شريط الأخبار
وزير الأوقاف يتفقد الحجاج في مكة المكرمة أوتشا: الاحتلال الإسرائيلي يخنق مدنيي غزة في 18% من القطاع ارتفاع عدد شهداء مراكز توزيع المساعدات في قطاع غزة الى 52 "الأونروا": آلية توزيع "مساعدات غزة" لا تلبي الاحتياجات الجمارك تدعو للاستفادة من قرار شمول القضايا الجمركية بإعفاء الغرامات اجتماع أردني سوري لبحث التعاون بقطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الجيش يحبط محاولة تهريب مواد مخدرة بواسطة طائرتين مسيّرتين بالاسماء : ترفيع متصرفين إلى رتبة محافظ وإحالتهم للتقاعد سعد الصغير ينتقد شقيق إبراهيم شيكا: عيب بنك صفوة الإسلامي.. نمو مالي وريادة مجتمعية والثقة بلا حدود لإدارته الحكيمة الحجاج يتوافدون إلى مكة وسط تدابير مشددة ودرجات حرارة مرتفعة الذهب يرتفع مسجلا 3309 دولارات للأونصة عجلون: بيت البسكوت نكهات تراثية بأياد محلية تجارة الأردن تشيد بقرار تمديد مهلة توفيق الأوضاع لشركات الصرافة بالأسماء ... وظائف شاغرة ومدعوون لإجراء المقابلات 180 طبيب بيطري أردني يشرفون على ذبح أكثر من مليون رأس من الهدي في الحج بحث تطوير البنية التحتية لشبكة الإنترنت في سوريا من خلال الأردن رئيس الوزراء يفتتح توسعة مستشفى الأميرة إيمان الحكومي في دير علا تأثير كبير.. إليكم أهمية دور الآباء في تشكيل علاقة الطفل بالطعام دراسة جديدة عن "الزهايمر".. ماذا كشفت؟

فراشات

فراشات


القلعةنيوز-
حنان بيروتي

الشّمس تغيبُ مبكرًا، تتسللُ العتمةُ إلى الصحراء المترامية حولنا، تعشش في زوايا نفسي عناكبُ الخوف، دومًا كنت أخاف من العناكب، وأصرخ بفزع بمجرد اشتباهي باقتراب عنكبوت من جسدي، هي رفاهية عشتها في بيتي قبل أن يتحول البيت إلى خيمة في مخيم صحراوي شاسع تزدحم فيه الخيم كأنّها نتوءات بلا تناسق و تنتثر على كف الصحراء، حيث تسلخ الشمس الجلد على مهل وتخلو الخيامُ من مستلزمات الحياة، مجرد عيش على ذمة الموت، أفكر وأنا أبحث عن ماء نظيف فحلقي جفَّ كأني أعاني العطشَ المزمن، لِمَ غادرنا بيوتنا؟ لماذا نخافُ على حياتنا إن كان امتدادها بمثل هذه البشاعة؟ لكني أتذكر رعبَ اللحظات التي تسبق القصف وتراكضنا مثل سرب نمل مذعور من آلة قتل تلاحقنا، غياب أبي وهو يبحث لنا عما يقوتنا به قبل اختفائه لأيام تناسلت حتى تحولت لشهور أعلنت بعدها أمي إنّها تتمنى رجوعه لكنها باتت يائسة، وظلت جدتي لأبي تنوح على عتبة البيت قبل أن يتحول بكاؤها لهسهسة بالكاد تسمع كأنها باتت تخشى من تكاثر الحزن واليأس في ملامح أمي التي أقسم بأنها شاخت في شهرينِ كما لم تكبر بأعوام...ماذا أتذكر؟ اتصال بأمي يخبرها بأنَّ أبي مخطوف واضطرارها لبيع سطح البيت بثمن بخس دونما جدوى؛ فقد تبخّر المال ولم يعد أبي، في الحروب تكثر الاستثمارات في دم الناس، يتحول البني آدم إلى رزم نقدية أو لا شيء، مجرد رقم أو فائض عن حاجة الحياة؛ كيف لا نغادر هذه الفوضى؟!

العتمةُ صارت غطاءً ثقيلاً تحته يتسلل الخوف، لم يعد من حشراتٍ صحراويةٍ تخرج من مخبائها في برودة الليل، العقارب والأفاعي لم تعد تخيفنا بقدر البشر، بعضهم يتحول في جنح الظلام إلى وحوش يشكّلون عصابات تغتصب وتسلب وتقتل، تستقوي على ضعف المتشردين وقلة حيلتهم، وضعف المرأة حين تكسرها عِظمُ المسؤوليات وتهدُّها حقيقة غياب رجلها...

