القلعة نيوز- إشهارا منهم موقفهم الساخط على اتفاق الإمارات مع إسرائيل على علاقات طبيعية وتحالف معلن، أعلن روائيون عرب سحب ترشيح رواياتٍ لهم للتنافس على الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر)، باعتبار أن الجائزة إماراتية، الأمر الذي بادر إلى مثله أدباء عرب آخرون في مقاطعتهم الأنشطة الثقافية في دولة الإمارات. وليس في الوسع غير تقدير هذه المواقف المتوقّع أن تتطوّر وتترسّم بشكل أقوى، بعد توقيع أبوظبي مع الاحتلال الإسرائيلي ما يسمّيانها اتفاقية سلام. وقبل ذلك كله، من بالغ الأهمية تصويب الإشاعة الخاطئة، والذائعة، اعتبار جائزة بوكر إماراتية، لأنها ليست كذلك، وإنما ترعاها جهةٌ إماراتيةٌ بتمويلها غير المشروط، ففي الوسع استبدال هذا التمويل، إذا ما بادرت جهةٌ في بلدٍ عربي آخر إلى تأمينه، وإذا ما قرّر هذا مجلس أمناء الجائزة الذي لا وزن تصويتيا زائدا فيه لجهة التمويل الراهنة، وتبقى الجائزة كما هي في أنظمتها وتسييرها من دون أي اختلال أو تعديل أو تغيير.
انتظمت الجائزة العالمية للرواية العربية، في الأساس، بمبادرة مثقفين وناشرين عرب، هيأوا لها، وأسّسوها في لندن، وتم تسجيلها القانوني هناك، قبل إشهارها في مؤتمر صحافي في أبوظبي في العام 2007، واستقبلتها "مؤسّسة الإمارات" (ذات نفع عام) بتوفير الرعاية المالية لها، بعد أن قبلت الطلب منها عدم التدخل في إدارة الجائزة. ولذلك يجدُر أن تُصان (الجائزة) من أي منظورٍ خاطئٍ لها، وأن يُحافَظ على صفتها العربية الجامعة، وإبعادها تماما عن الإشاعة غير الصحيحة أنها إماراتية. وفي البال أن المؤسّسة هذه توقّفت عن توفير الدعم المالي بعد الدورة الخامسة للجائزة (العام 2013)، وجرى تداولٌ بشأن أي جهةٍ عربيةٍ أخرى تتولّى الإسناد المالي اللازم غير المشروط، فسارعت دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي إلى أن تكون البديل. وليس من شيءٍ يمنع طرح مجلس الأمناء الحالي للجائزة (16 عضوا بينهم ثلاثة ناشرين يتغيّرون كل ثلاث سنوات) مطلب الإستغناء عن التمويل من هذه الدائرة (بعد شكرها)، لتصويتٍ داخلي، وإذا ما جرت الموافقة عليه، ثم بادرت إلى تيسير التمويل البديل مؤسسةٌ أو جهةٌ، ثقافيةٌ أو اجتماعية، في بلدٍ عربي آخر، فمن شأن إجراءٍ كهذا أن يحمي الجائزة العتيدة التي استطاعت، منذ سنتها الأولى (2008) أن تُحرز موقعا خاصا في صدارة جوائز تكريم الرواية العربية، ونجحت في جذب جمهورٍ عريضٍ إلى قراءة الروايات الفائزة، وكذا روايات القائمتين القصيرة والطويلة.
أما الحماية المشار إليها هنا، ويرى صاحب هذه الكلمات ضرورتَها، فذلك بسبب الاهتزاز الذي باتت تتعرّض له الجائزة التي ينتظم إشهار أسماء الفائزين بها سنويا عشية معرض أبوظبي للكتاب، بسبب حرص روائيين وكتّابٍ عربٍ على أن يكونوا في منجاةٍ من أي شبهة تطبيعٍ مع المحتل الإسرائيلي، سيما وأن حفل تكريم الفائزين غالبا ما ترعاه شخصيةٌ حكوميةٌ إماراتية. وهذا حرصٌ مقدّر، بل ومطلوبٌ بإلحاح. ولمّا كانت هذه الجائزة متصلةً، بطبيعتها، بدور النشر وجمهور القراء، وتقوم على تكريم نصوصٍ، لا على تكريم أصحاب هذه النصوص بالضرورة، فإن دور النشر العربية (كان لاتحاد الناشرين العرب دوره في إنشاء الجائزة) مدعوّة إلى مبادرةٍ شجاعةٍ، باتجاه البحث عن تمويلٍ عربيٍّ للجائزة (مكافآت الفائزين والمحكّمين خصوصا) يكون بديلا عن الذي توفّره دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، وأن ينتظم حفل إعلان الفائزين السنوي في عاصمةٍ عربيةٍ أخرى (الكويت أو تونس مثلا). ومبادرةٌ مثل هذه في حاجةٍ لإسناد روائيين وكتّابٍ عربٍ يمكنهم أن يكونوا قوة ضغطٍ في هذا الاتجاه، من دون أن يعني ذلك كله أي قطيعةٍ مع كتّاب الإمارات وروائييها ومثقفيها، ولا التبخيس من أهمية الدعم المقدّر الذي يسّرته أولا مؤسّسة الإمارات، ثم دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي.
ليس متوقّعا أن تستقبل أجهزة الإمارات "تحرّكا" مثل هذا بأريحية، وقد لا تستحسنه مؤسسة جائزة بوكر (البريطانية ومقرّها في لندن)، والتي لها دور داعم واسترشادي للجائزة العربية، وربما لن يكون أمرا هيّنا توفير التمويل البديل، غير أن عصافير عديدة ستُصاب بهذا الحَجر، لو رماه مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية، أولها أن هذا المجلس يثبت صفته مستقلا (له عدة صلاحيات، إحداها اختيار لجان التحكيم)، وثانيها أن شطرا من الجسم الثقافي العربي يؤكّد فاعليته ووزنه ومكانته. وإلى هذا وذاك، تُحمى الجائزة الرفيعة من ارتجاجٍ كبيرٍ، كالبادي راهنا إذا ما بقي الحال على ما هو عليه.