القلعة نيوز -أبوظبي – دولة الامارات العربية المتحدة
افتتحت صباح اليوم دورة حول "الشمول المالي" التي ينظمها معهد التدريب وبناء القدرات بصندوق النقد العربي، في مقر الصندوق بأبوظبي خلال الفترة 22 – 26 ديسمبر 2019.
اكتسب موضوع الشمول المالي أهمية متزايدة عقب الأزمة المالية العالمية الأخيرة في عام 2008، حيث بدأ الاهتمام من مختلف صانعي السياسات المالية والاقتصادية لدى العديد من دول العالم المتقدمة والنامية ينصب على موضوع الشمول المالي ومدى القدرة على الوصول إلى الخدمات المالية لمختلف شرائح المجتمع وبالأخص الفئات المحرومة والمستهدفة من النظام المالي، لما لهذا الموضوع من أثر على الاستقرار المالي والاجتماعي والتنمية الاقتصادية وكذلك حماية المستهلك المالي. حيث تُشير التقارير الدولية أن حوالي 31 في المائة من سكان العالم البالغين لا يتوفر لديهم حسابات مصرفية، في حين بلغت النسبة في الدول العربية حوالي 63 في المائة في المتوسط.
ومن هنا تبرز أهمية توافر الخدمات المالية لكافة شرائح المجتمع بيسر وسهولة، بمعنى تمكين كافة أفراد المجتمع من الحصول على الخدمات المالية بشكل عادل وشفاف وبتكلفة معقولة.
يمكن استخدام بعض المؤشرات لقياس الشمول المالي مثل عدد حسابات التوفير المفتوحة لدى المؤسسات المالية، واستخدام الصراف الآلي، واستخدام بطاقات الائتمان وغيرها.
من المؤمل أن يؤدي انتشار الخدمات المالية وسهولة الوصول إلى التمويل لكافة شرائح المجتمع إلى زيادة النمو الاقتصادي.
يتطلب توفير البيئة الملائمة لنجاح المسعى مثل الانظمة والمهارات لتمكين كافة شرائح المجتمع للحصول على الخدمات المالية. تتناول الدورة مفاهيم الشمول المالي والسياسات المرتبطة بتعزيز الشمول المالي وتجارب الدول العربية في هذا الشأن.
بهذه المناسبة جاء في كلمة معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي، المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي:
حضرات الأخوات والأخوة
يسعدني أن أرحب بكم أجمل ترحيب في بداية الدورة حول "الشمول المالي" التي ينظمها معهد التدريب وبناء القدرات بصندوق النقد العربي، آملاً أن تعود الدورة عليكم بالفائدة وإثراء معلوماتكم بخصوص هذا الموضوع الهام.
حضرات الأخوات والأخوة
من الطبيعي أن يكون لتطور القطاع المالي أثر إيجابي وملحوظ على النمو الاقتصادي، فالوظائف العديدة للقطاع المالي التي تتجسد، على سبيل المثال لا الحصر، في تجميع المدخرات وتقييم أفضل للاستثمار، وإدارة المخاطر وتسعيرها، وتخفيض تكلفة التعاملات، وإجراء عمليات المقاصة وتسوية المدفوعات. حيث هناك آثار هامة للشمول المالي على الاستقرار المالي، فعلى سبيل المثال، يعمل الشمول المالي على تعزيز قدرة الأفراد على الوصول إلى الخدمات المالية عبر القنوات الرسمية الخاضعة للرقابة والإشراف واحتواء مؤسسات وبنوك الظل، مما ينعكس بصورة إيجابية على الاستقرار المالي. إضافةً إلى ذلك، فإن عدم قدرة الأفراد المحرومين من الوصول إلى النظام المالي الرسمي يجعلهم يلجؤون إلى النظام المالي غير الرسمي، الذي بالعادة يكون غير منظم ويمارس إجراءات تعسفية ضد عملائه مما قد يؤدي إلى حدوث عدم استقرار مالي.
يعمل الشمول المالي على توفير السيولة التي يحتاجها قطاع الشركات لإنشاء المشاريع الاقتصادية أو تطويرها وبالتالي توفير المزيد من فرص العمل وتعزيز معدلات النمو الاقتصادي. ويُمكن وصف العلاقة بين الاستقرار المالي والشمول المالي بأنها تكاملية، وفي كثير من الأحيان تعتبر علاقة طردية، فكلما تعززت مؤشرات الشمول المالي تحسنت مستويات الاستقرار المالي، حيث إن اتساع قاعدة استخدام الخدمات والمنتجات المالية الرسمية لتشمل كافة الفئات المستهدفة يُساهم في تعزيز الاستقرار المالي. علاوةً على ذلك فإن توسيع قاعدة الودائع الادخارية والاستثمارية ليشمل صغار المودعين كفيل بالحد من مخاطر السيولة كون أن هذا النوع من الودائع يُعتبر أكثر استقراراً.
حضرات الأخوات والأخوة
لا يخفى عليكم أهمية توافر الخدمات المالية لكافة شرائح المجتمع بيسر وسهولة، بمعنى تمكين كافة أفراد المجتمع من الحصول على الخدمات المالية بشكل عادل وشفاف وبتكلفة معقولة، وهو ما يعرف بالشمول المالي. يمكن استخدام بعض المؤشرات لقياس الشمول المالي مثل عدد حسابات التوفير المفتوحة لدى المؤسسات المالية، واستخدام الصراف الآلي، واستخدام بطاقات الائتمان وغيرها. من المؤمل أن يؤدي انتشار الخدمات المالية وسهولة الوصول إلى التمويل لكافة شرائح المجتمع إلى زيادة النمو الاقتصادي. هذا يتطلب توفير البيئة الملائمة لنجاح هذا المسعى مثل الانظمة والمهارات لتمكين كافة شرائح المجتمع للحصول على الخدمات المالية.