أحاولُ أن أطيل السهرَ قدر استطاعتي، أجلس على باب الخيمة أرقبُ ما حولي، أخافُ أن يمسَّ أحدٌ بعائلتي أو بما تبقى منها فأنا الآن رجلُ العائلة رغم أنَّ عمري لا يتعدى الخمسة عشرة سنة هكذا الحرب مثل الفرن تجعلك تنضج مبكرًا أو تحرق المراحل، أنا لم أحرق مراحل لكنها حُرقت داخلي كأنَ في أعماقي صحراء تحاكي تلك التي نلوذ بها، في الفجر علي أن أسرع لأملأ دِلاء الماء قبل انقطاعها، تحصيلُ حصتك من الحياة هنا يحتاج لمخاطرة ؛كلّ شيء بثمن، حتى الذهاب إلى الحمام العام لقضاء الحاجة يستوجب الحذر، حماية النساء والفتيات، يا الله الناس في الشتات تتحول لطرائد وفرائس وصيادين، خليط مزيج من كل شيء كأنّ كلَّ ما الإنسان من جنون وشرٍ وحلم وقدرة على الابتكار والأذى يخرج، الأذى صنيعُ الخوف؛ كلنا خائفون هنا ونقتل خوفنا بأذية الآخرين لنشعرَ بأنّا في أمان، حتى الحب متاح هنا...هل قلتُ الحب؟ أنا أهذي إذن!

تتسلل صورة رهف المقيمة مع عائلتها في الخيمة القريبة إلى قلبي كما عصفور يلوذ بظلِّ شجرة، رغم ملابسها الفضفاضة والتي تستر جسدها، وغطاء رأسها وملامح الأسى في وجهها وحرص والديها عليها حرصًا بالغًا إلا أنَّ صورتها وهي تنظرإلي تلك الصبيحة لا يمكن أن يغيب عن ذاكرة القلب، آه الحب بلسم لجروح الحياة، معجزةٌ تجعلك تحب حتى في مخيم في صحراء وأنت معلق في كف المجهول ومختزن بدموع تأبى على الإنسكاب وربما هو تخيلٌ كي نستطيع احتمال الحياة وثقل الوجود...

يتذكرُ كيف سمع صراخها ليلة شبّت النار في الخيام في الشتاء المنصرم، وكيف استجمعَ قواه ليجري ويساعد في إخلاء الموجودات القليلة في الخيمة والإبتعاد عن النار التي تأكل ما تراه أمامها بشراهة جائع، هو لا يعرف إنْ كانت أحست بوجوده أو حتى لحظت بأنه قريب، كلّ ما يعرفه أنه أحس بفرح غامر، الحب يمنحكَ الفرح ويهديك قطراتِ سعادة حتى في أحلك الأوقات وأتعسها، ربما هو يعطيك بعدًا رابعًا للوجود ملاذًا لللهرب إليه من قسوة الواقع.

يسندُ رأسه للخيمة ويغفو، تراوده الأحلام ورديةً، يتمنى ألا يصحو حين يرى «رهف» بثوب مزهر تركض في المخيم الّذي تحول في الحلم إلى حديقة، تطارد فراشاتٍ مضيئة، منظرُها مبهر وهي تقفز أجمل من الفراشات، تنحني لتلتقطَ ما سقط منها من أزهار فتلتقي نظراتُهما وتبتسم، يا الله ما أجملَ ابتسامتَها تحمله على أجنحتها للسماء، لا، تعيده إلى بيته في الوطن وتهدهده لينام في سريره الآمن فيناااام ينام سعيدًا.

:جمااال...جماااال تأخرتَ في النوم!

يجفل، صوت أمه وهي تقف فوق رأسه يحس بأنه سقط من السماء كطائرٍ إلى أرض المخيم، يفتحُ عينيه بصعوبة، تصدمه أشعةُ الشَّمس الحارقة ولون الرمال المحيطة بالخيام كأنها ثوب مزين بورود بيضاء ذابلة بلا حياة، ينهضُ بصعوبة ويحمل دلاء الماء الفارغة متوجهًا للحنفيات علّه يملأها بالماء، يحاول تذكّر حلمه لكنَّ الضجيج حوله يعرقل تدرُّج ذاكرته لمخزون الحلم، ينهمك في التدافع، يسمع أحدهم يهمس :بقولوا كانت كتير حلوة، ولا كيف بده يختارها من بين كل الصبايا الصغار؟؟

:هو غني كتير ما هيك؟

:غني بس هاي يمكن الرابعة قدٍ من بناته، بس الألف دولار إلي قبّضهم لأهلها حلوين!

شيء ما يلسعه من الداخل، لا تنقصه قصص مؤلمة عن زواج القاصرات لأثرياء، يقرر أن يعتصر ذاكرته مجددا عله يتذكر الحلم لكن اسمها رهف رهف يخترق قلبه كالخنجر، بلحظةٍ يتساقط حلمه على صحراء المخيم مثل فراشاتٍ محترقة!