتنياهو وقعا وثيقة سرية أشبه ما تكون بوعد بلفور جديد.
لدى الأردن ، أقصد إدارات الدولة ، ما يلزم من لواقط ومجسّات لفهم المرحلة وتقدير حجم المواجهة ، وكيفية إستدراكها أو الرد عليها، أو التعامل معها، الدولة الأردنية تتحرك سياسياً وتفكر بمنطق الدولة ، لا بمنطق التنظيمات ولا بردود الأفعال ولا بعقلية المغامرة ، ولا بناء على رغبات الجمهور ، وهي ليست ذراعاً لأحد ، ولا تضع في اعتبارها إلا المصالح العليا للأردنيين.
قلت : المصالح العليا للأردنيين، هنا ، يبدو أن ترسيم الحدود والتقاطعات بين المصالح والثوابت الأردنية وبين ملف القضية الفلسطينية سيتم في إطار اللاءات الملكية الثلاثة، هذا يعني، أولاً، حماية القضية الفلسطينية من محاولات التصفية ودعم صمود الفلسطينيين على ارضهم، كما يعني، أيضاً، نزع اية ذريعة تفكر بها إسرائيل لتمرير حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن ، الهدف الأساسي للأردن هو تثبيت مبدأ الأردن للأردنيين ، وفلسطين للفلسطينيين، بدون اي التباسات.
تبقى نقطة أخيرة، الدبلوماسية الأردنية تتحرك ، عربياً ودولياً، لوقف الحرب ومنع تل أبيب من تنفيذ رغباتها ومخططاتها ، لدى الأردن قنوات سياسية مفتوحة مع كافة الأطراف ، ولديه، أيضاً، اوراق قوة يستثمر فيها، المعاهدة والاتفاقيات مع إسرائيل يمكن وضعها على الطاولة في أية لحظة ، الجهوزية والاستعدادات ، أمنياً وعسكرياً، تجري على قدم وساق، يبقى أن نثق جميعا بالدولة ونلتف حولها، ونحافظ على تماسكنا ووحدتنا وعناصر قوتنا، ولا نسمح لأحد أن يدقّ بيننا أسافين الخلاف والانقسام .