من جانب آخر، يُعتبر الشمول المالي وسيلة هامة لتحقيق التنمية المستدامة من خلال دوره في الكفاءة الاقتصادية والمساواة الاجتماعية، اللذان يمثلان عنصرين رئيسين في عملية التنمية المستدامة. حيث يساعد الشمول المالي على تحقيق عدة أهداف من بين الأهداف السبعة عشر الطموحة للتنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة لعام 2030. على سبيل المثال يُساهم الشمول المالي، من خلال تعزيز النفاذ إلى الخدمات المالية (التمويل والادخار والتأمين)، إلى الحد من الفقر والجوع وعدم المساواة، لا سيما بين الجنسين، وتحسين فرص الحصول على العمل، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتعزيز الرفاه الاجتماعي.
في هذا الإطار، خطت الدول العربية خطوات هامة فيما يخص تعزيز الشمول المالي، حيث دأب العديد من هذه الدول على إطلاق إستراتيجيات وبرامج وطنية لتعزيز الشمول المالي بشكل مدروس وحصيف وتوفير البنية التحتية اللازمة له، بما يدعم النمو الشامل والمستدام، حيث ارتكزت الإستراتيجيات والخطط على عدة محاور مثل: تطوير برامج وإستراتيجيات وطنية للشمول المالي، والاستفادة من التقنيات المالية الحديثة، وتعزيز حماية مستهلكي الخدمات المالية، والاهتمام بقضايا التثقيف والتوعية المالية، وبوصول المرأة والشباب للخدمات المالية الرسمية، وبدعم المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة ووصولها للخدمات المالية. وقد انعكست جهود دولنا العربية إيجاباً على مؤشرات الشمول المالي لديها، إلا أن هناك حاجة لمواصلة هذه الجهود لتحسين مؤشرات الشمول المالي، وهذا يتطلب الاستمرار ببذل المزيد من الجهود من كافة الأطراف ذات العلاقة لتحسين مؤشرات الشمول المالي بشكل أكبر.
من جانب آخر، بناءً على قرار مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية عام 2012، تم إنشاء فريق العمل الاقليمي لتعزيز الشمول المالي في الدول العربية، الذي يتولى صندوق النقد العربي القيام بأعمال الأمانة الفنية له، وقد تضمنت أعمال الفريق عدة مهام أهمها المساهمة في تطوير السياسات والإجراءات المتعلقة بتعزيز الشمول المالي في الدول العربية. كما أطلق صندوق النقد العربي بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتنمية والتحالف العالمي للشمول المالي وبمشاركة مجموعة البنك الدولي، "المبادرة الإقليمية لتعزيز الشمول المالي في الدول العربية"، في شهر سبتمبر 2017، وذلك بهدف الارتقاء بمؤشرات الوصول للتمويل لجميع القطاعات الاقتصادية والفئات الاجتماعية، خاصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال وقطاع الشباب والإناث.
في هذا السياق، ولدعم البنية التحتية للنظام المالي في الدول العربية، والتي تُعتبر أحد أهم أركان تعزيز الشمول المالي، يعمل صندوق النقد العربي في إطار جهوده لإنشاء نظام إقليمي لمقاصة وتسوية المدفوعات العربية البينية، على الاستفادة من حلول التقنيات المالية الحديثة لدعم تسريع وخفض كلفة وتحسين كفاءة مقاصة وتسوية المعاملات المالية والاستثمارية العربية البينية، ومع الشركاء التجاريين الرئيسين للدول العربية. حيث باشر الصندوق جهوده لتطوير نظام "بنى" للمؤسسة الإقليمية لمقاصة وتسوية المدفوعات العربية، تتمثل أهم ملامح نموذج عمل النظام، أنه يقوم على إنشاء آلية مركزية لمقاصة وتسوية المدفوعات عبر الحدود خلال اليوم بعملات متعددة، بما يراعي المتطلبات ليتوافق مع نظم الدفع لدى الدول العربية. كذلك يقوم التصميم على الالتزام بالمعايير والمبادئ الدولية ذات الصلة خاصة مبادئ البنية التحتية لأسواق المال الصادرة عن بنك التسويات الدولية (PFMIs)، والمعايير الدولية الخاصة بمكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادرة عن مجموعة العمل المالي (FATF). وهناك مرونة في المشاركة في النظام من قبل المصارف المركزية والمصارف التجارية، وفقاً لمرئيات كل مصرف مركزي. والرؤيا أن يقوم النموذج على استخدام العملات العربية في عمليات المقاصة والتسوية، إلى جانب العملات الدولية الرئيسة.
حضرات الأخوات والأخوة
إن التفاعل البناء سيثري بلا شك الدورة وسيشكل إضافة نوعية لتعزيز الاستفادة منها، لذلك أحثكم على تبادل الآراء والتجارب في بلدانكم.
وفي الختام لا يسعني إلا أن أتقدم بخالص الشكر للزملاء الخبراء المميزين المشاركين بتقديم مواد الدورة.
مع أطيب التمنيات بدورة موفقة وإقامة طيبة في دولة الامارات العربية المتحدة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.