
القلعة نيوز-
علي سعادة
ترك ندوبا وجراحا في كل مكان على هذا الكوكب.
فرض على نصف البشرية البقاء في بيوتهم أياما طويلة غارقة بالوحدة في مواجهة شاشة التلفاز وبرامج ومذيعين يبعثون على السأم، أو متابعة الأفلام والمسلسلات على "نتفليكس" وغيرها.
لا أحد يعرف ما هذا الكائن الدقيق الخطير الذي لا يرى بالعين المجردة ويبلغ قطره حوالي 80 نانومتر، أي أقل من شعرة الإنسان بحوالي ألف مرة.
هو لغز من ألغاز حياتنا التي لا تتوقف منذ أن وعينا على الحياة، أصبح أحجية ولدت الكثير من النظريات والتكهنات، ولكن بدون إجابات أكيدة، هل الخفافيش هي المسؤولة، ماذا عن الإنسان!
هو من سلالة غير مرحب بها، سلالة "الفيروسات التاجية" التي اشتقت مما يشبه التاج الموجود على سطحها، فهي "محاطة بكبسولة بروتينية على شكل "تاج"، ومن هنا جاءت التسمية التي لا تليق بهذا الفيروس الماكر والمخادع مثل لص حاذق يعرف جميع مداخل البيوت.
الوباء يوفر للحكومات الماركة مثله غطاء لانتهاج سياسات تهدد حياة الناس وترفع من وتيرة القمع، تحت عباءة "كوفيد-19". ومن بين النتائج أيضا، تكاثر المشاكل المتعلقة بالصحة النفسية بما في ذلك الاكتئاب، القلق، الانتحار، والعنف المنزلي، والخلافات الزوجية.
"كوفيد 19" قتل الكثيرين، وربما عشرات الملايين من البشر، لكن بطرق مختلفة من دولة إلى أخرى: فقدان الوظائف، دمار المشاريع التجارية، زيادة الفقر، تزايد سوء التغذية ومخاطر المجاعة والبطالة.
بحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن نصف مليار نسمة، أو ما يقرب من 8 بالمائة من تعداد السكان في العالم، قد يدفعون نحو العوز بنهاية العام الحالي بسبب كورونا.
دمار كوني في جميع الاتجاهات ، تسونامي فيروسي أتى على الوظائف والمهن فدمرها للغاية، منظمة العمل الدولية تعلق الجرس وتندب الواقع المرير، نحو 1.6 مليار عامل ممن يعملون في الاقتصاد غير الرسمي – أي تقريبا نصف العدد الإجمالي للقوى العاملة عالميا والتي تعد ما يقرب من 3.3 مليار – يواجهون خطرا مباشرا يؤذن بدمار معيشتهم . بحسب المنظمة الدولية.
وفيما لو استمرت الإغلاقات أو توسعت، فستزداد الأحوال سوءا.
مع أن الإغلاقات فعالة، إلا أنه في البلدان التي لا توجد فيها شبكة حماية اجتماعية، وتلك التي يعمل معظم سكانها في الاقتصاد غير الرسمي، فإن أوامر إغلاق المحلات والطلب من الناس البقاء في البيوت لفترة طويلة، قد تكون صعبة، فعندما يضطر الناس إلى الاختيار بين التباعد الاجتماعي، أو السعي لكسب قوت عائلاتهم سيختارون لقمة العيش.
و بدلا من القضاء على فيروس كورونا، قد تتعلم المجتمعات التعايش معه، فالمدن ستفتح بشكل تدريجي، وسيستعيد الناس بعض الحريات، وسيصبح الاختبار والتتبع جزءا من حياتنا، قد يتم تطوير علاجات، ولكن قد يستمر تفشي المرض كل عام، وسيحصد أرواح البشر سنويا.
إذن نحن بحاجة إلى "خطة أ" و"خطة ب".
إذا لم نتمكن من إنتاج اللقاح، فلن تبقى الحياة كما هي الآن، وستعود تدريجيا إلى طبيعتها، وسنتعايش مع مرض لا يزال في جعبته الكثير من ألعاب وحيل ليصدمنا بها.
وربما سنفتقد اللحظات الحميمة الدافئة بعد أن نتعود على التباعد الاجتماعي، ربما نفقد مهاراتنا على لمس الأشياء التي نحبها، وتحسس أيدي ووجه أطفالنا، واحتضان من اعتدنا على لقائهم بأذرع مفتوحة، وربما يصيب الوهن والخواء قلوبنا.
لكننا قد ننتصر، فنحن أيضا لدينا طرقنا الذكية والماكرة في التحايل على الفيروس الحاذق، ولم نفقد مهارتنا في هزيمته بعد.