
التلة المفقودة
القلعة نيوز- بقلم سياج الدين أبو شارب
وصلتُ منهكاً الى أرضِ الأمان فوجدتها قد نفقتْ حزناً و قهراً و الأملُ أصبح ألما كئيبا ، و حرت و حارت بي الذكرى قد تفتقت ألما ، و صحوت على مستنقع الجفاء ، تلك هي الصدمة الخانقة للعبرات، فقد دخلت أرض الروح والانسجام التي كنت أحلم إني لو أعشها ساعة من نهار ، ف انحبس قلبي في حنجرتي من هول الصدمة، إذ وجدتها .. قد صمت صوت لحنها الدائم و الذي طالما نسجه انحناء أشجارها للثلج المتساقط و اهتزاز أغصانها بالرياح التي تجر حبات الثلوج لتدق أوتار هذه الأغصان القديمة لتحركها ، و لتسقط شذرات الثلج المتراكمة عليها من تعاقب الزمان ، لتصنع للطبيعة سيمفونية تبعث الأمل و الحب و الانسجام دون انقطاع ، وجدتها و قد انطمست من هذه اللوحة الموسيقية نغمة الذئب الجامح المتفائل الذي يوقفه الثلج المتساقط لتصده الرياح القوية عن الوصول الى ظبي متعب خارت قواه و غارت في الثلج قوائمه ينزعها تارة و يشم مكان غرزها تارة أخرى باحثا عن عشبه يأكلها ليقوى بها على متابعة المسير، و زرقة الغيم الدافنة تخيم على صفحات هذه السيمفونية المتناغمة في كل مقاطعها ، نعم لقد فقدت هذه النغمة التي طرقت ذهني مع كل نسمة رطبة تسللت إلي في بلاد القهر لتأخذني الى هناك و مع كل نغمة ذكرى في الماضي نسجت أحلامي ، تلك اللوحة الموسيقية التي طالما حلمت بها شوقا و أملا و عشقا ، يا لها من حسرة ! فمن بعد طول مسير و آلام فقير وصلت ، و إذ بأنفاس الطبيعة قد اسودت بالقتر و لم يبق من أثر سيمفونيتها إلا عوالق شاحبة قليلة و متفرقة من أغصان ممزقة و أوراقها المتخشبة السوداء العالقة ، تهزها الريح القاتمة الداكنة فتصطدم بعضها لتسمعني صوت أنينها شاكية ظلمة الظلم ، و الجو محتر بدخان الجشع و الأرض مضرجة بدماء سيقان الأشجار و رفات الظبيان ، و الذئب قد سحق بفروته ، نعم فقد حرقوا لوحة ذكرياتي المرسومة بعشق انسجام الآمال بالأنفاس الباردة و الزفرات الدافئة ، على تلك التلال القديمة التي كان يكسوها شيب الوقار الناصع ، نعم أنها عبرات ما دقت قلبي حتى خنقتني ، نظرت حولي فإذا بي وحيدا مستوحشا ، فقلقت و فزعت و تبعثر كل أملي و انقطع الوصال و أحسست بقشعريرة الخوف و حمى البين ، فقلت متحسرا : لو إني بقيت مقيما على الهوان القديم تصاحبني الأحلام ، لكان أهون لي من أن أجد أرض الأمل قد أنهكها جشع التصارع الذي ألحق بانسجام الأمل و أنفاس الطبيعة كل البتر و الانفصال ، لأخسر آخر ورقة راهنت نفسي المقهورة عليها ، لذلك قررت إن لا أبقى و أن لا أعود ...
تلك إذن قصتي