القلعه نيوز - كتب تحسين التل- *
الكتابة عن حرب فلسطين يقترن دوماً بمجموعة من الظواهر؛ حدثت بعد منتصف الأربعينات بقليل، أي، قبل إعلان الدولة الإسرائيلية على أربعة وخمسون بالمئة من فلسطين، ويرتبط أيضاً بغدر بريطانيا للعرب، ولقضية فلسطين، والتحكم بالجيوش العربية بحجة عدم قدرة هذه الجيوش على السيطرة والمحافظة على الأرض، أمام جيش يهودي مدرب لديه القدرة على التحرك، والمناورة، خلال المعارك التي كانت تدور رحاها في مناطق متعددة من فلسطين. استطاعت بريطانيا بما تملكه من سلاح، وجيش مدرب يسيطر على الأردن، وفلسطين، التأثير على مجريات ما يحدث في فلسطين، فالإنجليز يدعمون اليهود في حربهم، ويساعدونهم عند تعرضهم لحصار، أو هجوم كبير بسحب بعض الكتائب والسرايا من أرض المعركة لتخفيف الضغط على قواتهم المحاصرة تارة، والتي تعرضت للتدمير تارة أخرى، بحجة إعادة انتشار الجيش للسيطرة على مناطق أكثر أهمية،
تبريرات واهية، كانت السبب في تجميع القوات الإسرائيلية وتمددها، وانتشارها، وإعادة تسليحها، والسماح لها من قبل الإنجليز بالتحرك ضمن برنامج معين هدفه في نهاية المطاف؛ السيطرة على أجزاء كبيرة جداً من فلسطين، واستصدار قرارات من الأمم المتحدة، من شأنها منح اليهود دولة إسرائيلية قابلة للحياة. الجيش الأردني سطر أروع الإنتصارات في فلسطين بالرغم من أن القيادة العسكرية كانت للجنرال كلوب الإنجليزي، وقيادة الكتيبة الرابعة التي سيطرت على ضواحي القدس بقيادة المقدم حابس المجالي، والكتيبة السادسة التي حررت القدس الشرقية من براثن اليهود كانت بقيادة الكولونيل عبد الله التل، كتائب فرضت سيطرة عسكرية تحدثت عنها الصحف، والإذاعات، ومراكز القوى الدولية، وكيف استطاعت الكتيبة السادسة بقيادة أبا المنتصر أن تمنع سقوط القدس حتى عام (1967)،
أي أن الجيش الأردني حافظ على القدس مدة تسعة عشر عاماً. عند هزيمة اليهود في القدس وطلب اليهود والإنجليز وقف الحرب تمهيداً للدخول في مفاوضات بين الجيوش المتصارعة على احتلال فلسطين أو تحريرها، برز عن الجانب اليهودي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي موشيه دايان، وكان يمثل الجانب الخاسر والمهزوم في معارك القدس، وعن الجانب الأردني الكولونيل عبد الله التل الذي مثل الجانب الأردني المنتصر ولديه أوراق كثيرة رابحة، منها: سقوط الحي اليهودي بيد الكتيبة السادسة، وعدد كبير جداً من الأسرى، والجرحى، والقتلى، ومنطقة منكوبة ومدمرة بحاجة الى إعادة تأهيل من قبل الصليب الأحمر الدولي، ومعاهدة ثانية جاهزة للتوقيع بين الجانب المهزوم، والجانب المنتصر.
سنتحدث عن الوثيقة الأولى التي وقعها القائد الكبير عبد الله التل مع القائد الصهيوني روزنك، وأطلق عليها: وثيقة استسلام الحي اليهودي:
أولاً:
كنا نشرنا في تقارير متعددة تتعلق بحرب فلسطين عن وثيقة الإستسلام؛ تلك الوثيقة التي وقعها موشيه روزنك زعيم اليهود في القدس، والقائد عبد الله التل، ونظراً لأهمية الوثيقة التي تُعد من أهم الوثائق التاريخية خلال مرحلة الصراع العربي الإسرائيلي، وهزيمة اليهود في القدس تحديداً عندما حدد المنتصر شروط اعتبرها الجانب اليهودي من الشروط المذلة، وإذعاناً لوثيقة الاستسلام؛ قام روزنك بتسليم مسدسه الشخصي للكولونيل عبد الله التل، والوثيقة تم نشرها أكثر من مرة، وها نحن نعيد نشرها مع الصور.
ثانياً:
الإتفاق الموقع بين الطرف الأردني والطرف اليهودي يؤكد أن القدس ستبقى عربية، وهي عاصمة للدولة الفلسطينية، وهذا ما أصر عليه الجانب الأردني قبل توقيع أي اتفاق للهدنة ووقف الحرب، فقد جاءت الهدنة بضغط من مجلس الأمن وبريطانياً أكبر داعم للصهيونية في التاريخ الحديث، وخوفاً من استمرار الحرب التي لو استمرت لما قامت لليهود دولة، وعاصمتها تل أبيب، مع بقاء اليهود في القدس الغربية وفقاً لقرار التقسيم المعروف.
عندما صافح القائد التل موشيه دايان، لم يكن من أجل تحقيق سلام متوازن بين أطراف منتصرة؛ إنما جاء السلام بين طرف منتصر على أرض الواقع، وطرف مهزوم، يرغب بوقف الحرب، والمحافظة على ماء الوجه، وعلى ما تبقى له من قوات محطمة، وأشلاء عسكرية مبعثرة بفعل الهجمات العسكرية للجيش الأردني بقيادة الكولونيل التل الذي أذاقهم الهزيمة تلو الهزيمة، ومد يده مصافحاً دايان وهو يضحك ضحكة المنتصر أمام قائد عسكري مهزوم، ترتعد فرائصه من أسد عملاق بحجم أبا المنتصر
. حافظ الجيش الأردني على القدس الشرقية تسعة عشر عاماً، لكن إسرائيل عام (1967) هزمت الجيوش العربية، واحتلت القدس الشرقية، والضفة الغربية، وقطاع غزة، وسيناء، والجولان، وجنوب لبنان...
tahseinettal@yahoo.com
* اعلامي مخضرم وباحث وناشر صحفي